فرنسا تخطئ ولبنان يدفع الثمن!

تعتبرُ الحكومة الفرنسية نفسها دائماً بأنها داعمة للبنان، وقد حاولت أن تقف إلى جانبه في مختلف الظروف. حيث تحسبُ فرنسا نفسها وصية على لبنان وقد أقيمت علاقات عميقة بين هذين البلدين. ولكن يبدو أن الأخطاء الحسابية والدبلوماسية غير الواضحة للحكومة الفرنسية في السنوات الأخيرة قد أدت إلى انخفاض مستوى التعاون والتفاعل بين حكومتي لبنان وفرنسا. ويتضح هذا أكثر مع بداية أحداث الحرب في 7 أكتوبر ومن ثم اغتيال السيد حسن نصر الله والذي ظهر أن فرنسا لم تعد تتمتع بالقوة نفسها على مستوى النظام الدولي بما يتعلق بلبنان.

اکتوبر 10, 2024 - 08:15
فرنسا تخطئ ولبنان يدفع الثمن!
فرنسا تخطئ ولبنان يدفع الثمن!

   تعتبرُ الحكومة الفرنسية نفسها دائماً بأنها داعمة للبنان، وقد حاولت أن تقف إلى جانبه في مختلف الظروف. حيث تحسبُ فرنسا نفسها وصية على لبنان وقد أقيمت علاقات عميقة بين هذين البلدين. ولكن يبدو أن الأخطاء الحسابية والدبلوماسية غير الواضحة للحكومة الفرنسية في السنوات الأخيرة قد أدت إلى انخفاض مستوى التعاون والتفاعل بين حكومتي لبنان وفرنسا. ويتضح هذا أكثر مع بداية أحداث الحرب في 7 أكتوبر ومن ثم اغتيال السيد حسن نصر الله والذي ظهر أن فرنسا لم تعد تتمتع بالقوة نفسها على مستوى النظام الدولي بما يتعلق بلبنان.

العلاقة التاريخية!

تعود العلاقة بين لبنان وفرنسا إلى العهد العثماني حين أرسل نابليون 6000 جندي لدعم المسيحيين في الشام ضد قوات العثمانيين. كان ذلك بداية تشكيل علاقات قوية بين منطقة الشام وفرنسا.

بالإضافة لذلك، بموجب معاهدة سايكس-بيكو عام 1916 والتي أدت لتشكل شرق أوسط جديد، كانت الأراضي اللبنانية والسورية حتى ذلك الحين جزءًا من الإمبراطورية العثمانية، وقد أصبحت بموجب هذه المعاهدة تحت وصاية فرنسا وبدأت بالوصاية على هذه الدول لتقوم بأنشطة مختلفة ومتنوعة.

بعد ذلك تم إنشاء دولة لبنان في عام 1920 واستمر وضعها تحت الوصاية الفرنسية حتى عام 1943. ساهم التعاون بين البلدين في تلك الفترة بشكل كبير في تطوير الحياة الثقافية والاقتصادية والسياسية في لبنان. ولعقود عدة لم تكن فرنسا تقوي علاقاتها فقط مع المجتمع المسيحي في لبنان بل كانت أيضًا لها علاقات وثيقة مع المسلمين الشيعة والسنة. في الواقع كانت فرنسا بمثابة جسر يربط التيارات المختلفة وأحيانًا المتعارضة في لبنان وكانت مرجعًا مهمًا في التفاعلات داخل هذا البلد.[1]

زادت هذه العلاقات قوة خلال فترة رئاسة جاك شيراك الصديق المقرب لرئيس وزراء لبنان في ذلك الوقت، رفيق الحريري. كما استثمرت فرنسا كثيرًا في قطاع البناء في لبنان. في الحقيقة كانت فرنسا لا تزال تُعتبر أبرز داعم للبنان ولها نفوذ كبير في السياسة والثقافة في هذا البلد لذلك الوقت.

فرنسا تتخبط في سياساتها!

