ليبيا تتحرر من آلة التطبيع للكيان الصهيوني

بعد فوز حكومة نتنياهو في الانتخابات داخل الأراضي المحتلة، اعتقد محللون وخبراء أنه مع عودة نتنياهو إلى السلطة ستتسارع آلة التطبيع مع الدول الإسلامية من جديد، وسيصل نتنياهو بالتطبيع مع الدول الإسلامية ضمن مشروع يسمى الاتفاقيات الإبراهيمية إلى مرحلة متقدمة ومهمه. لكن لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى اكتشف أن هذه التقييمات لم تكن دقيقة وأن الواقع كان مختلفًا. عندما تولى نتنياهو رئاسة السلطة في فلسطين المحتلة بحكومة يمينية متطرفة، توقع القليل من الناس أن الصهاينة سيعانون من سلسلة من الإخفاقات غير المسبوقة.

سبتمبر 19, 2023 - 08:11
ليبيا تتحرر من آلة التطبيع للكيان الصهيوني
ليبيا تتحرر من آلة التطبيع للكيان الصهيوني

بعد فوز حكومة نتنياهو في الانتخابات داخل الأراضي المحتلة، اعتقد محللون وخبراء أنه مع عودة نتنياهو إلى السلطة ستتسارع آلة التطبيع مع الدول الإسلامية من جديد، وسيصل نتنياهو بالتطبيع مع الدول الإسلامية ضمن مشروع يسمى الاتفاقيات الإبراهيمية إلى مرحلة متقدمة ومهمه. لكن لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى اكتشف أن هذه التقييمات لم تكن دقيقة وأن الواقع كان مختلفًا. عندما تولى نتنياهو رئاسة السلطة في فلسطين المحتلة بحكومة يمينية متطرفة، توقع القليل من الناس أن الصهاينة سيعانون من سلسلة من الإخفاقات غير المسبوقة.

في الواقع، لم يكن لعودة نتنياهو أثر سلبي على زيادة سياسة التطبيع فحسب، بل أوقف مجيئه مسيرة التطبيع المتسارعة وأرجعها إلى الوراء. والآن، مرت تسعة أشهر على تولي حكومة نتنياهو السلطة، وحتى الآن لم يتمكن النظام الصهيوني من التطبيع مع أية دولة إسلامية. وفي حالة السعودية يحاول الصهاينة منذ أشهر طويلة الحصول على موافقة السعوديين على اتفاق التطبيع، لكنهم حتى الآن لم يحققوا أي نجاح يذكر في هذا المجال.

في المقابل، فإن تصرفات وتصريحات الوزراء المتطرفين في حكومة نتنياهو اليمينية لم تبعد النظام الصهيوني عن تحقيق التطبيع مع السعودية فحسب، بل أثرت أيضا على علاقات هذا النظام مع الدول العربية التي أنجزت التطبيع مع هذا النظام في الماضي. كما أنه بعد المعاملة والسلوك الوحشي للحكومة الصهيونية ضد الفلسطينيين، وصلت كراهية النظام الصهيوني إلى أعلى مستوياتها عند الرأي العام الخارجي في الدول الإسلامية، مما يجعل استمرار تطبيع النظام الصهيوني مع الدول الإسلامية أكثر صعوبة واستحالة من ذي قبل.

ومن الأمثلة الواضحة على ذلك اللقاء الأخير بين وزير خارجية الكيان الصهيوني ووزيرة خارجية ليبيا وما تبعه من نتائج. ومؤخرا أعلنت وزارة خارجية النظام الصهيوني في بيان لها أن كوهين ومنقوش (وزيرة الخارجية الليبية) التقيا في روما وناقشا القضايا مهمة. و وصف هذا البيان نقلاً عن كوهين إن اللقاء بين وزيري خارجية النظام الصهيوني وليبيا كان "تاريخي" واعتبره "الخطوة الأولى في إقامة العلاقات". ولم يمر وقت طويل حتى قوبل نشر هذا الخبر بردود فعل واسعة في الرأي العام الليبي.

في البداية، رافق هذا التصريح رد فعل وزارة الخارجية الليبية التي رفضت أي لقاء رسمي. بعد ذلك، شهدت مناطق مختلفة من ليبيا احتجاجات حاشدة رداً على لقاء وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع وزير الخارجية الصهيوني إيلي كوهين. و بناء على هذه الحادثة، أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، إيقاف وزيرة الخارجية الليبية عن العمل وإحالة قضيتها إلى التحقيق القضائي. وعلى ضوء هذه الحادثة، وضع جهاز الأمن الداخلي الليبي وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش على قائمة الممنوعين من السفر لحين إجراء التحقيق. وردا على هذه الحادثة أصدر البرلمان الليبي بيانا أعلن فيه أنه سيتم عقد اجتماع استثنائي بحضور أعضاء البرلمان للتحقيق في التصرف غير الدستوري وغير الأخلاقي لوزير الخارجية الليبي في اللقاء مع وزير الخارجية للكيان الصهيوني.

