الوحدة الداخلية هي الحل الأنسب لأزمة السودان
إن الصراعات الأخيرة في السودان ليست وليدة هذين الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع الماضية فقط، حتى نقول إن نيران الصراعات في هذا البلد قد اندلعت فجأة، لكنها كانت موجودة منذ فترة ما قبل عمر البشير وحتى الآن. وقد بقي عمر البشير في السلطة في السودان لمدة 30 عامًا.
لذلك أولاً وقبل كل شيء لهذه التطورات تاريخ طويل منذ استقلال السودان في خمسينيات القرن الماضي، وقد حدث ما يقارب 15 انقلابًا كلها تشير إلى وجود تاريخ من الصراع والفتنة والحرب والأزمات في السودان. ثانيًا ، هناك صراع وتنافس في السودان بين الأطراف العسكرية والسياسية والمدنية ، وبين العسكريين والجنرالات أنفسهم. لذلك لا ينبغي اعتبار النزاع الأخير في السودان حدثًا نادرًا أو حدثًا غير متوقع ؛ بل يجب اعتباره حادثة لها تاريخ قديم حدث من قبل والآن تم فتح هذا الجرح بطريقة ما. بالإضافة إلى ذلك هناك تاريخ من الانفصال في السودان نتج عنه انفصال جنوب السودان عن السودان، الذي يشكل الآن دولة تسمى جنوب السودان. إلى جانب ذلك فإن السودان لديه سلسلة من الخلافات والصراعات الحدودية مع جيرانه. على سبيل المثال من الشمال الذي تحده مصر توجد مشكلة في منطقة مثلث حلايب. وأيضاً لديه مشاكل إقليمية وحدودية مع ليبيا في عدد من المناطق؛ ولديه مشكلة مع تشاد، وهناك مشكلة مع أفريقيا الوسطى. من ناحية أخرى لديه مشكلة مع جنوب السودان نفسه الذي أصبح الآن جارًا لها. و يعمم هذا الوضع أيضا على إثيوبيا وإريتريا.
بالإضافة إلى ذلك في السودان تطالب جميع الأطراف المعروفة باسم الأحزاب الثلاثة عشر، بنقل السلطة من العسكريين إلى المدنيين. يقولون إنه كان من المفترض تسليم السلطة في غضون عامين بعد رحيل عمر البشير فلماذا لا تسلمها ؟!
القوات المحلية والشعبية التي شاركت سابقًا في صراعات الحكومة المركزية في دارفور على شكل قوات مسلحة وعسكرية، ولعبت دورًا كقوات رد فعل سريع في الاضطرابات التي سببتها التمردات وقمع المتمردين في جنوب السودان، يبحثون عن القوة والسلطة لتكون في أيديهم لحقيق منافعهم الاقتصادية. حتى الآن يعتقد الكثير من الناس أن هذه المجموعة ستحقق منافع كثيرة؛ حتى يتمكنوا من لعب دور في تهريب الأسلحة إلى الدول غير المستقرة المتاخمة للسودان مثل إفريقيا الوسطى وتشاد. ومن خلال السيطرة على حقول النفط والسيطرة على موارد الذهب والمشاركة في الصراعات الاقتصادية يمكنهم الوصول إلى موارد اقتصادية كبيرة، وبهذه الطريقة يسيطرون على ميزان القوى مع الجيش السوداني و يغيرون هذا التوازن لصالحهم والآن نفس الدور يحاول أن يلعبوه جنرالات الجيش وعبد الفتاح.
في الواقع يبلغ عدد القوات المسلحة السودانية حوالي 100.000 فرد ، منهم 40.000 فرد ينتمون إلى قوات الرد السريع ، و 40.000 فرد ينتمون إلى الجيش السوداني ، و 20.000 فرد ضمن جهاز الشرطة وإنفاذ القانون وقوات تحت تصرف قيادة القوات المسلحة. أي أن هناك توازن قوى بين قوى الرد السريع وقوات الجيش وكلاهما يبحث عن شيئين:
- زيادة القوة المالية والسيطرة على الموارد الاقتصادية في مختلف القطاعات والمجالات.
2- الفوز بلعبة القوة في سباق الاستيلاء على السلطة.
وبناءً على ذلك، ينبغي القول إن النزاعات في السودان سببها عدم وجود آلية مناسبة لتحقيق الديمقراطية في هذا البلد. وخير دليل على هذا الادعاء وجود 16 انقلابا بعد استقلال هذا البلد حتى اليوم ، وأي شخص لديه قوة وسلطة نافذة في مختلف المجالات في هذا البلد هو الذي يتولى السلطة السياسية.
لكن لا يمكن تجاهل دور الجهات الأجنبية، بالنظر إلى أن أمريكا والكيان الإسرائيلي والسعودية والإمارات يبحثون عن أهداف ومكاسب في السودان، فقد رسم الأجانب خططاً مكشوفة وخفية حول السودان والتي يتم تنفيذها من خلال الممثلين الداخليين في هذا البلد، وفي ظل هذه الأوضاع يعاني أبناء السودان الأبرياء والعزل وهم المتضرر الوحيد. النظام الصهيوني المغتصب هو أحد الفاعلين الأجانب الذين لعبوا الدور الأهم في تقسيم السودان وتحويله إلى شمال السودان وجنوب السودان، وربما يسعى حاليًا لفصل دارفور عن شمال السودان. من الأسباب التي جعلت النظام الصهيوني المغتصب يركز بشكل خاص على السودان هو السيطرة على موانئ هذا البلد في البحر الأحمر من أجل منع دخول أسلحة المقاومة إلى غزة، وهو الأمر الذي يحظى بأهمية خاصة لدى الصهاينة. بالإضافة إلى هذه القضية، أدى دوماً اعتماد السودان في المجالات السياسية والعسكرية على الجهات الأجنبية إلى كشف حقيقة الوضع الداخلي لهذا البلد، الذي يعاني منذ مدة من حوادث وخلافات مزمنة.
وبحسب ما سبق ذكره، نجد أن سلسلة من العوامل الداخلية والخارجية وضعت السودان بأزمة كبيرة. في الواقع يمكن أن تؤدي الحرب الأهلية في السودان إلى حلقة مفرغة . التقسيم والانقلاب والحرب الأهلية والتقسيم من جديد هو حلقة ستستمر إذا استمر الوضع على هذا النحو. الصراعات الأخيرة في السودان ليست فقط لا تفيد السودان وشعب هذا البلد بشيء، ولكنها تضع البلاد أيضًا تحت حرب أهلية وانقسامات متعددة.
وبما أن السودان يتمتع بموقع استراتيجي واقتصادي مطلوب، فإن فرص تقدمه وتطوره في ظل وحدة وتماسك أبنائه كبيرة جداً. بالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي وكونه يقع على ساحل البحر الأحمر ومضيق باب المندب فإن السودان لديه حقول نفط شاسعة وموارد ومناجم غنية كالذهب والتربة الخصبة والأراضي الزراعية. ويقال إن السودان يقع على بحر من المياه الجوفية يسهل استخراجها والإستفادة منها. ويعتقد البعض أنه فيما يتعلق بمسألة الأمن الغذائي، إذا تم الاستثمار المناسب واستغلال الفرص يمكن للسودان أن يكون سلة غذاء للدول العربية ويمكن أن يوفر الغذاء اللازم لهم جميعاً.
حکیمه زعیم باشی