الموقف الأوروبی من المجریات الأخیرة فی غزة
في أعقاب الهجمات غير المسبوقة التي شنتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، كانت بوابة براندنبورغ في برلين وبرج إيفل في باريس والبرلمان البلغاري من بين المباني في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي التي تمت تغطيتها باللونين الأبيض والأزرق للعلم الإسرائيلي.
في أعقاب الهجمات غير المسبوقة التي شنتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، كانت بوابة براندنبورغ في برلين وبرج إيفل في باريس والبرلمان البلغاري من بين المباني في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي التي تمت تغطيتها باللونين الأبيض والأزرق للعلم الإسرائيلي. وفي مظاهر تضامن أخرى، رفعت المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي الأعلام الإسرائيلية فوق مقرهما في بروكسل. يوم الأربعاء الماضي، وفي إطار احتفال البرلمان الأوروبي برئاسة روبرتا ميتسولا، رئيسة هذا البرلمان، تم الوقوف دقيقة صمت حداداً على ضحايا إسرائيل وعزف النشيد الوطني لهذا البلد في البرلمان. ولكن هل كان هذا هو موقف أوروبا بأكملها؟
يبدو أن التصرف المتسرع وغير المسؤول للبرلمان الأوروبي قد رفع صوت أعضاء هذا البرلمان. ويرى بعض أعضاء البرلمان الأوروبي أن هذا الإجراء يعني رفع صوتهم ضد جرائم إسرائيل في فلسطين، واستغرب آخرون من هذا التسرع، لأن هذا الإجراء التضامني مع إسرائيل كان أسرع من التضامن مع أوكرانيا. وهذا أيضاً حصل في برلمانٍ قد لا يكون العديد من ممثليه على استعداد للوقوف إلى جانب إسرائيل!
هل أيد البرلمان الأوروبي بأكمله موقف أوروبا من اسرائيل؟
قال مسؤول في الاتحاد الأوروبي لقناة الجزيرة شريطة عدم الكشف عن هويته: "هذا يجعلني أشعر وكأنني أعمل في منظمة تؤيد الفصل العنصري".وتساءل: “هل رفعت اللجنة العلم الفلسطيني عندما أطلق الجيش الإسرائيلي النار على مراهقين فلسطينيين الأسبوع الماضي؟ أم عندما قتلوا الصحفية شيرين أبوعقله؟ إن ما تفعله حماس أمر مروع، ولكن هل يختلف عما يفعله الجيش الإسرائيلي كل أسبوع؟ وبالإشارة إلى مقتل الصحفية في قناة الجزيرة على يد إسرائيل في مايو 2022 والتقارير الأخيرة عن استهداف القوات الإسرائيلية للمتظاهرين الفلسطينيين الشباب، فقد ذكر هذا المسؤول أنه ينبغي أيضًا إدانة مثل هذه الأعمال الوحشية[1].
وقال دبلوماسي آخر من الاتحاد الأوروبي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته أيضاً، إنه في خضم الحرب الأخيرة، فإن إظهار التضامن مع "الجانب الفلسطيني... يعني أنك أيضًا ستكون معاديًا لإسرائيل، أو حتى الأسوأ من ذلك، معاديًا للسامية". كون "إن حقيقة أن المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي يرفعان العلم الإسرائيلي يبدو أنه انعكاس للتفضيل السياسي العام لهاتين المؤسستين لدعم إسرائيل". وفي الواقع، قرروا القيام بذلك على الرغم من الخلافات بين الأعضاء، ولا ينبغي اعتبار هذا موقف أوروبا كلها[2].
وفي الوقت نفسه، تساءل أعضاء يساريون في البرلمان الأوروبي عن سبب عدم إقامة فعاليات لإحياء ذكرى ضحايا الاحتلال الإسرائيلي من قبل. وقال السياسي إنجر وهو سويدي من يسار الوسط وعضو في البرلمان الأوروبي، إنه يفضل أعلام إسرائيل وفلسطين ترفع جنباً إلى جنب خارج المؤسسات الأوروبية وهو يعتقد أن هذه كانت إشارة واضحة من الاتحاد الأوروبي إلى أن السبيل الوحيد للمضي قدما هو حل الدولتين حيث تعيش دولتان ديمقراطيتان جنباً إلى جنب في سلام وأمان. وشدد أيضًا على ضرورة إدانة الأعمال الحربية ضد الأبرياء في غزة وعدم المساس بمصداقية الاتحاد الأوروبي بسبب حركة خاصة لبيان موقفه.
ولم تنته المواقف ضد الإجراءات الأحادية للمفوضية الأوروبية هنا، بل انتقدها ممثلو دول أوروبية أخرى، وكان من بينهم ممثلا هولندا وبلجيكا، الذين يعتقدون أنه في فلسطين، كما في أوكرانيا، يموت الأبرياء لأن أوروبا غضت الطرف لعقود من الزمن عن جرائم إسرائيل. وكما يتعين على زعماء الاتحاد الأوروبي أن يقوموا بإدانة الهجوم الإرهابي الذي وقع الأسبوع الماضي في إسرائيل، في الوقت نفسه لابد من تحميل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن الأعمال الإجرامية التي وقعت حتى الآن[3].
الموقف السياسي
يبدو أنه خلال الأيام القليلة الماضية انخفضت حدة التوترات وأدركت أوروبا أنه لا ينبغي لها أن تغمض عينيها عن الحقيقة، طبعا هذه القضية نشأت تحت ضغط أعضاء البرلمان والدعم الشعبي لفلسطين وغيرها من العوامل المؤثرة، ولكن مهما كانت الظروف، فإن أوروبا باتت تعرف الآن جيداً أنها إذا دعمت إسرائيل فقط، فقد يؤدي ذلك إلى حرب كبيرة في المنطقة، وفي الصورة الأعم، سوف تواجه المزيد من التحديات داخل بلدانها [4] وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي القول إن الدعم الأحادي الجانب سيكون بمثابة موافقة على الفصل العنصري في إسرائيل، وكما أشار بعض أعضاء البرلمان الأوروبي، فإنه سيؤدي إلى تشويه سمعة هذا الاتحاد، ولعل هذا هو السبب وراء مواقف السياسيين الأوروبيين في هذا الصدد. لقد أصبحت الأيام الأخيرة أكثر واقعية، ويحاولون إيجاد حل متوازن بنظرة عادلة. لكن الحقيقة هي أن تصرفاتهم أظهرت أنهم غير عادلين عند الحاجة وأن معاييرهم المزدوجة واضحة للعيان.
ويجب أن نأخذ في عين الاعتبار أيضًا أنه إذا لم تصحح أوروبا موقفها من القضية الفلسطينية، فقد يؤدي ذلك إلى انقسام آخر داخل الاتحاد، لذلك فإن هذا الموقف يكاد يكون محايدًا، وهو يثقل كاهل إسرائيل، ليس من باب الأخلاق أو الحکمة، بل بسبب المصلحة الخاصة لأوروبا ومصلحة الاتحاد الأوروبي.
[1] aljazeera.com
[2] همان
[3] theguardian.com
[4] ecfr.eu