بأس جنين وصمود المقاومة الفلسطينية

     في كل مرة يشهد التاريخ والعالم بأسره وحشية المحتل الإسرائيلي وخرقه لكل القوانين الدولية وحقوق الإنسان، مبرراً لنفسه كل الجرائم التي يمارسها مع الشعب الفلسطيني صاحب الأرض والحق، ولكنه مايلبث أن يصطدم بحاجز الممانعة والصمود وبسالة أبطال المقاومة التي تقدم الشهيد تلو الشهيد حتى تبقى راية النصر مرفوعة بأيديهم، وراية الذل والإنهزام فوق رأس المحتل الغاصب الذي خرجَ صاغراً خاسراً من جنين كما خرج من غيرها ذليلاً يلملم هزائمه أمام صمود أهلها.

     اجتياح جنين (يوليو 2023) أو معركة بأس جنين كما سمتها المقاومة الفلسطينية، أو عملية "بيت وحديقة" كما أسماها الكيان الصهيوني، هي عمليةٌ عسكريةٌ نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي بمدينة جنين و‌مخيمها في الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة، في أول ساعات صباح يوم الإثنين الموافق للثالث من تموز/يوليو 2023، حيث توغَّلَ الجيش الإسرائيلي عبر قوات كبيرة وبمشاركة عشرات الكتائب والقوات الخاصّة فضلًا عن دعمِ سلاح الجو داخل جنين، أما الهدف المعلَن من العملية بحسبِ تل أبيب فقد كان «القضاء على المسلّحين داخل المدينة» والذين ترى فيهم إسرائيل خطرًا على أمنها.[1]

      عملية عسكرية هي الأعنف والأوسع من نوعها على جنين ومخيمها منذ 2002، وقد أعلنت وزارة الصحة، ارتفاع حصيلة الشهداء إلى أكثر من 12 بينهم 4 أطفال وفتية جراء عدوان الاحتلال على جنين، ونحو 120 جريحا، بينهم 20 بحالة خطيرة، كما نفذت قوات الاحتلال حملة اعتقال جماعية طالت ما لا يقل عن 120 مواطنًا، إلى جانب التدمير الواسع في البنية التحية والمنازل.[2]

    بعد مضي أسبوعين على المجزرة الإسرائيلية التي ارتكبتها قوات الإحتلال في المدينة والتي واجهوا فيها خلال إقتحامها مقاومةً تُوصَف بـ «الشرسة» من المقاومين داخل المدينة و نجحوا طيلة الأشهر الماضية في إيقاعِ عشرات الجرحى في صفوفِ الجيش الإسرائيلي عبر عبواتهم الناسفة محليّة الصنع وقنابل المولوتوف رغمَ القوّة الإسرائيلية الكبيرة والعتاد المتطوّر.[3] وقعَ الاجتياح الإسرائيلي الجديد الذي يُعتبر ثالث اجتياحٍ كبيرٍ للمدينة في أقلّ من 7 أشهر، حيث تصاعدت التوترات أكثر بين الطرفينِ حينما نجحَ مقاومون في المدينة في إطلاقِ صاروخٍ وُصف بـ «البدائي» لكنّه اعتُبر في تل أبيب تطورًا ملحوظًا، وعلى الرغمِ من أنّ الصاروخ الفلسطيني وباقي المقذوفات محليّة الصنع لم تسبب دماراً كبيراً في إسرائيل، إلا أن النجاح في صنعها ومن ثمّ إطلاقها أثارَ مخاوف كبيرة لدى صناع القرار في تل أبيب.[4]

     اللافت في الأمر أن الجيش الإسرائيلي ولأول مرة منذ اندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية يستخدم طيارات الأباتشي وطائرات F16 المتطورة لدعم الهجوم والسيطرة على المدينة، وهذا يدل على صعوبة العملية من الناحية العسكرية جراء استخدام أكثر الأسلحة تطوراً، بالمقابل صرحت فصائل المقاومة أنها قاومت الهجوم الكبير وأصابت عدد من الجنود الإسرائيليين برصاص قناصاتهم وأحرقت وأعطبت عدداً من أليات الجنود العسكرية ومنعت تقدمهم في بعض الأحياء. [5]

     رسالة واضحة أرسلتها المقاومة لإسرائيل من وراء هذا الموقف المقاوم مفادها أن جيش الإحتلال في كل مرة يفكر بالهجوم أو الإعتداء على أحد المدن الفلسطينية سيلقى رداً أعنف من الذي قبله وسوف تتطور الأمور أكثر وسيتفاجئ العدو في كل مرة بمقاومة أقوى وأسلحة أكثر تطوراً، وهذا ما أعلنت عنه كتائب القسام (الجناح العسكري لحماس) في بيان لها؛ أن مجاهديها في جنين البطولة خاضوا برفقة إخوانهم من الفصائل المختلفة اشتباكات عنيفة وتفجير عبوات ناسفة في آليات جيش الاحتلال، على محور شارع حيفا ومنطقة الحارة الشرقية في مدينة جنين، وقالت: يواصـل مجاهدونا الأبطـال الاشتباك مـن مسافة صـفر مـع جيـش الاحتـلال داخـل أزقة المخـيم، مؤكـدين وقـوع إصابات محققة في صفوف الاحتلال. وأضافت: نؤكد لشعبنا وأمتنا أن كتائب القسام وفصائل المقاومة في جنين ما زالت تحمل في جعبتها الكثير من المفاجآت لهذا العدو الغاشم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.[6]

