بعد العزلة والغياب الطويل.. العراق يعود بقوة مؤثرة على المشهد العربي
بعد عزلة و غياب استمر لأكثر من ثلاثة عقود، عقدت في العاصمة العراقية بغداد، السبت الماضي، أعمال الدورة 34 للاتحاد البرلماني العربي، بمشاركة سوريا، وحضور رؤساء البرلمانات العربية، استمرت ليومين وسط توقعات باقتراب بلاد الرافدين أكثر من أمته العربية.
وقال رئيس البرلمان العراقي، رئيس الاتحاد البرلماني العربي ورئيس الجلسة، محمد الحلبوسي، خلال افتتاحه المؤتمر إن «انعقاد هذا المؤتمر يعد خطوة مهمة للعلاقات بين الدول العربية، ونتطلع إلى دعم ومساندة الدول العربية للعراق، كما ننتظر من المؤتمر مناقشة القضايا العربية والإقليمية».
وأضاف «آن الأوان للشعب العربي التوحد ونبذ الخلافات وصياغة استراتيجية لمعالجة الخلافات، وتوحيد الجهود لتحقيق الاستقرار والأمن الغذائي من خلال وضع خطط مدروسة».
وجدد موقف العراق الثابت في دعم القضية الفلسطينية، وإقامة دولتها المستقلة وعاصمتها القدس، ودان كل الاعتداءات على الشعب الفلسطيني.
كما تصدرت القضية السورية اجتماع اتحاد البرلمان العربي المنعقد في بغداد، حيث قال الحلبوسي "مرَّ الأشقَّاء في سوريا في الأيام الأخيرة بظروف صعبة إثر الزلزالِ المدمرِ الذي ضرب مدناً عزيزةً وغاليةً من أرجاء البلاد، وأوقع أضراراً بالغة بالأرواح والممتلكات، وكلُّ ذلك يلزمُنا جميعاً بالسعي والاستمرارِ في واجب المساندة والدعم إلى حين إنجلاءِ تداعيات الأزمةِ وآثارِها الصعبة ونحن ندعو اليوم إلى أن تتبنَّى الدول العربية على كافة المستويات البرلمانية والحكومية قراراً نهائياً بعودة سوريا إلى محيطِها العربي وإلى ممارسة دورِها العربي والإقليمي والدولي بشكلٍ فاعلٍ، والعمل الجاد لاستقرار هذا البلد العربي الشقيق، و إعادة تاهيل بناه التحتية، وعودة أشقائنا السوريين، الذين هجَّرتهم الحرب، إلى ديارهم وبلادهم معزَّزين مكرمين".
وذكرت وكالة الأنباء العراقية، الأحد الماضي أن "رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي توجه على رأس وفد من الاتحاد البرلماني العربي إلى سوريا".
وأتت هذه الزيارة بعد يوم من بيان صدر عن مؤتمر "الاتحاد البرلماني العربي"، الرابع والثلاثين.
وبدأ وفد لرؤساء البرلمانات العربية زيارة الى دمشق الأحد لإجراء مباحثات مع مسؤوليها حيث اجتمع مع الرئيس الاسد حاملاً دعوة لرفع الحصار عن سوريا.
وقال رئيس اتحاد البرلمان العربي رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي في تصريح بمطار دمشق الدولي "إن الوفد يمثل اتحاد البرلمان العربي الذي كان منعقداً في بغداد، للتأكيد على دعم الشقيقة سوريا والوقوف مع شعبها في محنته جراء الزلزال".
من جانبه اكد عضو الوفد رئيس مجلس النواب المصري حنفي جبالي في تصريح للوكالة السورية الرسمية "سانا" من مطار دمشق الدولي دعم البرلمانات العربية لسوريا ووقوفها إلى جانب شعبها.. مشيراً إلى أن سوريا ستعود إلى مكانها الطبيعي في الجامعة العربية والبيت العربي وأن هذه الزيارة هي لدعمها قيادة وحكومة وشعباً.
واضاف "أتينا إلى سوريا العزيزة الشقيقة للتضامن معها ودعم شعبها بمواجهة تداعيات الزلزال، ونؤكد للشعب السوري أننا أخوة ونقف إلى جانبه في هذه الظروف الصعبة".. لافتاً إلى أن وفوداً برلمانية عربية أخرى ستصل تباعاً إلى دمشق اليوم بعد أن قرر المؤتمر الـ 34 للاتحاد البرلماني العربي الذي انعقد في بغداد تشكيل وفد لزيارة سوريا تأكيداً على الوقوف إلى جانبها.
من جهته قال رئيس مجلس الشعب السوري حموده صباغ ان مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي الذي انطلقت اجتماعاته في بغداد قد اكد الموقف الموحد لجميع الدول العربية بضرورة عودة سوريا إلى حضنها العربي وقرر تشكيل وفد عالي المستوى من رؤساء المجالس لزيارتها معربا عن شكر بلاده لكل الوفود التي قدمت إلى دمشق.
ويرى مراقبون أن عقد تلك الدورة في بغداد بعد طول فترة الغياب هو خطوة هامة على صعيد العلاقات بين بغداد والأمة العربية، وتسهم بشكل كبير في تعزيز دور العراق عربيا وإقليميا، بعد العزلة التامة التي عاشها بعد الاحتلال الأمريكي على الرغم من أنه أحد مؤسسي الجامعة العربية ولاعب قوي في المشهد السياسي العربي، وهذا الاجتماع أرسل رسالة تضامن مع سوريا بعد قيام وفد من الاتحاد بزيارة سوريا.
