لماذا فُتح المجال الجوي العماني أمام إسرائيل؟ وهل تركب مسقط قطار التطبيع؟
ثمّة سياسة تتشارك فيها معظم أنظمة الخليج الفارسي، بما في ذلك عمان، وتسير في اتجاه واحد، هي التطبيع التدريجي مع الكيان الإسرائيلي. وفي هذا السياق، يندرج إعلان هيئة الطيران المدني العُمانية فتْح المجال الجوي العُماني، أمام جميع الناقلات الجوّية المدنية، ما سيمكّن شركات الطيران الإسرائيلية من استخدام ممرّ سعودي - عماني لاختصار أوقات الرحلات إلى آسيا.
ونال السلطان «شكراً» من وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، على تقليصه «الكلفة على الإسرائيليين ومساعدة شركات الطيران الإسرائيلية على أن تصبح أكثر تنافسية».
ويُتوقَّع أن يثير هذا القرار و«الشكر» استياءً في الشارع العُماني المعارض بشدّة لأيّ تطبيع مع الكيان، لا سيما وأنه يتزامن مع تصعيد العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين.
وفي تموز/ يوليو الماضي، أعلنت هيئة الطيران المدني السعودي، فتح أجواء المملكة أمام جميع الناقلات الجوية التي تستوفي متطلبات العبور، وأكدت واشنطن حينها أن القرار السعودي يشمل الرحلات من وإلى إسرائيل، موضحة أنه جاء نتيجة لـ"دبلوماسية الرئيس الأميركي جو بايدن، المستمرة مع السعودية على مدى أشهر عدة".
ولفت تقرير لموقع الأميركيّ "أكسيوس" آنذاك إلى أنه من دون أن تتخذ عُمان خطوة مماثلة لتلك التي اتخذتها السعودية، فإن الإجراء الذي اتخذته الرياض "يصبح بلا معنى إلى حد كبير"؛ وذكر أن رئيس الحكومة الإسرائيلية المكلف، بنيامين نتنياهو، الذي زار عُمان في عام 2018، كان قد حصل على التزام من السلطان قابوس آنذاك، بالسماح لشركات الطيران الإسرائيلية باستخدام المجال الجوي العماني.
وتعليقا على القرار الذي أثار العديد من التساؤلات بشأن ما إن كان يمهد لتطبيع العلاقات بين السلطنة وعمان، يقول خميس بن عبيد القطيطي الباحث السياسي العماني، إن السماح للطيران المدني المرور في أجواء الدول الموقعة وفقا لاتفاقيات دولية هو حق دولي وكان متوقعا، وأن الأمر لا يعني التمهيد للتطيع مع "الاحتلال".
يضيف في حديثه : أن الالتزام الدولي من قبل سلطنة عمان أمر طبيعي، في ظل عدم وجود مبرر لمنع الطيران المدني لأي دولة بالعالم، حتى "الكيان "، خاصة في ظل المطالبات الدولية للسلطنة منذ فترة.
ويرى القطيطي أن السلطنة كان لديها أسبابها السابقة لإعلان منع الطيران الإسرائيلي عبور الأجواء العمانية وتوجيه رسائل مقصودة لـ"دولة الاحتلال"، حول ما يعنيه أي ممارسات إحادية في الأرض المحتلة، وأن القرار العماني السابق كان دعما للقضية الفلسطينية.
ويلفت الباحث السياسي إلى أن هناك الكثير من الإجراءات المقاومة على الصعيد السياسي والاقتصادي، يمكن للدول العربية استخدامها في دعم القضية الفلسطينية.
بشأن ما إن كانت الخطوة تمهد للتطبيع بين السلطنة وإسرائيل، يوضح الباحث، "أن ملف التطبيع والعلاقات الدبلوماسية أمر يختلف كليا ويخضع للسيادة العمانية الرافضة للاحتلال وممارساته والداعمة للقضية المحورية الفلسطينية".
يشير الباحث إلى ضرورة التفرقة بين الالتزام بحق دولي على الجميع الانصياع له، لا سيما أنه يتعلق بحركة الملاحة الجوية والطيران المدني والتقيد بالمعاهدات الدولية ومعاهدة شيكاغو لعام 1944م، وبين قضية عربية إنسانية مصيرية، ارتبطت بها سلطنة عمان كدولة وشعب في دعمها الدائم واللامحدود.
وفيما يتعلق بالموقف الشعبي في السلطنة، يوضح القطيطي أن المؤسسة الدينية في سلطنة عمان التي يقودها الشيخ احمد الخليلي تقف بقوة في مساندة القضية الفلسطينية، وهي بذلك متوازية مع النهج الشعبي في دعم القضية الفلسطينية.
وشدد على أن الموقف الشعبي في السلطنة الذي تؤكده المواقف الرسمية للدولة، يستبعد معه أي تطبيع عماني مع "الاحتلال"، وأن أي محاولة لاستثمار الموقف الأخير أو توظيفه سياسيا نتيجته معدومة.
وتمارس الولايات المتحدة العديد من الضغوط على الدول العربية منذ سنوات طويلة، من أجل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وكان مجلس الشورى في سلطنة عمان وافق مرخرا، على إحالة مشروع تعديل المادة الأولى من قانون مقاطعة إسرائيل إلى اللجنة التشريعية والقانونية لإبداء الرأي قبل مناقشة المقترح وإقراره أو رفضه.
وقال نائب رئيس المجلس، يعقوب الحارثي، خلال الجلسة، إن التعديل المقترح "يوسع نطاق المقاطعة التي نصت عليها المادة الأولى"، مؤكدًا أن أعضاء المجلس المتقدمين بالطلب "اقترحوا تعديلات إضافية تتضمن قطع أي علاقات اقتصادية كانت أو رياضية أو ثقافية وحظر التعامل بأي طريقة أو وسيلة كانت سواء لقاءً واقعيا أو لقاء إلكترونيا أو غيره"، وفقا لموقع "أثير" المحلي.
وأثار إعلان سلطنة عمان، فتح أجوائها للطيران الإسرائيلي، بهدف تقصير مسارات الطيران نحو آسيا كخدمة لدولة الاحتلال، ردود أفعال غاضبة على مواقع التواصل بالسلطنة.
وتصدر وسم بعنوان “عمانيون ضد التطبيع” قائمة الوسوم الأكثر تداولا بتويتر سلطنة عمان، وسط مطالبات شعبية واسعة بوقف هذا القرار وعدم السماح لطائرات الاحتلال بعبور الأجواء العمانية.
وأصدر المفتي العام لسلطنة عمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، بيانا جديدا شدد فيه على ضرورة دعم الشعوب المسلمة للمقاومة الفلسطينية الشريفة، ردا على الممارسات العدوانية التي يمارسها الاحتلال في الأرض المحتلة وفي قطاع غزة.
وقال المفتي العام لسلطنة عمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي: "فوجئنا بقرار فتح المجال الجوي بما يُمَكِّن طيران الكيان الصهيوني من استعماله".
وأضاف "لم نكن نحسب لذلك حسابا قط، بل كنا نرجو أن يستمر الموقف الصامد الرافض لأي علاقة بذلك الكيان من سلطنتنا الأبية؛ فكم كنا نعتز بذلك".
وعبّر الشيخ الخليلي عن خشيته "أن تلي هذه الخطوة خطوات أخرى؛ فإن من تقهقر خطوة لم يلبث أن يتقهقر خطوات".
وتابع "نرجو كل الرجاء مراجعة الحساب في هذا، وهو مطلب وطني يتمسك به جميع الشعب العماني الأبي".
وقوبل بيان الشيخ أحمد الخليلي، بتفاعل واسع من قبل العمانيين الذين أشادوا بدعم المفتي الدائم للقضية الفلسطينية ونصرة الشعب الفلسطيني.
ورأى البعض أن بيان مفتي السلطنة، هو إدانة لاعتداءات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما اعتبروه ردا على قرار سلطات بلاده “السماح للطيران الإسرائيلي بالعبور في أجواء سلطنة عمان”.
ختاماً يعتقد المراقبون أن الخطوة العمانية لا تمثل مفاجأة في ضوء حرص سلطنة عمان على مد خطوط سياستها إلى كافة المحاور. حيث استقبلت السلطنة مؤخراً الرئيس السوري بشار الأسد في زيارة نادرة إلى مسقط قبل أيام من القرار، وهي رسالة مقصودة أن السلطنة متمسكة بنهجها التاريخي القائم على تجنب سياسة المحاور وعدم الانخراط في المواجهة الإقليمية.
مجد عيسى
المصادر:
1-https://cutt.us/wTwbw
2-https://cutt.us/gg4oO
3-https://cutt.us/9kVKO