سوريا القوية واستراتيجية حلقات المقاومة المستقلة
"لا يمكن لإيران أن تكون علاقاتها مع اصدقائها وحلفائها، علاقة استعمارية" هذه العبارة الاستراتيجية يمكن اعتبارها الأساس الذي يفسر التواجد العسكري المستقبلي لإيران في المنطقة، وعلى وجه الخصوص، سوريا.
لذلك فإن ايران، وعلى الرغم من كل المساعدات العسكرية المباشرة وغير المباشرة التي قدمتها لأصدقائها وحلفائها في أنحاء مختلفة من العالم، إلا أنها حافظت على أن يكون هذا المبدأ كأحد خطوطها الحمراء، التي اعترفت خلالها بوجود واستقلال هذه المجتمعات والحكومات بالشكل الرسمي لها، ووفق ما تحتاج إليه هذه المجتمعات إلى مساعدة مباشرة من إيران، يتم تقديمه بطريقة لا تنتهك الحق الطبيعي للاستقلال الوطني لهذه المجتمعات.
ولابد من ذكر بعض الحالات المناسبة التي يمكن الاستشهاد بها لتوجّه ايران، والمتمثلة بحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق. فالجمهورية الإسلامية الايرانية بعد صعود نجم فصائل المقاومة، وبدلاً من التدخل العسكري المباشر في هذه المجتمعات، اتجهت ايران إلى تعزيز القواعد العسكرية والدفاعية لتيارات المقاومة وأصبحت في موقع المستشارة لهم. استراتيجية ايران هذه، متأتية من حالة الأخوة والتعاون الديني والاسلامي الحاضر بين الأطراف، فإن هذه الاستراتيجية ستبعث على اختيار القرارات الكلية والجزئية لفصائل المقاومة، أي عدم التدخل في الشؤون الداخلية.
إن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتيارات المقاومة، لا سيما في بلدانها ومجتمعاتها، كان من المبادئ المسلّم بها. والدليل على ذلك هو الوضع الراهن لتيارات المقاومة الإسلامية في لبنان. وفي صميم هذه المساعدات التي قدمتها ايران لم تك تنتظر بتاتاً أي مُقابل من حزب الله. وهذا ما يتجلّى فيما حدث في حرب تموز، والقرار الاستراتيجي بأخذ رهائن من جيش العدو الصهيوني عام 2006م، حيث كان قراراً لبنانياً كاملاً تم اتخاذه من قبل المقاومة.
إن من مبادئ الجمهورية الاسلامية الإيرانية إزاء التعامل مع حلفائها كان ولا يزال يعتمد على مبدأ الاستقلال، رغم ما تقدمه وقدمته من دعم ومساعدات شاملة لهم. وهذا بطبيعة الحال يغاير ما تسلكه الدول المستعمرة والاستكبارية، حيث أن ايران لا تتردد في تأمين التقنيات التكنولوجية اللازمة لإنتاج المعدات الدفاعية للحلفاء، سواء في غزة أو لبنان أو سوريا. على هذا الأساس، فإن ايران ومن هذا المنطلق، لا تُعلّم اصدقاءها أو حلفاءها أكل السمك فحسب، بل تعلمهم صيد السمك أيضاً. وذلك بغية أن يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم بشكل مستقل إزاء مؤامرات الأعداء. وهذا بالتحديد ما أكده قائد الثورة الاسلامية الإمام الخميني (رض) في بداية الثورة حول تصدير الثورة الإسلامية المباركة.
اليوم، مع الاطلاع على الاستراتيجية الايرانية هذه، فإن ملامح التواجد العسكري الايراني في سوريا باتت واضحةً أمام الجميع. فقد كان تواجد الجمهورية الاسلامية الإيرانية والمقاومة الاسلامية اللبنانية في سوريا قد جاء بدعوة من الحكومة السورية الرسمية والشرعية لمواجهة الارهاب الدولي التكفيري. ولذلك كان الحضور أو التواجد العسكري الايراني، أكثر وضوحاً ومُباشرةً. وفي تلك الأيام الصعبة الشديدة التي مرت، يوم وصل الارهاب المدعوم من أمريكا و(اسرائيل) الى حدود دمشق، وكانت بعض دول المنطقة تساند الارهاب بالتطبيع، صحّحت مسارها وعادت الى التطبيع المعاكس أيضاً، لكن هذه المرّة مع دمشق.
وفيما عادت المياه الى مجاريها، إنطلقت اليوم مرحلة ثانية من المشاورات مع الجمهورية الاسلامية الايرانية. الهدف الأساس منها هو مساعدة الحكومة السورية من خلال تقوية وتطوير البنى التحتية الدفاعية لها، ضد العدو العبري بشكل مستقل ومباشر. وهنا لابد من تقوية عناصر الجيش والقوات المسلحة وجميع قطاعات الدفاع السورية، لأجل حماية استقلالها ومصالحها. وهذا يصب في تشكيل دولة سورية مستقلة وقوية تقف بقوة ضد العدو الصهيوني، دولة مستقلة الى جانب حزب الله المستقل هو الآخر والقوي، كذلك المقاومة الفلسطينية.
ورغم أن كل تيارات أو فصائل المقاومة، تواجه ضمن تكتّل واحد العدو الصهيوني الأمريكي، إلاّ أنه لكل منها هويتها المستقلة، هويّة تدفع كل جزء من هذا الجسد الواحد لعدم التدخل في شؤون الجزء الآخر مع العلم أنه داعم له في إطار واجبه ضمن هذا الجسد.
على مدى الأشهر الأخيرة، ما شهدناه حول تعزيز البنى التحتية الدفاعية السورية لا سيما تطوير الدفاعات الجوّية لهذا البلد، بما في ذلك الجانب الدفاعي للجيش السوري يصبّ في هذا الاتجاه، وهو كان سبباً لغضب الكيان الصهيوني ومبعث لتخبّط العدو. فقد أحس العدو الصهيوني بخطورة هذا الوضع، وفي حال نجاح الجمهورية الاسلامية الإيرانية في تحقيق المرحلة الثانية من استراتيجيتها للسنوات المقبلة في سوريا، المُتمثّلة بتعزيز القدرات والبنى التحتية الدفاعية لهذا البلد، ستكون سوريا المستقبل مُغايرة لتلك التي كانت عليها سابقاً.