طوفان الاقصی، صرخة العدالة
في الظاهر أن ما حدث لإسرائيل في الأيام القليلة الماضية كان حدثاً مفاجئاً تماماً، وهو الحدث الذي يعتبره البعض فشلاً ذريعاً للاستخبارات الإسرائيلية ويعتبرون هجوم حماس خطوة كبيرة لكسر هيبة إسرائيل الزائفة، وآخرون، معظمهم من الدبلوماسيين والقادة السياسيين الغربيين وصفوا هذا العمل بأنه عمل "إرهابي" "غير ضروري" بينما أصروا على أن لإسرائيل "الحق في الدفاع عن نفسها" ضد هذه الحملة.
في الظاهر أن ما حدث لإسرائيل في الأيام القليلة الماضية كان حدثاً مفاجئاً تماماً، وهو الحدث الذي يعتبره البعض فشلاً ذريعاً للاستخبارات الإسرائيلية ويعتبرون هجوم حماس خطوة كبيرة لكسر هيبة إسرائيل الزائفة، وآخرون، معظمهم من الدبلوماسيين والقادة السياسيين الغربيين وصفوا هذا العمل بأنه عمل "إرهابي" "غير ضروري" بينما أصروا على أن لإسرائيل "الحق في الدفاع عن نفسها" ضد هذه الحملة.[1]
لكن في الواقع لا يوجد شيء مفاجئ أو بدون دليل لهذه العملية. وهذه ليست إلا نتيجة للفجوات الموجودة في المؤسسات والأنشطة الأمنية الإسرائيلية. هذا هو الرد و الإجابة التي يمكن توقعها من الشعب الفلسطيني الذي يواجه الحكم الاستعماري والاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي منذ عقود. ويحظر القانون الدولي على الدول "أي احتلال عسكري، مهما كان مؤقتا". كما يؤكد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 37/43 من جديد على أن الشعوب التي تناضل من أجل الاستقلال والتحرر من الحكم الاستعماري لها الحق في القيام بذلك باستخدام "جميع الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح".[2]
وبعبارة أخرى، فإن عملية طوفان الأقصى هي جزء من الكفاح الفلسطيني المسلح ضد سنوات العدوان والاحتلال الإسرائيلي. وليس من المستغرب أيضًا أن تعتمد الحركات المسلحة الفلسطينية على تكتيكات غير متماثلة وسرية. والسبب هو أنهم، وفقًا للعديد من الخبراء العسكريين، يواجهون واحدًا من أكثر الجيوش تقدمًا وقوة وغنى في العالم، لذا فإن الأسلوب غير المتكافئ والمفاجىء هو أفضل طريقة للقتال.
لماذا تمت هذه العملية من غزة؟
ليس من عجباً أن تبدأ هذه العملية من غزة. ذات يوم وصف الباحث الأمريكي الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد غزة بأنها "جوهر" النضال الفلسطيني. غزة مكان فقير ومعدم ومكتظ بالسكان، ومعظم سكانه من اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من منازلهم خلال نكبة عام 1948[3].
في السابق ، أشعلت غزة الانتفاضة الأولى وجذبت الكثير من المقاومين الفلسطينين في العقود القليلة الماضية. وتخضع غزة لحصار شديد منذ 17 عاما ، مما تسبب في خسائر فادحة لشعبها ، لكن مع كل ذلك لم تستطع اسرائيل تقويض إرادتها في المقاومة والصمود. حيث فُرضَ الحصار عليها بعد فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 ، لكن منافستها الفلسطينية فتح، إلى جانب إسرائيل وأنصارها تآمروا لمنعها من الاستيلاء على السلطة. بعد عدة أشهر من الصراع، تمكنت حماس من السيطرة الكاملة على غزة في يونيو 2007 ، ولهذا السبب قررت إسرائيل وشركاؤها معاقبة الفلسطينيين الذين يعيشون فيها عقوبة جماعية وبلا رحمة.
منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، لم يتمتع سكان غزة بحرية الحركة ويمكنهم مغادرة المنطقة فقط تحت رقابة صارمة وبشروط خاصة مثل تأشيرة عمل إسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، أدى الحصار الاقتصادي على غزة إلى نمو البطالة بين شباب هذه المنطقة، وأكثر من نصف شباب هذه المنطقة عاطلون عن العمل.
وبالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى سوء التغذية والقيود التي تفرضها إسرائيل على توصيل المواد الغذائية، مما أدى إلى إصابات جسدية وعقلية واسعة النطاق بين سكان قطاع غزة. واليوم، وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي، يعاني جزء كبير من السكان من انعدام الأمن الغذائي. في عام 2022، لم يكن لدى 1.84 مليون شخص في جميع أنحاء فلسطين - أي ثلث السكان - ما يكفي من الغذاء لتناوله. ومن بين هؤلاء الأشخاص، يعتبر 1.1 مليون شخص "يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد"، ويعيش 90 بالمائة منهم في غزة.[4] ويعاني القطاع أيضاً من أزمة طاقة. إن الحظر الذي تفرضه إسرائيل على دخول الوقود إلى غزة يعني أن إنتاج الكهرباء محدود للغاية. في هذا العام لدى غزة 13 ساعة فقط من الكهرباء يوميًا. وأدت هذه المشكلة إلى انخفاض كفاءة نظام تنقية المياه، ونتيجة لذلك، كان من الصعب للغاية الحصول على المياه الصالحة للشرب، وأصبح هذا في حد ذاته سبباً رئيساً لجميع أنواع الأمراض التي يعاني منها الناس.
ورغم كل ذلك، تبرر إسرائيل هجماتها في هذه المنطقة بالادعاء بأنها تطارد مقاتلين فلسطينيين. ومع ذلك، فهي تستهدف بشكل منهجي المدنيين والبنية التحتية المدنية مثل المباني السكنية والمستشفيات والمدارس ومحطات معالجة المياه وما إلى ذلك، مما يجعل الحياة في غزة لا تطاق، وتسعى إلى تهجير الناس قسراً في المنطقة.
ومع ذلك، وفي كل هذه السنوات ومع الكم الهائل من المآسي والمعاناة، لم تختف روح فلسطين ومقاومتها. وكان التبرير الرسمي لعملية حماس هو تدنيس إسرائيل للمسجد الأقصى، ثالث أقدس المواقع الإسلامية، وزيادة عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين. لكن بالنظر إلى الأبعاد الواسعة لهذه العملية والتخطيط الجيد لها، يبدو أنه تم التخطيط لها منذ عدة أشهر إلى عامين،[5] ومن المرجح أن عملية طوفان الأقصى كانت جارية بالفعل قبل الأحداث الأخيرة في القدس وإسرائيل والضفة الغربية. في الواقع، ما يبدو أنه أعظم رد عسكري للفلسطينيين في العقود الأخيرة كان تطورًا لا مفر منه، وعملًا من أعمال المقاومة ورد فعل على معاناة شعب غزة في ظل الحصار والاحتلال الوحشي. إنه جزء من النضال الفلسطيني من أجل الحرية ويعزز مكانة غزة في قلبها. وهذا تصرف طبيعي وصرخة شعب يتعرض لأشد الضغوط، وربما لو سمعت الدول العظمى صوته بوقت أبكر أو لو لم تكن هناك حكومة متطرفة في إسرائيل لوصلت هذه الصرخة إلى آذان العالم بطريقة أخرى.
[1] reuters.com
[2] un.org
[3] aljazeera.com
[4] wfp.org
[5] .csis.org