الولايات المتحدة على شفا كارثة اقتصادية
دعا الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا دول “البريكس” لإيجاد بديل عن الدولار في التجارة الخارجية، حيث شكك بمؤسّسة الدولار الأمريكي كعملة تجارية عالمية في المقام الأول، وتساءل عن سبب عدم قدرة كل دولة على التداول بعملتها.
تعيد هذه الأحداث إلى الذاكرة اللحظة التاريخية لإلغاء معيار الذهب لمصلحة النظام الحالي، حيث تحرك الرئيس ريتشارد نيكسون لإلغاء معيار الذهب باعتباره آلية التزام، واستهل إدارته بعقود من عدم الاستقرار النسبي وصناعة العملة الصعبة. وتمّ تقليص تبادل الذهب بشدة من خلال اتفاقية “بريتون وودز” النقدية الدولية لعام 1944، حيث تمّ اعتماد إنشاء البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، واستُبدل معيار الذهب بالدولار الأمريكي الذي أصبح العملة الأكثر قوة في العالم.
في البداية، اقتصر دور صندوق النقد الدولي على المساعدة في المعاملات الدولية، لكن هذه المؤسسة تجاوزت اليوم هدفها الأصلي، وتحول صندوق النقد الدولي إلى أداة ضغط للولايات المتحدة -الحاصلة على ما يقرب من 20٪ من المساهمات في الصندوق- بالإضافة إلى عدد قليل من الدول الأوروبية لتمويل الدول التي تتبع الأنظمة التي تتوافق مع سياستها.
من الواضح أن الهدف الأساسي لإلغاء معيار الذهب هو تمكين الإدارة الأمريكية من طباعة النقود بشكل غير محدود. كما من المؤكد أن ميزانية الدفاع الضخمة والحروب التي تشنّها الولايات المتحدة بالوكالة لن تكون ممكنة إذا استمرت الولايات المتحدة بالاعتماد على معيار الذهب، كما أن الأشخاص الذين يسيطرون على البنوك المركزية لن يتمكنوا من جني الفوائد على الديون الوطنية الخارجة عن السيطرة حالياً، لذا فإن العملة الورقية التي يُفترض أنها مدعومة بـ”الثقة والائتمان” من الحكومة، أي الدولار، تساوي ما يقوله السياسيون الكاذبون ووزراء المالية.
نظرة واحدة على سوق السندات على مستوى العالم، تكشف عن حالات الاختلال المزعجة، فالولايات المتحدة التي يترتب عليها الآن أكثر من 51 تريليون دولار من الديون المستحقة، اقترضت لتمويل الحروب والبرامج أكثر من الصين واليابان وألمانيا وإيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة وكندا مجتمعة، حيث يكون دافعو الضرائب الأمريكيون مسؤولين عن 40٪ تقريباً من جميع الديون الخارجية في العالم.
في هذا الصدد، لابدّ من الإشارة إلى أن الرئيس جو بايدن يفرط في الاقتراض بشكل أكبر عندما تشنّ إدارته حرباً بالوكالة ضد روسيا في أوكرانيا. وبذلك، ومع تدفق المليارات على أكثر دول أوروبا فساداً، أصبح الأمريكيون على شفا كارثة اقتصادية لم تشهدها منذ الكساد الكبير.
وبحسب مركز السياسة الحزبية في واشنطن، ومكتب الميزانية في الكونغرس، لن تتمكن الإدارة الأمريكية بعد الآن من الدفع للجميع -بما في ذلك لحاملي السندات ومتلقي الضمان الاجتماعي والموظفين الفيدراليين- في وقت لاحق من هذا الصيف أو أوائل هذا الخريف. لكن المشكلة أسوأ بكثير مما يقترحه العديد من الخبراء. وبغضّ النظر عن الطريقة التي يمضي بها المشرعون، فإن لدى الولايات المتحدة قضايا مالية لا يمكن التغلب عليها تقريباً، وستكون التداعيات وخيمة سواء رفعت سقف الديون أم لا.
يتوقع العديد من الخبراء أن الدولار الأمريكي لن يساوي قيمة الورق الذي طُبع عليه إذا تخلصت دول “البريكس” من الدولار كعملة تجارية، وتوقف العالم عن استخدام الدولار الأمريكي كاحتياطي عملته العالمية. علاوة على ذلك، إذا فقد الدولار قيمته بشكل كبير، فإن كلّ أمريكي مدان بقرض، أو بطاقة ائتمان أو رهن عقاري سيجد صعوبة أكبر بعشر مرات في سداد تلك الديون.
وليزداد الأمر سوءاً، سيتمّ التضحية بملايين الوظائف من أجل حصول الاحتياطي الفيدرالي على أي استقرار مالي، ويُظهر تحليل لشركة “أر إس أم” الدولية، أنه يجب على البنوك المركزية “إحداث” ركود للسيطرة على الوضع الاقتصادي الأمريكي، متجاهلين في تحليلهم حقيقة أن الدولار يفقد قيمته عالمياً بشكل تدريجي.
خلاصة القول بحسب خبراء، أنه لو استمر العالم باتباع المعيار الذهبي، لكانت الأمور ستجري بشكل جيد، فقد قلّل معيار الذهب من مخاطر مثل هذه الأزمات الاقتصادية والركود، فضلاً عن أن مستويات الدخل كانت أعلى عندما كان النظام العالمي مدعوماً بالسبائك. والأهم من ذلك، أن المعيار الذهبي وضع قيوداً صارمة على طباعة النقود والحدّ من الإنفاق العسكري.
يرى مراقبون أنه، مع تضاؤل الثقة في الدولار وتراجع هيمنته، وازدياد عدوانية السياسة الأمريكية الخارجية تجاه دول “البريكس” وغيرها من الدول، تقترب نهاية الهيمنة الأمريكية على العالم.
المصدر: البعث