لماذا تتريث السعودية في الانضمام إلى بريكس؟

تصدرت قمة بريكس التي عقدت الأسبوع الماضي في جوهانسبورغ في جنوب أفريقيا العناوين، وباتت محل ترقب وانتظار لما يمكن أن تخرج به، وهذا ليس لأنها قمة عادية في سياق دولي عادي، بل قمة في سياق صراع دولي بين القوى الكبرى، ينظر لها على أنها تؤسس لعالم دولي سياسي واقتصادي في آن معاً مواجهاً للهيمنة الأمريكية الغربية وبالتالي لا بد من أخذها بعين الاعتبار أياً ما تكون العراقيل أمام الدول المجتمعة في نطاق بريكس، فهذا حال طبيعي في أي بداية، فالمهم الخطوط العريضة رسمت وحددت.

ووفق تصريحات من قادة بريكس فقد تقدم ما يقرب من 20 دولة بطلب رسمي للانضمام إلى المجموعة، التي تمثل ربع الاقتصاد العالمي، وأكثر من 3 مليارات نسمة.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي حضر القمة نيابة عن الرئيس فلاديمير بوتين، إن بريكس مجموعة ريادية وسوف تعزز العدالة الدولية اعتمادا على ميثاق الأمم المتحدة، مضيفا أنه تم قبول عضوية 6 دول من أصل 23 طلبت الانضمام للمجموعة.

واستضافت جنوب أفريقيا في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس/آب الجاري القمة الـ 15 لمجموعة دول بريكس، في مسعى لترسيخ دورها في النظام الاقتصادي العالمي، حيث ناقشت جملة من الملفات بحضور أكثر من 40 رئيس دولة وحكومة، بالإضافة إلى قادة دول المجموعة.

أهم ما خلصت إليه القمة الموافقة على انضمام ست دول جديدة هي إيران والإمارات والسعودية ومصر والأرجنتين وأثيوبيا، إلى نادي كبرى الاقتصادات الناشئة الساعية إلى إعادة تشكيل النظام العالمي على أن تبدأ عضوية هذه الدول في الأول من كانون الثاني 2024، وأكد بيانها الختامي على عدة نقاط أهمها، رفض العقوبات الأحادية على الدول النامية، وحل الازمة الأوكرانية والتعاون لتطوير الاقتصاد العالمي.، داعياً إلى تعزيز آلية منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وإصلاح الأمم المتحدة بما في ذلك مجلس الأمن الدولي من أجل جعل المنظمة أكثر ديمقراطية وكفاءة، إلى جانب إصلاحات في منظمة التجارة العالمية ومؤسسات بريتون وودز المالية، كما أكد القادة دعمهم أجندة الاتحاد الإفريقي لعام 2063، بما في ذلك إنشاء منطقة تجارة حرة قارية، إضافة الى إيجاد حل جماعي لمشكلة الديون الدولية، مشيرين إلى أن التعافي الاقتصادي غير المتوازن من الوباء يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة.

وتأتي أهمية بريكس من وزنها الجغرافي والاقتصادي والبشري، إذ تمثل ربع ثروة العالم 23 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وأكثر من ثلث سكان العالم عبر ثلاث قارات، مع اقتصادات تشهد مراحل مختلفة من النمو، إضافة إلى أنها تلتقي عند نقطة واحدة وهي وضع حد للأحادية القطبية التي تقوم على نهب ثروات الشعوب وحرمانها من تنميتها وازدهارها.

ويرى المحللون الاقتصاديون أن مجموعة بريكس تمثل تحدياً للنظام السياسي والاقتصادي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأن توسع المجموعة خطوة مهمة في النظام العالمي بعد الحرب العالمية، ولاسيما أن المجموعة شرعت لبناء نظام مالي بديل وتشجع على التداول بالعملات المحلية بعيداً عن هيمنة الدولار الأمريكي وهذا أكثر ما يقلق الغرب، إذ من المتوقع أن  تتجاوز مجموعة بريكس الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة السبع هذا العام، ووفقا لصندوق النقد الدولي، فإن الكتلة ستشكل 32.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2023، مقابل حصة مجموعة السبع البالغة 29.9 في المائة.

