أسئلة استراتيجية حول المتغيرات الاقليمية
لا شك أن العنوان الراهن للأحداث الدولية والإقليمية هو حالة المخاض لنظام دولي جديد وبلا شك سيكون لذلك بالتبعية نظام إقليمي جديد.
والنظام الدولي القائم على مؤسسات دولية ونظام مصرفي وعملة مهيمنة كالدولار، ربما يحتفظ ببعض أشكاله، لكن من حيث الفاعلية ستتغير توازناته بحيث لا تصب هذه المكونات لصالح قطب وحيد، وستصب التفاعلات في صالح تعدد الأقطاب، وهو ما يفسر نشوء التكتلات المقابلة على غرار البريكس اقتصاديًا، والتحالفات الجديدة عسكريًا وأبرزها التعاون الروسي الإيراني والصيني.
وهذا المخاض والمرحلة الانتقالية التي يمر بها العالم والإقليم تفرض تغيرًا لإيقاع الصراعات، فمنها ما يزداد حدة ليصل لمرحلة الانفجار، وهو غالبًا ما يتعلق بصراعات السلطة كحالة السودان، وهي حالة مرشحة في أكثر من بلد ترتخي قبضة الضغوط والتوازنات الإقليمية على أطرافه المتصارعة وبالتالي يحاول كل طرف انتزاع السلطة بأدواته المتاحة، ومنها ما تهدأ معه بعض الصراعات وربما تلجأ لتسويات بعد اليقين بخطأ المسار وتراجع الحماية أو رفعها عن بعض الدول، أو بسبب تغير الأولويات الدولية وحاجة بعض الأطراف للهدوء.
يبقى هنا التضارب والارتباك هو الحالة السائدة لمعظم الأطراف باستثناء محور المقاومة لأنه المحور الثابت على خياراته وله رؤية وهدف استراتيجي، ولديه منظومة أخلاقية لا تقبل المناورات أو الخداع، ويمتلك بنك أهداف واضحة غير قابلة للتعديلات ولا ترتبط بالموازين، لأنها أيديولوجية وليست ميكافيلية.
وتبرز هنا عدة أسئلة نرى من المهم مناقشتها لضبط الحالة الراهنة وعدم الإغراق في التفاؤل أو التشاؤم، وذلك كمحاولة للوصول لحالة هي الأقرب للموضوعية المطلوبة بشدة لمحور يعد مكونًا إقليميًا هامًا، ويمكن أن يكون تكتلًا وازنًا في نظام عالمي جديد.
ومن أهم هذه الأسئلة، نرى خمسة عناوين تحوي داخلها تساؤلات فرعية بحاجة لتفسير وإجابات، نحاول الاجتهاد في التصدي لها على النحو التالي:
1- ما هو العنوان الرئيسي للمرحلة الحالية بالإقليم وأسرار التهدئة السعودية مع ايران وسوريا؟ وهل هناك تمرد سعودي حقيقي على أمريكا؟ وما هو حجمه وعلى أي مستوى؟
وهنا تبرز التهدئة كعنوان رئيسي للإقليم، ولعل السعودية كانت أبرز المؤشرات لهذا العنوان بعد ركونها لهذه التهدئة بحكم الأمر الواقع لنتائج الصراع وتداعياته، واتجاه مسار الأحداث باليمن ومسار الاحتقان الإقليمي الذي يقود لتورط المملكة بشكل مباشر مع المعسكر الأمريكي في معارك هي بالأساس لصالح العدو الصهيوني دون عائد على مصالح السعودية، وهو ما فرض وقفة تعقل، ربما كانت حسابات المملكة بها هي اتباع سياسة "صفر مشاكل" وهو ما ينعكس على سياسات المملكة من اعلانات متواصلة عن عدم الممانعة في التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وكذلك استئناف العلاقات مع إيران، ومؤخرًا مع سوريا وقيادة المملكة لجهود إعادة سوريا للجامعة العربية.
وهنا لا يمكننا الذهاب باتجاه تمرد أو تحول استراتيجي سعودي أو التفاتة نحو الشرق وخروج من المحور الأمريكي، لأن الهيكل الأمني للمملكة لا يزال يقوم على الحماية الأمريكية، ولا تزال المملكة جزءا من قوات سنتكوم الأمريكية، ولا يزال "البترو دولار" هو العملة الرئيسية، وبألفاظ أخرى، لا تزال العلاقات السعودية مع الدولة العميقة الأمريكية قائمة، وينحصر هامش الخلافات وهامش التمرد في خانة الإدارة الأمريكية، وتحديدا الديمقراطية، وهو ما يقودنا إلى السؤال الثاني.