كما بدأ الشعب الليبي مظاهرات في أنحاء مختلفة من البلاد ردًا على هذا الحادثة. وتجمع متظاهرون غاضبون أمام مبنى مقر الحكومة الليبية في طرابلس وهتفوا بشعارات تدين بشدة أي تطبيع للعلاقات مع النظام الصهيوني.

كما تجمع المتظاهرون الغاضبون في ليبيا أمام مبنى وزارة الخارجية، وبالإضافة إلى ترديد شعارات مناهضة لتطبيع العلاقات، أدانوا بشدة تصرفات وزير الخارجية. وكان حرق علم الكيان الصهيوني وحرق الإطارات في التجمعات الاحتجاجية للشعب الليبي من بين إجراءاتهم الأخرى للتعبير عن غضبهم من هذا العمل  التطبيعي المرفوض.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز وكذلك موقع "الوسط ليبيا" في تقارير منفصلة أن نجلاء المنقوش، وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية، فرت من بلادها وتوجهت إلى تركيا. وأفاد أحد مساعدي وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية الليبية، أنها وسط الجدل المتزايد في ليبيا بسبب نشر خبر اللقاء غير الرسمي لنجلاء المنقوش مع إيلي كوهين في روما، هربت إلى تركيا بسبب "مخاوف تتعلق بأمنها".

وردا على هذه القضية، انتقد بنيامين نتنياهو أداء إيلي كوهين وزير خارجية هذا النظام، بسبب الكشف عن لقاءه مع وزيرة خارجية ليبيا المعزولة نجلاء المنقوش، وقال: "ما حدث كان بمثابة الصدفة" وحدث غير عادي، ولا يساعد ذلك على تحسين العلاقات" ولهذا السبب أصدرت تعليمات بالسماح بالاجتماعات السرية قبل الكشف عنها.

وأثار الكشف عن لقاء وزير الخارجية الليبي مع نظيره الصهيوني في روما العاصمة الإيطالية غضب إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن. وذكر موقع "والا" الصهيوني أن حكومة بايدن قدمت احتجاجاً حاداً للنظام الإسرائيلي بسبب الكشف عن اللقاء بين "إيلي كوهين" و"نجلاء المنقوش" وزيرة خارجية ليبيا.

وبالإشارة إلى هذه القضية، كتب موقع "واينت" الصهيوني في تقرير في إشارة إلى إيلي كوهين، الذي وصف اللقاء مع المنقوش باللقاء التاريخي: "لقاء تاريخي أم خسارة دبلوماسية؟".

أظهر هذا التفاعل الواسع والقوي من الشعب الليبي والأحزاب والسلطات الليبية على قضية التطبيع مع النظام الصهيوني أن الصهاينة لا مكان لهم في الدول الإسلامية وأن فكرة التطبيع مع الدول الإسلامية في المستقبل ليست أكثر من فكرة كاذبة الحلم ومحاولة خلق الوجه المنشود للكيان الصهيوني في المجتمعات الإسلامية هو دق الماء في الهاون.

وكان لهذه الحادثة في ليبيا رسالتان مهمتان، رسالة للصهاينة تشير إلى انتهاء عملية التطبيع مع الدول الإسلامية في المنطقة، والرسالة الأخرى تحذيرٌ لقادة المجتمعات الإسلامية الأخرى من أي علاقة تطبيع مع الصهاينة والنظام الحاكم. والآن، يدرك قادة ومسؤولو الدول الإسلامية، بعد متابعتهم للأحداث في ليبيا، أن أي تطبيع رسمي مع النظام الصهيوني ستكون له عواقب وخيمة عليهم.

والآن يمكن القول أن آلة تطبيع الكيان الصهيوني مع الدول العربية توقفت منذ نحو تسعة أشهر، يحاول الصهاينة التحرر من الأوضاع السلبية في المنطقة من خلال التطبيع مع الدول الإسلامية. لكن الصهاينة يجدون أنفسهم الآن في حفرة لا مخرج منها. الرأي العام في الدول الإسلامية ليس مع الصهاينة، ولا يستطيع الصهاينة تطهير وجوههم وأيديهم الملطخة بدماء الشعب الفلسطيني في الدول الإسلامية بأدوات الدعاية.

وخلافا لما يظنه الصهاينة، فإن قضية تحرير فلسطين لا تزال حية وقوية بين الدول الإسلامية، والنظرة إلى النظام الصهيوني كنظام غير شرعي ومحتل لم تتغير ولن تتغير أبدا.

 الیاس مهدوی

https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-1033543

https://www.ynet.co.il/article/evdy2sur9

https://www.farsnews.ir/news/14020606001151/

https://www.irna.ir/news/85219217/

https://defapress.ir/fa/news/613051/