تركيا.. مخطط استعماري لا ينتهي في سوريا

الاحتلال التركي لسوريا ليس وليد سنوات الحرب إنما هو قديم، فسياسيات تركية الاستعمارية في سوريا لم تتوقف أبدا ولم ينتج عنها سوى التخلف والتراجع والجمود على كافة المستويات لأن الاحتلال العثماني لطالما كان يستهدف التقدم والتطور في الدول التي يستهدفها. 

مارس 16, 2024 - 15:56
تركيا.. مخطط استعماري لا ينتهي في سوريا
تركيا.. مخطط استعماري لا ينتهي في سوريا

الاحتلال التركي لسوريا ليس وليد سنوات الحرب إنما هو قديم، فسياسيات تركية الاستعمارية في سوريا لم تتوقف أبدا ولم ينتج عنها سوى التخلف والتراجع والجمود على كافة المستويات لأن الاحتلال العثماني لطالما كان يستهدف التقدم والتطور في الدول التي يستهدفها. 

والآن برز الاحتلال التركي بذريعة جديدة بعد بدء الحرب على سوريا وهو محاربة الإرهابيين في حزب العمال الكردستاني شمال سورية والأمر لم يقف عند حدود مزاعم تركيا في محاربتهم للقضاء عليهم بل إنما في تدخلها الصارخ بالشأن الداخلي للشمال السوري من المجالس المحلية والهيئات القضائية وصولا للمراكز التعليمية.

فلا يقتصر الوجود التركي في المناطق الشمالية في سوريا على الجانب العسكري فقط، بل تعمل السلطات التركية بالتعاون مع الفصائل السورية المعارضة الموالية لها على نشر الثقافة واللغة التركية إلى جانب احتكار المشاريع الاقتصادية الرئيسية في المنطقة.

وبالرغم من الحديث إعلاميا عن تقارب سوري تركي بين الفينة والأخرى إلا أن هذا الأمر تنفيه جملة وتفصيلا الممارسات التركية في سورية.

وإذا تمعنا في تاريخ الاعتداءات التركية في سورية ففي آب 2016، أطلقت تركيا عملية عسكرية سمتها "درع الفرات" بالاشتراك مع جماعات إرهابية مسلحة في المناطق التي كانت وقتها خاضعة لسيطرة "تنظيم الدولة الإسلامية".

وفي بداية عام 2017، استولت قوات الاحتلال التركية وحلفاؤها على جزء من الشريط الحدودي بين البلدين، الممتد بين جرابلس في الشرق واعزاز من الغرب ومنطقة الباب إلى الجنوب.

كان هدف تركيا العلني وقتها، محاربة ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، أما هدفها الاستراتيجي الأهم، فكان منع القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة من التوسع في المناطق الواقعة غربي نهر الفرات.

وفي كانون الثاني 2018، أطلقت تركيا وجماعات مسلحة موالية لها عملية عسكرية جديدة في المنطقة، وكانت هذه المرة تهدف إلى السيطرة على منطقة عفرين الكردية، التي كانت تحت حماية المقاتلين الأكراد منذ بداية الأزمة السورية.

 ومنذ ذلك الحين، تحدثت عدة منظمات حقوقية عالمية ووسائل إعلام عن تردّي الحالة الاقتصادية والأمنية والإنسانية في هذا الجزء من سوريا.

كما تشرف تركيا بشكل مباشر على المجالس المحلية التي تدير المناطق الواقعة بين جرابلس والباب وعفرين. تتبع هذه المجالس لما يسمى بـ "الحكومة السورية المؤقتة" التي تتخذ من تركيا مقرًا لها، وتستلم رواتب موظفيها من الحكومة التركية وهو ما يثبت بالدليل القاطع دور تركيا الأكيد في دعم مجموعات "المعارضة السورية" ودعمها لتساندها لاحقا في مخططها في ضم مناطق الشمال السوري لها وتشكيل ما أسمته تركيا منطقة آمنة

وقال مسؤول من الجماعات المعارضة الموالية لتركيا في آذار الماضي بأن مجلس عفرين يتبع إدارياً لمقاطعة أنطاكيا (هاتاي) التركية المجاورة.

وجاء في تقرير لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في يونيو/حزيران 2018 بأن حاكم هاتاي قد عيّن أثنين من المسؤولين الأتراك للإشراف على الحكم في منطقة عفرين.

وفي منطقة الباب هناك معلومات أفادت بتقدم السكان بطلب الحصول على بطاقات هوية جديدة صادرة عن السلطات التركية. وفي حال نجاح هذا المشروع، سيُطبق في المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرتها.