2- هل تعارض أمريكا التهدئة أم أنها تريدها في هذه المرحلة وفقًا لأولويات الصراع الدولي؟ وهل هناك فيتو امريكي على العلاقات الثنائية مع سوريا أم الفيتو يخص العودة السورية للجامعة؟ وما هو الفيتو الأمريكي الرئيسي؟
الاختبار الحقيقي هنا لهذه الدول ومصداقيتها هو مدى دعمها لسوريا وفك الحصار عنها، وكذلك عدم التدخل ولا حتى بالمناقشة في خيارات سوريا السياسية وتحالفاتها وعلاقتها بمحور المقاومة وفصائلها وتمركزاتها.
ولعل الفيتو الأمريكي الرئيسي يتعلق بعودة سوريا الى الجامعة العربية لأنه فك صريح للعزلة، ولذلك هناك من ينوب عن أمريكا في الاعتراض وعرقلة عودة سوريا للجامعة.
3- ما هي العوامل التي تجعلنا نصدق نوايا السعودية والامارات في التقارب أو نرتاب منها ونضعها في خانة المؤامرة؟
وهنا يمكن بلورة عوامل المصداقية في مساعدة الدولة السورية على تجاوز أزماتها الناتجة عن الحصار ومساعدتها في استيعاب عودة اللاجئين وإعادة الإعمار دون التدخل في الخيارات السياسية والعسكرية وعلاقات سوريا بالمقاومة.
4- الصراع السعودي الاماراتي وانعكاسه على بعض الدول وماذا يحدث بالسودان وهل هناك دول اخرى قابلة للاشتعال مثل السودان في الأيام القادمة؟
لا شك أن الخلافات السعودية الإماراتية تحولت إلى صراعات على الأرض في عدة جبهات مثلما حدث في اليمن بين قوات موالية للطرفين بالوكالة، وربما ما يحدث بالسودان هو انعكاس بشكل أو بآخر لتضارب المصالح والولاءات، وربما تكون هناك دول أخرى مرشحة للانفجار بسبب هذا التنافس، وربما تلجأ السعودية حاليا ووفقا لسياسات التهدئة والاستقرار للتعامل مع الجيوش ومؤسسات الدولة، بينما تتعامل الإمارات مع قطاعات مختلفة وفقا لما يحقق المصالح، وهو أمر ينذر بالفوضى في عدة دول.
5- ما هي المعضلة الدولية والإقليمية الرئيسية؟
يقال إن المعضلة الرئيسية هي غياب البعد الأيديولوجي في الصراعات الدولية، فبينما كانت بالماضي القريب هناك معسكرات تبلور أيديولوجيات، مثل المعسكر الاشتراكي الذي دعم حركات التحرر الوطني، والمعسكر الرأسمالي الذي دعم الأنظمة الموالية للغرب، فإن المعسكرات الراهنة دوليا تغيب عنها الأيديولوجية، وبالتالي نرى معسكرات هجينة، يمكن لروسيا أو الصين بها التعاون مع العدو الإسرائيلي ومع العرب وإيران، وهو أمر يبدو طبيعيا بسبب غياب الأيديولوجية عربيا، حيث تخلى النظام الرسمي العربي في أغلبيته عن القضية المركزية وقضايا التحرر الوطني، وأصبح التطبيع مع العدو مصطلحا مساويا للتطبيع مع سوريا!
وبالتالي لا يوجد من يحمل القضايا الأيديولوجية إلا معسكر المقاومة وهو ما يجعل هناك تقاطعات مع معسكرات صديقة ولكنه يحول دون التحالف الكامل بسبب عدم تطابق الأهداف والرؤى.
لا شك أن المحور يجيد العمل السياسي ولكن بروح المقاومة والتمسك بالثوابت، كما يجيد استغلال التقاطعات مع المعسكر الشرقي، وهناك تطوير لتكتل محور المقاومة وتجسيد لأيدلوجيته المتمايزة عن جميع المعسكرات.
نعم هو حلف موجود على الأرض وبالميدان ويشكل جبهة استراتيجية وازنة، ولكن خروجه للعلن كتكتل، سيفرض نمطًا مختلفًا للتحالفات، ويفرض على الأصدقاء سياسات أخرى تجاه المعسكر الآخر وخاصة العدو الإسرائيلي، كما أنه سيرفع الكثير من الضغوط والفزاعات السياسية التي يستخدمها البعض مثل التدخل أو الاختراق الإيراني أو التشكيك في الولاءات للدول، لأن الولاء الجمعي سيكون للأيديولوجية وهي المقاومة والتحرر الوطني.
إيهاب شوقي