قلق إسرائيلي من الموقف العربي تجاه سوريا
– لم يكن وقع التصويت على بيان رئاسي يصدر عن مجلس الأمن يندّد بالاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس مريحاً لحكومة بنيامين نتنياهو، رغم أن البيان حل مكان مشروع قرار تمّ سحبه، ورغم معرفة تل أبيب أن سحب مشروع القرار تلبية لطلب أميركي لضمان تمريره، في ظل إحراج واشنطن التي وجدت أنها عاجزة عن إدارة الظهر أمام المناخ الدولي الغاضب على حكومة الكيان وسياساتها العنصرية والاستيطانية وما تمثله من مخاطر تهدّد بتفجير الوضع في المنطقة، لا يملك أصدقاء “إسرائيل” ما يفعلونه لحمايتها في حال وقوعه. ورغم الحديث الاسرائيلي عن العتب على واشنطن، فإن القلق الاسرائيلي ناتج عن تصدر دولة الإمارات لتسويق مشروع القرار ثم البيان، وتل أبيب تعلم حجم الثمن الذي دفعته الإمارات من مكانتها المعنوية للدفاع عن خطواتها التطبيعية مع كيان الاحتلال.
– مصدر القلق الإسرائيلي هو الشعور بأن هناك موجة عربية جديدة تحل مكان ما عرف بموجة “ابراهام” التي كانت ترمز إلى السياق التطبيعي الذي منح حكومات الاحتلال فرصة إنكار مأزقها بالإشارة إلى أنها تحقق ما كانت تحلم به تاريخياً، وهو أهم من “تفاصيل” أمنية في المواجهة مع الفلسطينيين، والموجة العربية الجديدة عنوانها سورية والتوجّه نحو سورية، والإمارات في الصفوف الأماميّة تتصدّر هذه الموجة العربية الجديدة، وبينما حاول بعض الكتاب العرب المناصرين لـ”إسرائيل” تصوير الانفتاح الإماراتي على سورية مدخلاً لضم سورية الى موجة التطبيع، كانت تل أبيب تراقب عن كثب، تحذيرات النخب الأميركية اليهودية من أن موجة “ابراهام” تتلاشى بفعل التمادي في التوحش الإسرائيلي والتطرف والعنصرية، وأن على “إسرائيل” أن تخشى ظهور موجة بديلة تأخذ العرب إليها ويصير التطبيع مجرد مرحلة مضت وتلاشت.
– يعرف الإسرائيليون أن سورية لم تكن يوماً مجرد جغرافيا في السياسة العربية، بل هي دائماً وبعد الحرب خصوصاً، خيار، وجوهر هذا الخيار هو رد مفهوم الأمن القومي العربي من دائرة وهم العداء مع إيران والاعتقاد بأن “إسرائيل” شريك في هذا المفهوم، الى المفهوم الأصلي للأمن القومي العربي الذي يعتبر “اسرائيل” مصدر الخطر، وينظر لأي خلاف مع إيران باعتباره خلافاً يجب حله عن طريق الحوار، وعندما يرى الإسرائيليون أن الإمارات التي ذهبت إلى سورية هي الإمارات التي تولت صياغة بيان إدانة الاستيطان، يتأكدون أن سورية خيار وليست جغرافيا فقط. وتدرك “إسرائيل” معنى أن السعودية التي كانت تأمل “إسرائيل” ومعها أميركا بأن تكون الخطوة التالية والأهم في مسار التطبيع وموجة “ابراهام”، لم تتأخر عن التلبية وحسب، بل هي تصرف النظر عن السياق التطبيعي للعودة إلى معادلتها الأصلية بربط التطبيع بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 67 وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لنصوص المبادرة العربية للسلام التي كانت تشكل الأرضية المشتركة بين السعودية وسورية في مقاربة الصراع مع “إسرائيل”، ما يؤكد المخاوف الإسرائيلية من حقيقتين تكفي واحدة منهما لإثارة الرعب الإسرائيلي، حقيقة أن موجة “ابراهام” تتلاشى، وحقيقة أن هذا التلاشي يفسح المجال لموجة جديدة عنوانها العودة العربية إلى سورية، وأن سورية ليست مجرد جغرافيا بل خيار.
– ما يمثله الموقف المعلن لوزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان من منبر مؤتمر ميونيخ عن قناعة السعودية بالحاجة للحوار مع الدولة السورية، وتغيير الأولويات لجهة التخلي عن التمسك بسقوف سابقة للحل السياسي وربط القضايا الإنسانية بها ومن ضمنها قضية النازحين، واعتبار أن هذا التغيير يستوجب الانفتاح على دمشق والحوار معها، يؤكد القلق الإسرائيلي، وربما هذا على صلة بالغارة الإسرائيلية الغاضبة على دمشق، بمثل التزامن بين الموقف السعودي وزيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى سلطنة عمان، التي تلعب دوراً محورياً في العلاقة السورية السعودية، في ظل حديث عن فرضية زيارة قريبة لوزير الخارجية السعودي إلى دمشق، وفرضية زيارة الرئيس السوري إلى الإمارات بعد عُمان، ويكفي ما وراء القلق الإسرائيلي المعلن من سفينة المساعدات المصرية إلى سورية التي غادرت مرفأ العريش، وعشرات الطائرات الإماراتية، التي ليست لرفع العتب.
كانت معادلة المنطقة ولا تزال، حيث تحضر سورية تتراجع “إسرائيل”، وعلى “إسرائيل” أن تخاف لا أن تقلق فقط.
ناصر قنديل