و يقول عبد الملك الحسيني، المحلل السياسي العراقي: "يعد احتضان بغداد أعمال المؤتمر الـ34 للاتحاد البرلماني العربي بعد غياب استمر لأكثر من ثلاثة عقود، خطوة مهمة على صعيد العلاقات بين العراق والأمة العربية ستساهم بشكل كبير في تعزيز دور العراق عربيا وإقليميا، ومن ناحية أخرى "هو سبيل لتقوية التعاون البرلماني العربي باعتباره مرتكزا مهما وحيويا في تكاتف وتضامن الدول العربية " وهذا يصب في تحقيق الأهداف التي تأسس الاتحاد بموجبها عام 1974.
وأضاف بمقارنة بسيطة بين وضع العراق على مستوى العلاقات مع محيطه العربي بعد عام 2003، ووضعه الآن نجد أن الفارق كبير جداً حيث عاش العراق الفترة التي تلت دخول القوات الأمريكية وسقوط النظام في عزلة شبه تامة مع الدول العربية، بعد أن كان له دور في السابق كأحد مؤسسي جامعة الدول العربية واللاعبين الأقوياء في التأثير على المشهد العربي".
وتابع المحلل السياسي: "جاء هذا المؤتمر ليكون الخطوة الأولى في تعزيز سمعة العراق على المستوى العربي والإقليمي والدولي، وإثبات قدرته على احتضان مؤتمرات دولية تصدر عنها قرارات من شأنها أن تعيد تمحور القوى الفاعلة عربيا بما يتلائم مع مصالح الشعوب".
وأكد الحسيني، أن "العراق سجل العراق انتصارا دبلوماسيا على الصعيد الدبلوماسي ونجح في احتضان هذا العدد المهم من رؤساء البرلمانات العربية على الرغم من وجود وجهات نظر متباينة بينهما حول مختلف القضايا، إلا أن إعلان بغداد الذي جاء في اختتام أعمال مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي، أثبت قدرة العراق على العودة إلى دوره في ريادة الأمة العربية كأحد أهم اللاعبين الذين يمتلكون قوة التأثير على القرار العربي بما يحقق مصالح البلدان والشعوب العربية".
واستطرد: "أكد المؤتمرون في بيانهم الختامي على دعمهم وموقفهم التضامني مع العراق، ودعم استقراره وسيادته ووحدة أراضيه، وكذلك أكد البيان وقوف الدول العربية الدائم والراسخ وبكل الإمكانات إلى جانب العراقيين، محتفظين بالفضل لهذا البلد الذي لم يتردد يوما في مساندة ونصرة أي بلد عربي شقيق، بمختلف الوسائل والطرق".
وأوضح الحسيني، أن "الجهد الكبير والاستثنائي الذي بذله رئيس الاتحاد البرلماني العربي ورئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي وحرصه على انعقاد المؤتمر في بغداد، ولما يمتلكه من علاقات متميزة مع مختلف الدول العربية ساهم بشكل فاعل في تحقيق هذا الحضور النوعي والاستثنائي من قبل رؤساء البرلمانات العربية، والذي أضاف الكثير إلى رصيد العراق الدبلوماسي على المستوى العربي والإقليمي والدولي، وستكون له انعكاسات مستقبلية إيجابية على مستوى التعاون في المجال الاقتصادي وقطاع الاستثمار والتبادل الثقافي والعلمي ومجالات أخرى متنوعة".
ولفت الحسيني إلى أنه "كخطوة مضافة لنتائج هذا المؤتمر في تعزيز التضامن العربي هي قيام وفد من الاتحاد البرلماني العربي برئاسة السيد الحلبوسي بزيارة دمشق من أجل التضامن مع سوريا التي هي الأخرى عانت لسنوات وما زالت تعاني من العزلة عن محيطها العربي ومن وضع أمني واقتصادي متدهور".
من جانبه، يقول إياد العناز، المحلل السياسي العراقي: "يأتي انعقاد اجتماعات الاتحاد البرلماني العربي في العاصمة بغداد ليعطي دلالات عديدة تسعى إليها معظم الأطراف والقوى السياسية في العراق، ويمكن اعتبار الأولى منها أنها تمثل عودة عربية وحضور شعبي تعبر عنه البرلمانات العربية بعد تباعد لعقود عديدة من الزمن بسبب الأحداث التي مرت على العراق".
والدلالة الأخرى تتمثل في بداية تكون دور ريادي جديد للعراق في مناقشة الأوضاع السياسية والأزمات الاقتصادية التي تعاني منها المنظومة العربية، ويكون له المكانة التي تؤهله لإعادة البنية المشتركة في العلاقة مع الأشقاء العرب، وتأتي الدلالة الأخرى والتي تعني العودة للحضن والأسرة العربية، واحتضان بغداد هي الفاعل الأساسي والجوهري للمعنى الوجداني الإنساني الذي تتصف به الحضارة العراقية الأصيلة ودورها في النهضة الغربية عبر القرون الماضية.
ويرى مراقبون أن انعقاد الاجتماع الموسع للاتحاد البرلماني العربي في دورته الـ34 يشكل دعم سياسي للسلطة التشريعية والسياسية في العراق، وهذا ما كان ملاحظ من الحضور الكبير والشخصيات البرلمانية والتي عبرت كلماتها عن هذا الشعور والمكانة التي أشار إليها المتحدثون للعراق، ثم أن الوفود التي ناقشت جدول الأعمال اخذت بعين الاعتبار الاتفاق المشترك مع معظم الأطروحات التي قدمها الجانب العراقي، وهذا يعني توافق مع المنظور العام الذي يعمل العراق عليه في استعادة دوره العربي.
المصادر: