لست ملكاً علينا!

منذ أيام قليلة مضت، قام الملك تشارلز الثالث برفقة الملكة كامليا بزيارة أستراليا، إحدى دول الكومنولث الواقعة تحت إشراف المملكة المتحدة البريطانية. تعتبر هذه الزيارة التي تأتي بعد أكثر من عقد من الزمان أول زيارة رسمية لأعلى منصب ملكي في بريطانيا إلى أستراليا، مما أعاد إلى الواجهة مسألة الاستقلال عن بريطانيا لاسيما بين أوساط المعارضين للنظام الملكي.

اکتوبر 29, 2024 - 08:16
لست ملكاً علينا!
لست ملكاًعلينا !

    منذ أيام قليلة مضت، قام الملك تشارلز الثالث برفقة الملكة كامليا بزيارة أستراليا، إحدى دول الكومنولث الواقعة تحت إشراف المملكة المتحدة البريطانية. تعتبر هذه الزيارة التي تأتي بعد أكثر من عقد من الزمان أول زيارة رسمية لأعلى منصب ملكي في بريطانيا إلى أستراليا، مما أعاد إلى الواجهة مسألة الاستقلال عن بريطانيا لاسيما بين أوساط المعارضين للنظام الملكي.

جولة ملكية!

منذ بداية هذه الزيارة للملك إلى أستراليا، بدأت مظاهر التهميش المختلفة. من حيث غياب بعض الحكام وعدم استقبالهم للملك، مما أثار غضب المؤيدين للنظام الملكي، وأدى ذلك إلى احتجاج بعض النواب أثناء خطاب الملك في البرلمان، الذين كانوا يطالبون بالاستقلال عن بريطانيا ورفضوا قبول تشارلز كملك. يطالب المعارضون بإزالة التبعية الملكية من دستورهم، ويأملون أن يُستقبل الملك تشارلز في زيارته المقبلة كرئيس دبلوماسي ضيف وليس كملك.

أطلق المعارضون على هذه الزيارة اسم "آخر زيارة للملك"، متطلعين إلى توفير الظروف اللازمة لاستقلال بلادهم الكامل عن بريطانيا. كما إن حركة الشعب في أستراليا تؤمن بأن هذه الزيارات الملكية أكثر من كونها مفيدة للشعب هي مجرد جولة سياحية ملكية ولا تحمل أي فائدة لهم.

كما يطرحون السؤال: كيف يمكن لملك غائب أن يتعامل مع شؤون بلد يبعد عنه آلاف الأميال، وهو ملك يعتبر نفسه ملكاً لعدة دول؟ لذلك يعتقد المعارضون أن الاستقلال يمكن أن يحمل لهم فوائد أكبر. في هذا السياق ينبغي النظر إلى الأسباب التاريخية والأضرار التي لحقت بالسكان الأصليين في أستراليا لفهم سبب وجود معارضة للنظام الملكي البريطاني.

تاريخ مشين!

تاريخ الجرائم التي ارتكبتها بريطانيا بحق شعب أستراليا يمتد عبر فترة طويلة. فجرائم بريطانيا ضد السكان الأصليين بدأت مع وصول أول المهاجرين في عام 1788، وقد تركت آثاراً مدمرة على المجتمعات الأصلية في البلاد. تشمل هذه الجرائم الإبادة الجماعية، والتدمير الثقافي والاجتماعي، وعمليات التطهير العرقي.

 أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض عدد السكان الأصليين كان انتشار الأمراض التي جلبها المهاجرون معهم. فقد انتشرت الأمراض المعدية مثل الجدري والحصبة التيفوس بشكل سريع بين السكان الأصليين، حيث لم يكن لديهم أي مقاومة لهذ الأمراض، مما أدى إلى وفاة الآلاف منهم.[1]

يعتقد بعض الباحثين أن انتشار هذه الأمراض كان مدبراً ومنظماً من قبل المهاجمين البريطانيين للسيطرة على السكان الأصليين. إضافة إلى ذلك قام الاستعمار البريطاني بسلب أراضي السكان الأصليين بشكل منهجي وعند ظهور أي مقاومة، كانت تُمارس عمليات الإبادة ضدهم. على سبيل المثال مذبحة "مايلا كريك" في عام 1838، حيث قُتل فيها العشرات من السكان الأصليين حتى النساء والأطفال، وهذه واحدة من بين العديد من الجرائم التي ارتكبتها بريطانيا ضد الشعب في أستراليا.[2]

تشمل السياسات الاستعمارية البريطانية الكثير من الجرائم، بما في ذلك "اختطاف الأطفال" المعروف بـ "الأجيال المخطوفة"، الذي ترك آثاراً مدمرة وعميقة على السكان الأصليين. فقد فصلت الحكومة الأسترالية الآلاف من الأطفال الأصليين عن عائلاتهم ليدمجوا في الثقافة الأوروبية ويفصلوا عن ثقافتهم الأصلية، ليعودوا لاحقاً كأشخاص بلا معرفة بماضيهم، وهذا يعتبر نوعاً من الإبادة الثقافية، حيث بقيت عواقب تلك العملية مستمرة عبر الأجيال المتعاقبة.[3]

تشكل الفجوات!

إن الرحلة القصيرة التي استغرقت 6 أيام والتي تعتبر وفقاً للبروتوكولات الملكية قصيرة (بسبب مرض الملك، تم ضغط الرحلة)، أظهرت مجددًا الفجوات بين أستراليا و بريطانيا بشكل أوضح. بينما يسعى تشارلز الثالث للحفاظ على المملكة المتحدة ويسعى لتلبية مطالب الشعب في دول الكومنولث، إلا أن هذه الجهود لا تبدو مقنعة تمامًا للمعارضين. يؤمن المعارضون للملكية بأنه إذا تمكن أسترالي من تولي زمام الأمور في بلاده فستكون مصالح أستراليا أكثر نفعاً لها من وجود ملك أجنبي غير أسترالي.

تزيد الفجوات ضد التبعية الملكية رغم التغطية الإعلامية الواسعة والدعم الكامل من وسائل الإعلام للملكية البريطانية، مما يدل على تزايد وعي الشعب الأسترالي بالحقائق، ويبدو أن هذا الوعي يمثل تحدياً للملك.

لذا، يواجه تشارلز الثالث تحديًا كبيرًا يتمثل في انهيار بريطانيا المتحدة. وعلى الرغم من أنه يوجد اهتمامات مشتركة مع أستراليا وغيرها من الدول تحت قيادته للتعاون، إلا أن هذه الجهود لا تبدو فعالة كثيرًا. في الواقع تأخرت بريطانيا كثيرًا في الانتباه إلى هذه البلدان، وأصبح التغير في النظام الدولي وسرعة وعي الناس الآن تحديات كبيرة لها. يبدو أن على بريطانيا إعادة النظر في سياستها الاستعمارية وقد تنهيها، مع احترام شعوب تلك الدول ومطالبها. وهو أمر يبدو أنه سيكون في غاية الصعوبة عليها.

امین مهدوی


[1] allthatsinteresting.com

[2] australian.museum

[3] همان