صرخة الاستقلال هذه المرة في الغابون

الغابون تبلغ مساحتها 267667 كيلومتراً مربعاً، وتقع في غرب أفريقيا، بجوار المحيط الأطلسي، وفي جوار الكاميرون، وغينيا الاستوائية، وكونغو البرازافيل. في الفترة من 1839 إلى 1960، اعتبرت فرنسا هذا البلد رسمياً جزءاً من أراضيها، واستفادت من خلال وجودها العسكري استفادة كاملة من الموارد الغنية لهذا البلد الساحلي الخصب، حتى نالت استقلالها عام 1960 وبدأت تُحكَمُ تحت نفوذ وسيطرة فرنسية. وفي عام 1967، بعد وفاة ليومبا (أول رئيس للغابون)، أصبح ألبرت برنارد بونغو رئيسا لهذا البلد.

في السنوات الأخيرة، كانت البلاد تحت حكم الرئيس علي بونغو، وهو من العائلة الحاكمة في هذا البلد، وفي الأسبوع الماضي، من خلال إجراء انتخابات، كان يستعد لولايته الثالثة كرئيس للبلاد، لكن أطاح به انقلاب عسكري من قبل القادة العسكريين والأمنيين بقيادة الجنرال نغوما (ابن عمه) 2.

يعد الانقلاب في هذا البلد غير مسبوق، ففي عام 2019، بينما كان علي بونغو يتلقى العلاج من مرضه في المستشفى، قام العديد من ضباط الجيش بانقلاب فاشل في هذا البلد، حيث أدى ذلك بالنهاية إلى مقتلهم وهزيمة مشروعهم الإنقلابي. (3)

لقد واجه الزعيم المخلوع في الغابون هذا الانقلاب العسكري الثاني بينما كان يسيطر على مقدرات البلاد التي كانت تعاني من العديد من المشاكل الاقتصادية وجنى ثروة هائلة وحياة مرفهة لعائلته باستغلال ثروة هذه الأرض التي هي هبة من الله. إن رد فعل الشعب على الانقلاب تثبت العديد من الأمور السلبية التي كانت موجودة حيث ترى الناس تتجه نحو القوات العسكرية وتستقبلهم بالاحتفالات والتأييد لهذا النصر.(4)

الغابون بلد يتمتع باحتياطيات غنية بالمعادن والغابات الواسعة. ويعد النفط أحد مواردها المعدنية، حيث يشكل 50% من ناتجها المحلي الإجمالي و75% من صادراتها. وفي عام 1954 اكتشف الفرنسيون النفط في هذا البلد. تحتل هذه الدولة المرتبة الخامسة من حيث المنتجات النفطية في أفريقيا. ويتم استخراج وتصدير 45 مليون متر مكعب من الغاز سنويا في هذا البلد. الغابون هي أول بلد منتجٍ للمنغنيز في العالم. احتياطيات اليورانيوم الضخمة في هذا البلد توفر الوقود للمفاعلات النووية في فرنسا وتصل كميته إلى 1713 طنا. كما أن الغابون هي صاحبة أحد أكبر ثروة معدنية في العالم، حيث تصل احتياطياته منها إلى 230 مليون طن (5).

إن سلسلة الانقلابات التي نشهدها في البلدان الأفريقية تُظهرُ الوضع غير المستقر للغاية في هذه المنطقة الاستراتيجية. وكانت الدول الغربية قد سيطرت على هذه المناطق منذ حوالي 400 عام، وحرمت هذه الشعوب من التقدم والتطور باستغلال موارد هذه القارة. والآن، ومع التغيرات الهامة التي تشهدها الساحة الدولية، تختار البلدان الأفريقية، وخاصة منطقة وسط أفريقيا، جبهتها الموحدة واحدة تلو الأخرى.

 إن سبب هذه الحالة من الانقلابات المتسلسلة في أفريقيا هو وجود ودعم الصين وروسيا، اللتين تريدان الاستفادة من قدرات وامكانات هذه الدول المنتجة لقطع جميع الطرق التي تستفيد منها الدول الغربية ومنع استغلالها للموارد والثروات المتاحة. 

إن التصرفات الذكية لدول الجبهة الشرقية ستضعف وتربك الدول الغربية لأنه من ناحية، أمريكا متورطة في الحرب في أوكرانيا وحالة الصراع مع الصين في الشرق الأقصى، كما أن أوروبا غارقة بشدة في مستنقع الحرب. وعلى الجبهة الأوكرانية، يؤدي هذا الافتقار إلى التركيز إلى توحيد التخطيط بين الصين وروسيا و... للسيطرة على القارة الأفريقية. وتقوم الدول الغربية بإعداد خطة مفصلة لاستعادة الأراضي الأفريقية المفقودة، ولا ينبغي اعتبار العمل منتهيا بالنسبة للجبهة الشرقية.

والحروب المستقبلية لن تأتي من سلامة أراضي الدول واستقرارها، بل من استخدام طاقات الموارد المعدنية وإنتاج المواد الخام للدول الكبرى. وستكون واجهتها المجموعة الفائزة التي تمتلك أكبر قدرة من المعادن والطاقة.

كما تدعم خطة الحزام الصيني السيطرة على البضائع وتكريرها وتصديرها من الشرق إلى الغرب. لن يكون انقلاب الغابون هو الانقلاب الأخير في الدول الإفريقية، فقد أصبح الوضع في الكاميرون أيضًا ملتهبًا للغاية بعد الانقلاب، وعزز رئيس هذا البلد بول بيا من قوة جيشه (6) بسبب الشائعات حول احتمال حدوث انقلاب في البلاد.

امیرعلی یگانه

 1. https://www.britannica.com/place/Gabon/History  

2. https://news.sky.com/story/what-is-happening-in-gabon-and-who-is-ali-bongo-12950617

3. https://www.reuters.com/world/africa/gabonese-military-officers-announce-they-have-seized-power-2023-08-30/

4. https://www.cnbc.com/2023/08/30/gabonese-military-officers-announce-they-have-seized-power.html

5. https://www.ariseiip.com/gabon-mining-industry/

6. https://businessday.ng/africa/article/gabon-coup-rwanda-cameroon-carry-out-major-changes-in-military/