بداية نصرُالله
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران استطاعت إيديولوجيا المقاومة من خلال مواجهة الاستكبار العالمي خلق نظام جديد بين الحركات الإسلامية، وتجسيد هوية جماعية قائمة على فكرة الأمة الإسلامية. وتأسست من خلال ذلك مجموعة من الأشخاص الذين يحملون هوية حضارية مشتركة، يشكلون جهة غير حكومية مؤثرة في منطقة غرب آسيا تحت اسم "محور المقاومة".
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران استطاعت إيديولوجيا المقاومة من خلال مواجهة الاستكبار العالمي خلق نظام جديد بين الحركات الإسلامية، وتجسيد هوية جماعية قائمة على فكرة الأمة الإسلامية. وتأسست من خلال ذلك مجموعة من الأشخاص الذين يحملون هوية حضارية مشتركة، يشكلون جهة غير حكومية مؤثرة في منطقة غرب آسيا تحت اسم "محور المقاومة".
في الحقيقة يمثل محور المقاومة الإسلامي اتحادًا بين الفاعلين الحكوميين (إيران، سورية، العراق، اليمن) وحزب الله اللبناني، وحركة حماس، والجهاد الإسلامي الفلسطيني كفاعلين غير حكوميين. هؤلاء الفاعلون يمتلكون مصالح جيوسياسية واستراتيجية وإيديولوجية مشتركة. الهدف الأساسي لمحور المقاومة هو التصدي لهيمنة الولايات المتحدة على دول المنطقة، ومحاربة كيان الاحتلال الإسرائيلي ومناهضة سياسات بعض الأنظمة العربية المحافظة في المنطقة.
في إيديولوجيا المقاومة يُنظر إلى الأشخاص من خلال رؤية موحدة حيث جسدوا مفهوم الإنسان الحضاري بجميع خصائصه. فالشخصيات المعنية ليست إيرانية فحسب بل لها وجود في جغرافيا جميع دول المقاومة. ابتداءً من الشهداء المدافعين عن المقدسات، إلى شهداء البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية، والشهيد الحاج قاسم سليماني، وصولًا إلى الشهيد سيد عباس الموسوي، وصالح العماد، وشيخ أحمد ياسين، وحاج عماد مغنية، وفتحى شقاقي، ونمر النمر، ويحيى عياش، وإسماعيل المداني، وأبو مهدي المهندس، وإبراهيم عقيلي، وصولاً إلى السيد حسن نصر الله اليوم، هؤلاء الشهداء جميعهم يمثلون جغرافيا واسعة لمحور المقاومة بحيث أن المكان لا يُعتبر فيها مهمًّا أين وُلِدت، بل الأهم هو ما تؤمن به من أفكار ومعتقدات.
حاليًا هناك فهم مشترك بين الدول في جغرافيا محور المقاومة وهذا أدى إلى تعزيز الهوية وهو ما دعم إيديولوجيا المقاومة. لدرجة أن اليوم تُحدد المعادلات الإقليمية من قِبل فاعلين حضاريين يحملون إيديولوجيا المقاومة، ولديهم دور حاسم في العلاقات والمعادلات والتوازنات الإقليمية.
بالتأكيد كان السيد حسن نصر الله واحدًا من أولئك الأشخاص الحضاريين المهمين ودمه سيساهمُ في تربية وخلق أشخاص آخرين في هذا الطريق ولأجل الأهداف السياسية للإسلام والمقاومة. اليوم لا يختصر حزب الله في شخص السيد حسن نصر الله، فهو واحد من أبرز وأحب قادة حزب الله، الذي استطاع حتى من خلال خطاباته وإشارات يديه، أن يُدخل الخوف في قلوب الأعداء ويدفعهم للانسحاب.
تتصل طريقة نظر حزب الله وتعاملهم مع قضية فلسطين، إلى جانب نظرتهم الإقليمية لموضوع المقاومة، بهويتهم الإسلامية. مواقف مسؤولي حزب الله حول ضرورة دعم المقاومة الفلسطينية من خلال تزويدهم بالسلاح والدعم اللوجستي لقطاع غزة وصولًا إلى مواقفهم الأخيرة بعد 7 أكتوبر ومواجهتهم للكيان الإسرائيلي في الجبهة الشمالية، تعكس جهودهم للعب دور محوري في القضية الفلسطينية كفاعلين غير حكوميين، قادرين على تسهيل طريق المجاهدين في محور المقاومة لهزيمة النظام الإسرائيلي. كما أكد قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي في رسالة له: "إن مصير هذه المنطقة سيحدده المقاومون، وفي مقدمتهم حزب الله المجيد".
عمومًا يمكن القول إن إيديولوجيا المقاومة قد أوضحت مكانة الإنسان كخليفة إلهي. إنسان يتمتع بالشجاعة والصبر والثبات وقد عرّف لنفسه هوية مستقلة وجديدة ومن خلال ذلك لا يستطيع فقط السعي نحو التقدم والارتقاء لنفسه ولمجتمعه بل يمكنه أيضًا التأثير على المعادلات والنظام العالمي.
تُعتبر هذه الإيديولوجيا حضارية وتربوية ولا تعتمد على فرد أو قائد معين بل تتكئ على مبادئ مثل مكافحة الظلم ومقاومة المستكبرين والدفاع عن المظلومين وهي أفكار مستوحاة من مبدأ الإسلام. في هذه الإيديولوجيا تُعتبر الشهادة والموت في سبيل الأهداف مكافأة للمجاهدين، وبالتالي يُعتبر الموت على يد الأعداء في سبيل الأهداف الإسلامية مرحلة من مراحل النمو والوصول وبداية جديدة لأشخاص عاشوا بعقلية توحيدية وفي الواقع يمكن تفسير شهادة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني بأنها خيرُ مثالٍ على ذلك.