توسع المجموعة بانضمام العديد من الدول إليها مع ترقب أخرى للانضمام من شأنه أن يوسع دائرة التحدي للغرب ولا سيما إن كانت الدول المنضمة من وزن إيران والسعودية والإمارات ومصر ودول أخرى، لما يمثلونه من ثقل سكاني واقتصادي، ولا سيما في التوقيت الدولي الراهن حيث يتبدل حلفاء أمريكا ويبتعدون عنها باستدارة نحو الشرق مما من شأنه أن يؤثر على الموازين الدولية بلا شك في السياسة والاقتصاد

وإذا توقفنا عند أهمية انضمام السعودية فأن التقديرات تشير إلى أن انضمام السعودية وحدها، بما لديها وما تملكه من احتياطي ضخم من الثروات المعدنية، وكونها أكبر مصدر للنفط على مستوى العالم، وأكبر اقتصاد عربي، وثاني أكبر دولة عربية من حيث المساحة، من شأنه أن يرفع حجم اقتصاد التكتل بأكثر من 1.1 تريليون دولار.

إذا قبلت السعودية الدعوة، فإن أكبر مصدر للنفط الخام في العالم سوف يجد نفسه في نفس الكتلة الاقتصادية مع أكبر مستورد للنفط في العالم، الصين، وسيعني ذلك أيضًا أن روسيا والسعودية – وكلاهما عضو في "أوبك +"، ستنضم معا في كتلة اقتصادية جديدة خلافا للسابقة التي وفي كثير من الأحيان نسق ضمنها البلدان معدل إنتاجهما النفطي، الأمر الذي وضع السعودية في الماضي على خلاف مع حليفتها الولايات المتحدة.

السعوديون، الذين أدركوا أن روسيا والصين تريدان تحويل بريكس إلى كتلة مناهضة للغرب، تريثوا الآن في قبول الانضمام حتى إشعار آخر. حيث قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، المملكة ستدرس دعوة "بريكس" للانضمام إليها، وأنها ستتخذ القرار المناسب. المملكة تركز في سياستها الخارجية على بناء شراكات اقتصادية، ونحن نثمن دعوة بريكس للانضمام وندرسها، بحسب الوزير.

وأشار الأمير فيصل بن فرحان إلى أن "بريكس" من القنوات المهمة لتعزيز التعاون الاقتصادي. كما شدد على أن المملكة تمضي قدما بخطوات "واثقة" نحو تحقيق الأهداف العالمية والتنمية المستدامة، وأنها تمتلك إمكانيات ومقومات اقتصادية واعدة.

كما يبدو أن مستوى المشاركة السعودية في القمة (فيصل بن فرحان) يظهر حجم التوقعات. اذ أن المملكة العربية السعودية تعتبر العضوية في مثل هذه الكتل تتماشى بشكل رئيسي مع التكامل الاقتصادي والتجاري والتخلص من المخاطر - التوازن الناعم مقابل أمريكا.

يمكن أن يؤدي الدور البارز للمملكة العربية السعودية في أسواق الطاقة العالمية إلى تعاون أوثق في هذا القطاع بين دول بريكس. ويمكنه تسهيل المناقشات حول سياسات الطاقة ومستويات الإنتاج واستراتيجيات التسعير. ومن الممكن أن يمنح هذا التطور دول بريكس المزيد من التأثير على ديناميكيات الطاقة العالمية. ومن الممكن أن يؤدي هذا الإجراء إلى تغيير التحالفات الجيوسياسية وديناميكيات القوة في آسيا والشرق الأوسط. وقد تؤدي المشاركة السعودية في هذا التحالف إلى تغيير التحالفات التقليدية لهذا البلد مع القوى الإقليمية والعالمية الأخرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وقد يجبر انضمام السعودية إلى بريكس، الاتحاد الأوروبي على التخلي عن الدولار الأمريكي وبدء تجارة النفط والغاز بالعملة الجديدة. ولذلك، فإن انضمام السعودية أو اعتماد عملة بريكس يمكن أن يدفع القوى العالمية من الغرب نحو الشرق.

 مجد عيسى

المصادر:

1- https://cutt.us/UWmzY

2- https://cutt.us/UH97w

3- https://cutt.us/kUMmn

4- https://cutt.us/E1SRw