بن سلمان في باريس... عن ماذا يبحث ؟
بن سلمان في باريس... عن ماذا يبحث ؟
أمضى ولي عهد السعودية في باريس أكثر من عشرة أيام، وربما يتساءل القارئ عما يفعله الأمير في فرنسا طوال هذا الوقت؟ تربط الرياض وباريس علاقات وثيقة إلى حد الشراكة الاستراتيجية في مختلف المجالات وتسعى لتحقيق المصالح المشتركة في القضايا الإقليمية ، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 11.55 مليار دولار العام الماضي.
لكن الهدف من زيارة بن سلمان ليس فقط تعزيز الشراكة مع فرنسا والغرب، ودراسة القضايا الإقليمية والدولية وتوقيع عقود استثمار بقيمة 3 مليارات يورو. بالطبع وقعت أرامكو وتوتال أيضًا عقدًا بقيمة 11 مليار دولار لبناء منشأة للبتروكيماويات يوم السبت الماضي.
أهم أجندة بن سلمان في رحلته إلى باريس هي التشاور وكسب دعم الدول لاستضافة معرض "إكسبو 2030". يقع المقر الرئيسي للمكتب الدولي للمعارض في باريس، التي تضم 170 دولة كعضو ، ويتم منح امتياز استضافة المعرض من خلال عملية خاصة بعد ترشيح الدول من خلال تصويت الأعضاء ، والتصويت النهائي لمعرض إكسبو 2030 سيجري في نوفمبر المقبل وحالياً تم ترشيح ثلاث مدن وهي الرياض من السعودية وروما من إيطاليا وبوسان من كوريا الجنوبية لاستضافة معرض إكسبو 2030 ، وفي الأسبوع الماضي سجلت المملكة العربية السعودية ترشيحها للرياض الرسمي لاستضافة المعرض في باريس.
الغرض الآخر من زيارة بن سلمان إلى فرنسا هو المشاركة في قمة "الميثاق المالي العالمي الجديد" ، التي عقدت بدعوة من ماكرون بحضور 50 رئيسًا ورئيس وزراء ومسؤولين آخرين من عشرات الدول لمراجعة إصلاحات النظام المالي العالمي، ومكافحة الفقر وتغير المناخ. لكن هذه القمة تحولت أيضاً إلى ساحة منافسة قوية بين السعودية وإيطاليا وكوريا الجنوبية للحصول على دعم الدول الأخرى لاستضافة "إكسبو 2030". يبدو أن فرصة الرياض للفوز بهذه الاستضافة هي أكثر من المدينتين الأخريين ويبدو أن 90 دولة من أصل 170 دولة قد دعمت الرياض.
ويبدو أن السعودية تتطلع إلى الحصول على ثلثي الأصوات في المرحلة الأولى من التصويت ومن ثم الانتقال إلى المراحل المقبلة مباشرة. ومن المثير للاهتمام أيضًا أن فرنسا بصفتها عضوًا مهمًا في الاتحاد الأوروبي أدارت ظهرها لعضو آخر في الاتحاد الأوروبي، وهو إيطاليا، وأعلنت أنها تدعم استضافة الرياض. لكن لماذا؟ لأن السعودية أولاً غنية، وثانياً أصبحت بوابة العالم العربي، وثالثاً تحتاج باريس إلى دعمها في الشرق الأوسط، لا سيما في ملفات هامة مثل لبنان.
لكن الدافع الأكثر أهمية في رأيي هو الاقتصاد والفوائد الاقتصادية. اليوم يلعب المال والاقتصاد أكثر من أي وقت مضى دورًا حاسمًا في تنظيم العلاقات بين الدول مثل العلاقات بين الناس. بغض النظر عن شكل وطبيعة نظام الحكم في بلد ما، وما إذا كان ديمقراطيًا أم غير ديمقراطي وسلطوي مثل المملكة العربية السعودية، يكفي أن يكون الوضع الداخلي لتلك الدولة مستقرًا وسياسة خارجية متوازنة، ومن ثم فهي غنية، ولديها اقتصاد مبرمج هو محرك هذه السياسة سيأتي الجميع إليها ويربطون مصالحهم بها.
أعطت اليوم الأيديولوجيا مكانها للاقتصاد في السياسة الداخلية والخارجية للمملكة العربية السعودية ، وامتلكت السياسة والمصالحات والعلاقات الخارجية لهذا البلد نكهة اقتصادية. تهدف جميع جهود بن سلمان إلى تحقيق الرؤية الشاملة 2030، التي تقوم على التنمية الاقتصادية دون الاعتماد على الدخل النفطي. يُنظر إلى استضافة المعرض في نفس العام بصرف النظر عن أهميته الرمزية في هذا التزامن على أنه المحرك لهذه الرؤية ومستقبل مشاريعها بعد عام 2030.
إكسبو هو عنصر عالمي مؤثر للغاية في اقتصاد البلد المضيف من خلال جذب الاستثمار الأجنبي والسياح. لا تركز آثار استضافة المعرض على نفس الفترة من الحدث فحسب ، بل هي طويلة الأمد ومستدامة. ونفسه برج إيفل الفرنسي تم بناءه في عام 1889 بهدف استضافة المعرض، والذي كان منذ ذلك العام وحتى الآن يجلب ملايين السياح إلى فرنسا كل عام وأصبح الوجهة السياحية الأكثر زيارةً والأكثر ربحًا في أوروبا، ووفقًا لـ بحث ايطالي حقق حتى الآن حوالي 543 مليار دولار للاقتصاد الفرنسي.
وإذا نجحت السعودية باستضافة هذا المعرض فمن المتوقع أن يزورها خلال فترة إقامته من أكتوبر 2030 إلى مارس 2031 في مدينة الرياض نحو 40 مليون أجنبي، مما يجذب استثمارات بمليارات الدولارات من خلال هذا المعرض.
وفي هذا السياق تم وضع خطة التنمية الطموحة لمدينة الرياض في إطار استثمار 800 مليار دولار بناءً على رؤية 2030 واستهدفت جذب أكثر من 100 مليون سائح في عام 2030 ؛ بحيث يغطي الدخل السياحي عشرة بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي (حوالي تريليوني دولار بحلول عام 2030).