محاولات عربية لتسعير النفط باليوان.. هل اقتربت نهاية هيمنة الدولار؟
نجحت الصين - صاحبة ثاني أقوى اقتصاد في العالم - في جذب العديد من دول العالم لاعتماد العملة الصينية في التبادلات التجارية بدلاً من الدولار لكن الأمر المهم والمثير للانتباه هو إبرام دول خليجية وعربية مصدرة للنفط تعاملات باليوان.
حيث أتمت الصين أول معاملة لشراء الغاز الطبيعي المسال باليوان لدفعة قادمة من الإمارات، شملت نحو 65 ألف طن. وجاءت الخطوة الإماراتية عملياً، بعدما أعلن وزير المالية السعودي، محمد بن عبد الله الجدعان، في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ الأميركي، في يناير/ كانون الثاني الماضي، أن المملكة منفتحة على التجارة بعملات أخرى غير الدولار.(1)
وفيما تستعد مصر لإصدار سندات باليوان، أعلن البنك المركزي العراقي، الشهر الماضي، أنه سيسمح بتسوية تجارة الواردات مع الصين باليوان، حسبما ذكرت وكالة أنباء الأناضول. (2)
وأدرج صندوق النقد الدولي عام 2016 اليوان الصيني في سلة حقوق السحب الخاصة به، وأضافه إلى سلة عملاته الاحتياطية، إلى جانب الدولار والعملة الأوروبية الموحدة اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني، في خطوة أشارت آنذاك إلى أن اليوان أصبح عملة عالمية مهمة، ومهدت الطريق لاستخدام دولي أكبر للعملة الصينية.(3)
ووفق بيانات صندوق النقد الدولي الصادرة في إبريل/ نيسان الجاري تبلغ حصة العملة الصينية في الاحتياطيات الرسمية من النقد الأجنبي حول العالم نحو 2.69% فقط بنهاية العام الماضي، لكنها تظل العملة المرشحة لمنافسة الدولار على المدى البعيد، في ضوء حجم الاقتصاد الصيني كثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وبحسب بيانات صندوق النقد، انخفضت حصة الدولار في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية في نهاية 2022 إلى 58.36%، وهو أدنى مستوى في 27 عاماً.
وتفيد توقعات بنك الاستثمار الأميركي "مورغان ستانلي" لعام 2020 إلى أن حصة اليوان في أصول الاحتياطات الأجنبية العالمية سترتفع من 2% إلى ما بين 5% و10% بحلول عام 2030.(4)
ويتسارع تدويل اليوان مع بحث الدول الأخرى عن عملة دفع بديلة لتنويع المخاطر، نظراً لأن مصداقية الاحتياطي الفيدرالي لم تعد جيدة مثلما كانت من قبل.(5)
وفي العودة للوراء اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية قرار فك ارتباط الدولار بالذهب في 1971 بعد موافقة السعودية على تسعير نفطها بالدولار، الأمر الذي ساعد واشنطن على طباعة المزيد من الدولارات دون أن يكون لها مقابل من الذهب.
لذلك يعتبر تخلي السعودية عن تسعير النفط بالدولار والتوجه نحو اليوان - كما فعلت قطر نفس الشيء مع غازها المسال- ضربة للدولار قد تهدد بنهاية هيمنته على سوق العملات الدولية، خاصة أن الصين تعتبر أكبر مستورد للنفط والغاز في العالم وثاني أكبر مستهلك لهما، والسعودية أكبر مصدّر له، وقطر ثاني أكبر مصدر للغاز المسال.
وبالتالي يبدو من الناحية النظرية استخدام اليوان في التجارة بين هذه الدول أمراً ممكناً، لكن هذه الخطوة تثير قلق الولايات المتحدة الأمريكية التي تتابع عن كثب التمدد الصيني بمناطق نفوذها التقليدية في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الصين تنافس الولايات المتحدة في التكنولوجيا الحديثة، وعلى رأسها خدمة الجيل الخامس للاتصالات التي توفرها شركة هواوي الصينية، فتوقيع الرياض على مذكرة تفاهم مع شركة هواوي الصينية للتكنولوجيا في الحوسبة السحابية هو بمثابة تحد آخر لواشنطن التي حذرت دول العالم من المخاطر الأمنية للسماح لهواوي بتأسيس شبكات الجيل الخامس.(6)
حيث شاركت هواوي في تأسيس شبكات الجيل الخامس في معظم دول الخليج الفارسي، الأمر الذي يشكل فقدان الولايات المتحدة والدول الغربية لأسواق مهمة لها في المنطقة.
حالياً يتم تحديد عقود النفط الخام السعودي بالدولار لأن الريال السعودي مرتبط بالدولار وأن ما يقرب من 25% من أصول البنك المركزي السعودي البالغة 493 مليار دولار هي سندات خزانة أمريكية. وقد يؤدي إعادة تسعير الصادرات السعودية الرئيسية فجأة إلى زعزعة استقرار الاقتصاد وتقويض الصداقة السعودية مع الولايات المتحدة.
بدورها تنظر واشنطن بقلق إلى مصير هيمنة الدولار، لكنها ماضية في رفع الفائدة لكبح التضخم. وعليه ستضعف قيمة الدولار إذا تراجع الطلب العالمي، ويرتفع التضخم، ولن يتمكن الفدرالي الأمريكي من رفع سعر الفائدة إلى ما لا نهاية، ولن يكون بإمكانه طباعة كميات أكبر من الدولار وإلا ذلك سيضعف اقتصاد البلاد ويرفع التضخم، كما أن الدين الأمريكي بلغ أكثر من 31.4 تريليون دولار، وإذا وجدت الاقتصادات الكبرى بدائل للدولار، سيؤدي ذلك إلى بيع السندات الأمريكية بكثرة.
فبعد فك ارتباط الدولار بالذهب في 1971، هذا هو السيناريو الأسوأ الذي تخشاه الولايات المتحدة، كما أن قوة الدولار مبنية على أساس قوة البلاد العسكرية والاقتصادية والسياسية، وعبر هذه القوة أقنعت واشنطن دول الخليج الفارسي بتسعير نفطها بالدولار في 1971، ما عزز ثقة العالم بالعملة الأمريكية، وجعلها عملة تداول واحتياط.
لكن متى ما فقد العالم الثقة بقوة الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية والعسكرية والسياسية، والتوجه إلى عملات بديلة للتبادل التجاري والاحتياط - وهو ما بدأ يحدث فعلياً - فسيتراجع الدولار ويلقى ما لقيه الجنيه الإسترليني وعملات أخرى هيمنت على التداولات العالمية في فترات زمنية معينة.
مجد عيسى
المصادر:
1-https://cutt.us/Oe16G
2- https://cutt.us/F6D3p
3- https://cutt.us/GypHa
4- https://cutt.us/5aOUk
5- https://cutt.us/li1zx
6- https://cutt.us/96cAw