       ردودُ فعلٍ محليةٍ و دوليةٍ و عالميةٍ نددت بالهجوم الإسرائيلي العنيف على مدينةٍ مكتظة بالسكان المدنيين، حيث صدرت بيانات متعددة وإداناتٌ من معظم وزارات الخارجية للدول العربية وغير العربية ومنها السعودية والمغرب وقطر ومصر والأردن وإيران، بالإضافة إلى مبادرات وتدخلات عاجلة لضبط الوضع وإيقاف حدة التصعيد الحاصل.

وفي ذات السياق، استنكر البرلمان العربي "العدوان الذي قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلي على مخيم جنين"، واصفاً إياها بـ"جريمة حرب ترتكب ضد شعب أعزل".

 وأدانت وزارة الخارجية المصرية الاعتداء مؤكدة "رفض مصر الكامل للاعتداءات والاقتحامات الإسرائيلية المتكررة ضد المدن الفلسطينية".

وعلق المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني على الأحداث في جنين، قائلا: "نشهد تطورات مريرة منذ ليلة أمس من خلال هجوم الكيان الصهيوني على مدينة جنين بمختلف الطرق ولا سيما الهجوم الجوي"، معتبرا أن "هذا نموذج واضح عن إرهاب الدولة".[7]

   وبعد اشتباكات متواصلة استمرت ليومين متتاليين تصدّى خلالها المقاومون لإعتداءات الإحتلال وكبّدوه خسائر كبيرة، انسحبت قوات الإحتلال من جنين، وعاد الأهالي إلى مخيم جنين بعد انسحاب قوات الاحتلال منه، وتجول المقاومون في الشوارع. وكان معظم سكان المخيم قد رفضوا الخروج، مصرّين على مساندة المقاومين والوقوف معهم مهما كلّف الأمر، وبلغ عدد الشهداء الفلسطينيين الذين ارتقوا من جرّاء العدوان على جنين إلى 13شهيداً، فيما أقرّ جيش الاحتلال بمقتل أحد جنوده برصاص المقاومين.  وأقرّ الاحتلال بفشل عدوانه على جنين، إذ علّقت وسائل إعلام إسرائيلية على الانسحاب، قائلةً إنّ العملية العسكرية لن تؤدي إلى تغييرٍ استراتيجي في جنين.[8]

  هذه العملية وغيرها من العمليات السابقة أو التي قد تحدث في المستقبل لن تثني سواعد أبطال المقاومة عن الصمود والتصدي للعودان بشتى أشكاله ومهما بلغت وحشيته، هذا الشعب المقاوم الذي خلف أبطالاً يثبتون كل يوم أن جهادهم المقدس ضد المحتل هو السبيلُ الوحيد لنيل العزة والكرامة للشعب الفلسطيني وليست الأمم المتحدة ولا قرارات مجلس الأمن ولا حتى موافق التنديد والإستنكار، وما يجب فعله هو دعم هولاء الأبطال بالعتاد والسلاح وكل مايحتاجونه لتعزيز صمودهم ولاشك في أن دول محور المقاومة لهم الفضلُ في تغيير المعادلات العسكرية في فلسطين المحتلة، فهذه معركة الجميع لإن العدو هو عدو الجميع ولن يوفر أي فرصة لكسر أي دولة تقف مع القضية الفلسطينية.

حسام السلامة

[1] https://2h.ae/Qdmz

[2] https://palinfo.com/news/2023/07/05/842323/

[3] https://khbrpress.ps/post/380554/تحليل-امتداد-اجتياح-جنين-إلى-مدن-شمال-الضفة-يعتمد-على-هذه-العوامل

[4] www.aljazeera.net/news/2023/6/26/عاجل-الجيش-الإسرائيلي-قذيفة-صاروخية

[5] www.aljazeera.net/programs/behindthenews/2023/6/19/ما-وراء-الخبر-ما-دلالات-ما-أسفر-عنه

[6] sputnikarabic.ae/20230704/كتائب-القسام-تعلن-استهداف-جنود-الجيش-الإسرائيلي-وآلياته-بشكل-دقيق-ومباشر-في-مخيم-جنين-1078716619

[7] arabic.rt.com/middle_east/1475137-إدانات-لعملية-المنزل-والحديقة-التي-يقوم-بها-الجيش-الإسرائيلي-في-جنين

[8] al-vefagh.net/56996/قائد-فيلق-القدس-الشعب-الفلسطيني-وجّه-ص