علاقة طاجيسكتان مع أمريكا؛ بين الواقعية والمصلحة المحفوفة بالمخاطر  

ابريل 20, 2023 - 14:40
علاقة طاجيسكتان مع أمريكا؛ بين الواقعية والمصلحة المحفوفة بالمخاطر   

لطالما كانت علاقات أمريكا مع دول آسيا الوسطى معقدة من الناحية العملية، رغم بساطة الأهداف. وعادة ما كان السبب وراء هذا التعقيد هو دمج وجهة نظر أمريكا تجاه التطورات في هذه المنطقة، بالنهج التنافسي والعدائي أحياناً تجاه روسيا والصين  إلى جانب النزعة المحافظة لدول آسيا الوسطى.

يبدو من الممكن رسم نمط معين لسلوك واشنطن في هذه الدول بعد ثلاثة عقود من التطورات المختلفة في العلاقات بين الجانبين؛ خاصة بالنظر إلى الحرب في أوكرانيا والتوترات غير المسبوقة بين روسيا والولايات المتحدة.

وعليه تصبح أهداف زيارة بلينكن الأخيرة إلى كازاخستان وأوزبكستان، في فبراير الماضي، أكثر وضوحا من أي وقت مضى. حيث التقى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، في مدينة أستانا، وزير خارجية طاجيكستان وسعى في هذه الزيارة إلى تعزيز التعاون الأمني ​​والسياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة ودول آسيا الوسطى وخاصة طاجيكستان.

وكما هو متوقع، تحدث عن خطورة روسيا على هذه الدول وأكد على تقليل اعتمادها على روسيا. كما حذر وزير الخارجية الأمريكي من أن أي تعثر وتراجع ضد روسيا في أوكرانيا يمكن أن يجعل موسكو أكثر جرأة فيما يتعلق بالدول السوفيتية السابقة الأخرى.

في المقابل أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الهدف من النشاط الأمريكي المتزايد في بلدان رابطة الدول المستقلة هو منع هذه الدول من الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا.

وفي تعليقه على زيارة وزير الخارجية الأمريكي قال لافروف في مؤتمر صحفي في أعقاب الاجتماع الوزاري لبلدان مجموعة العشرين في الهند: "الواقع أننا نشهد الآن نشاطا متزايدا ليس فقط من قبل الأمريكيين بل والأوروبيين والبريطانيين أيضا في الدول النامية وخاصة في بلدان رابطة الدول المستقلة فلديهم نفس الهدف وهم لا يخفون أنهم يعملون هناك لدفع هذه الدول للتخلى عن الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا".

وأضاف أن الغرب يقترح العمل وفق مبدأ "انحازوا إلى المنتصر وروسيا ستنهار ولذلك يجب اتخاذ قرار مسبق".

ومن بين الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى بذل جهود أكبر لزيادة نفوذها في طاجيكستان، التطورات التي حدثت العام الماضي في منطقة آسيا الوسطى والعالم وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وصعود حركة طالبان، والحرب بين روسيا وأوكرانيا.. إلخ.

وفي هذا الصدد، دفعت الولايات المتحدة مستشاريها وممثليها السياسيين والعسكريين والثقافيين إلى الساحة ووضعت برامج مكثفة على جدول أعمال طاجيكستان.

حيث تضاعف خلال العام الماضي، عدد زيارت واجتماعات “توماس ويست”، الممثل الأمريكي الخاص لأفغانستان، “دونالد لو”، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية، والجنرال “مايكل كوريل” قائد الأركان المركزية للقوات المسلحة الأمريكية، مع المسؤولين الطاجيك.

وبحسب تصريحات المسؤولين الأمريكيين، فقد تركزت هذه اللقاءات حول القضايا الأمنية لآسيا الوسطى، وخاصة أفغانستان، وتعزيز وبناء نقاط حدودية في طاجيكستان، واحتجاجات إقليم بدخشان المتمتع بالحكم الذاتي. وبالإضافة إلى هذه القضايا، تم النظر في قضايا مهمة مثل تسليم الأسلحة المنقولة من أفغانستان إلى الجيش الطاجيكي، واستخدام أمريكا لقواعد الحدود الطاجيكية بالمجالين الاستخباراتي والأمني، والهجرة إلى أمريكا، وقضايا التدريب العسكري، وما إلى ذلك.