يبدو أنه مع التحولات الكبيرة في المنطقة خاصة بعد عام 2011 والحرب في سورية، بدأت فرنسا تدريجيًا تفقد مكانتها في لبنان فقد ارتكبت أخطأت الحسابات في هذه المنطقة بشأن نتائج الحرب السورية ودعمت المعارضة ضد الأسد. في الواقع لم تتمكن فرنسا من التنبؤ بشكل صحيح بنتائج هذه الحرب، ومع صرف ميزانية أوروبا في اتجاه خاطئ، ساهمت في حدوث هجرة واسعة للاجئين السوريين إلى أوروبا. وقد أدى هذا الأمر إلى أن لا تسمح ألمانيا لفرنسا باستخدام الموارد المالية الأوروبية لاستراتيجيتها في السياسة الخارجية. وبالتالي أدى عدم الدعم المالي إلى تراجع دور فرنسا في لبنان.

بالإضافة إلى ذلك لا بد من الإشارة إلى أن فرنسا تعاني من مشاكل داخلية عديدة وقد باءت جهود ماكرون لحلّها بالفشل. أي أن ماكرون حاول تغطية الضعف الداخلي بسياسته الخارجية النشطة لكنه لم يكن ناجحًا في ذلك. بعبارة أخرى تعاني الحكومة الفرنسية من ضياع داخلي يُمكن ملاحظته في سياستها الخارجية غير الناجحة. لم تتمكن الحكومة من الوصول إلى استراتيجية ناجحة وسياستها الخارجية تفتقر إلى التماسك والقوة مما أدى إلى تبني سياسة خارجية غير منظمة وغير متناسقة، ونتيجة لذلك لم تحقق فرنسا تقريبًا أي إنجاز ملموس في مجال السياسة الخارجية خلال العقد الماضي.

لماذا لم تنجح فرنسا؟

يمكن الإشارة إلى عدة عوامل تفسر عدم نجاح فرنسا في سياستها ونفوذها على مستوى العالم، وبشكل خاص في لبنان. من بين هذه العوامل أن سياسة فرنسا تجاه لبنان ليست واضحة. بمعنى أن مواقف فرنسا لا تعبر بوضوح عن دعمها للبنان، حيث أنها في حين تدعم الحق المشروع لفلسطين وللبنان، فإنها في الوقت نفسه تمنح إسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. بل إن فرنسا تقدم لإسرائيل ليس الدعم السياسي فقط، بل أيضًا العتاد والأسلحة. في الواقع هذا التوجه المتأرجح لفرنسا تجاه لبنان أدى إلى تراجع كبير في نفوذها هناك؛ لأن فرنسا لا تملك مواقف واضحة تجاه سيادة الدول وحقوق الإنسان.[2]

إلى جانب ذلك أدى تراجع الدعم المالي الفرنسي للبنان، بالإضافة إلى عدم نجاح ماكرون في إدارة العلاقات مع نتنياهو بشأن اتفاقية السلام حتى هذه اللحظة، إلى إرسال رسالة إلى الشعب اللبناني والدول في المنطقة مفادها أن الحكومة الفرنسية لم تعد تملك القوة نفسها في منطقة جنوب غرب آسيا. فضلاً عن ذلك فإن اللعبة المزدوجة لفرنسا جعلت مجموعات سياسية لبنانية أخرى تفقد ثقتها بها مما أدى إلى انخفاض مستوى نفوذ فرنسا السياسي في لبنان وخاصة مع حزب الله.

وعلى الرغم من أن ماكرون أعلن أنه لن يبيع أسلحة لإسرائيل بعد الآن إلا أنه يبدو أنه تحت ضغط اللوبيات الصهيونية، اضطرت الحكومة الفرنسية إلى الإعلان عن التزامها بالدفاع عن إسرائيل.[3] في الحقيقة أظهر دور اللوبيات الصهيونية في فرنسا وأوروبا مرة أخرى بوضوح أن الحكومة الفرنسية ليست تحت قيادة إيمانويل ماكرون ويبدو أن هناك أفرادًا ذوي مصالح أخرى يهيمنون على الحكومة في هذا البلد.

لذا ارتكبت فرنسا أخطاء استراتيجية كبيرة بدءًا من عدم الفهم الصحيح للحرب في السورية، وصولًا إلى محاولاتها لاحتواء إسرائيل ومخطط وقف إطلاق النار لمدة 21 يومًا، وكل هذه كانت أخطاء جسيمة ساهمت في دفع الشعب اللبناني ثمنًا باهظًا.

 امین مهدوی


[1] .bbc.com

[2] euronews.com

[3] aljazeera.com