أما اقتصادياً، لا يُسمح للمنظمات غير المسجلة في تركيا بالعمل في عفرين أو مناطق أخرى خاضعة لسيطرتها. وفتحت تركيا مركزين للخدمة البريدية التركية في كل من بلدتي جرابلس والباب، ومن المتوقع افتتاح مركز ثالث في عفرين قريباً.

وتلعب هذه المراكز دور البنوك، وهي المراكز الرسمية الوحيدة التي تسجل الأموال الداخلة والخارجة من تلك المناطق.

وأرسل محافظ غازي عنتاب التركية ممثلين عنه لافتتاح مدينة صناعية واقعة بين الباب وحلب ويربطها بتركيا طريق أنشأ لهذا الغرض، لتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير بين تلك المناطق وتركيا.

كما افتتحت تركيا في أواخر عام 2018 فرعاً لجامعة "حران" في الباب وتدرس فيها اختصاصات الهندسة الكهربائية والزراعة والبناء باللغات العربية والتركية والإنجليزية.

أما في عفرين، فتم افتتاح مدرسة ثانوية إسلامية تركية شبيهة بمدارس "إمام خطيب" التركية إلى جانب مدارس أخرى جميعها ممولة من تركيا.

كما تخطط تركيا لتجديد وتحويل منزل في عفرين إلى متحف بحجة أن مؤسس الجمهورية التركية كمال أتاتورك استخدمه خلال الحرب العالمية الأولى.

وتسببت الحملة العسكرية التركية على عفرين وممارسات الجماعات السورية المسلحة لاحقاً بنزوح ما يزيد عن 130 ألف مواطن من أبناء عفرين إلى المناطق التي ﺗﺧﺿﻊ ﻟﻟدولة السورية أو تلك التي تقع ﺗﺣت ﺳﯾطرة قوات سوريا الديمقراطية شمال شرقي البلاد.

ولدى عودة بعض النازحين بعد رحلة محفوفة بالمخاطر إلى منازلهم في عفرين، لم يجدوا سوى منازل خاوية، وفي حالات أخرى، وجدوا منازلهم مسكونة من قبل أفراد الجماعات المسلحة وأسرهم.

وسط هذه المسيرة التي يغلب عليها الصبغة الاستعمارية يبدو جليا مما سبق أن ممارسات السلطات التركية كلها ترمي إلى هدف واحد ألا وهو تتريك مناطق الشمال السوري تمهيدا لضمها إلى تركيا.

لا تخرج تركيا من مزاعمها في محاربة الإرهاب كغطاء لمدّ توسعها الاستعماري  وإحياء أمجادها العثمانية مع إحياء  “الميثاق الملي“ الذي يعد مخططاً واستراتيجية تاريخية للاحتلال التركي تعود إلى العهد العثماني، وتنفذ بشدة وعنف من قبل  أردوغان، منذ توليه الحكم في عام 2002.

ويهدف هذا المخطط إلى إعادة العثمانية الجديدة في سوريا والعراق. ويتضمن استراتيجيات متعددة، بما في ذلك التغيير الديمغرافي، واقتطاع أراضٍ مجاورة، وضمها لأراضي تركيا، وذلك بالاحتلال وبناء الجدار العازل.

وتدعي السلطات التركية أن لديها صلة وثيقة بالشمال السوري تاريخياً، وأن أجزاءً من بلدة الباب تعود أصلاً إلى عائلة السلطان عبد الحميد الثاني بحسب مصادر سورية معارضة.

لذلك فإن الحديث عن مصالحة سورية تركية دونه الكثير من العراقيل والعثرات إذ إن لا نيّات تركية سليمة بل على العكس من ذلك كل التحركات التركية تحت عناوين التعليم وغيرها ليس إلا عناوين براقة تخفي تحتها الاستعمار إذ لا يمكن تصديق أن تركيا تحارب الإرهاب في حين فتحت حدودها أمام إرهابيين من شتى بقاع العالم لتخريب وتدمير سوريا.

إضافة إلى اتباع تركيا سياسة التتريك في عفرين على وجه الخصوص، عبر إزالة أي رمز كردي في المدينة وتغيير أسماء الشوارع والساحات الرئيسية وتجريدها من أي إشارة إلى هويتها الكردية، وانتشار الأعلام التركية وصور أردوغان في الدوائر الرسمية والمدارس والأماكن العامة.

يشهد الشمال السوري اليوم ولا سيما في إدلب مظاهرات تطالب بإسقاط أبو محمد الجولاني وهذا الأخير بعد أن كان أداة تركيا على ما يبدو تبحث أنقرة عن شخص جديد يتماهى مع مرحلة تركية جديدة تحضرها تركيا للشمال.

 مجد عيسى

 

المصادر:

1- https://cuts.top/Ap4R

2- https://cuts.top/CbEU

3- https://cuts.top/CbF8

4- https://cuts.top/Ap6F