وفي مقابلة مع راديو آزادي طاجيكستان، تحدث دونالد لو حول مسألة بناء النقاط الحدودية: “نحن ننتظر استكمال المشروع الجديد لبناء نقطة حدودية في منطقة تشالديفار. وبالطبع فيما يخص موضوع نقاط التفتيش الحدودية أنجزت أمريكا مشاريع أخرى، ولكن مشروع تشالديفار كان أكبر مشروع، ومن بين المشاريع الأخرى تسليم ونقل منشآت ومعدات عسكرية لقوات حرس الحدود الطاجيكية.”

وهذه القاعدة تقع في منطقة تشالديفار الواقعة جنوب مدينة إيفاج الحدودية، حيث عهدت الحكومة الطاجيكية بعمليات إعادة الإعمار والتطوير لشركات عسكرية أمريكية بتمويل من إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية في عام 2020.

ووفقاً للجنرال كوريلا، منذ بداية العلاقات السياسية مع طاجيكستان، قدمت الولايات المتحدة أكثر من 330 مليون دولار كمساعدات مالية لطاجيكستان في مجال الأمن حتى الآن، منها توفير طائرات مسيرة من طراز RQ-20 Puma (صناعة الولايات المتحدة) بقيمة 20 مليون دولار والتي كانت الجزء الأكبر من هذه المساعدات.

ومن القضايا الأخرى التي تم تسليط الضوء عليها في مجال التعاون العسكري بين البلدين، المقاتلات والمروحيات التابعة للجيش الأفغاني التي التجأت إلى طاجيكستان إبان سقوط الحكومة الأفغانية السابقة. ووعد المسؤولون الأمريكيون في اجتماعاتهم مع المسؤولين الطاجيك بتسليم هذه الطائرات للجيش الطاجيكي، ولكنهم في المقابل طالبوا طاجيكستان بمطالب لم تتضح تفاصيلها.

بشكل عام، تمكن الأمريكيون من خلق موقع جديد ومناسب لأنفسهم من خلال إقامة علاقات ودّية مع مسؤولي حكومة امامعلي رحمان ودراسة احتياجات الشعب الطاجيكي بعمق. وعلى الرغم من حقيقة أن أمريكا لم تنجح بعد في إنشاء قاعدة عسكرية في طاجيكستان، ولكن شبكة استخباراتها السياسية توسّعت في طاجيكستان، وهذا يعني أنهم نجحوا في اختراق طاجيكستان دون توعية الشريك الرئيسي لطاجيكستان، أي روسيا.

وطاجيكستان لديها أكثر من 1400 كيلومتر من الحدود المشتركة مع أفغانستان ولديها العديد من أوجه التشابه مع هذا البلد من حيث التكوين العرقي والديني. لذلك، من أجل الاستمرار في السيطرة والقيام بدور في التطورات في أفغانستان وآسيا الوسطى، تحتاج الولايات المتحدة أولاً إلى طاجيكستان وثانياً إلى أوزبكستان وقيرغيزستان وباكستان وتركمانستان.

كما يسعى الرئيس الطاجيكي لترسيخ قوته وسلطته من خلال التحايل على أمريكا وروسيا، ولكن هذا الطموح قد يشرك طاجيكستان والمنطقة في قضايا لن يكون قادراً على السيطرة عليها. حيث يرى البعض أن قصر النظر الإستراتيجي لدى روسيا في قيادة الجمهوريات المستقلة وتربص أمريكا للفرص، أدت إلى جعل تلك الدول مسرحا للتنافس بين اللاعبين الدوليين، وإلى خسارة كبيرة للنفوذ الروسي في فضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي.

 مجد عيسى

المصادر:

https://cutt.us/AUAaU

https://cutt.us/MJfh3

https://cutt.us/KYZXi

https://cutt.us/zx8HS