الزيارة لأسباب إنسانية!
"عجبي.. وكمان عجبي"! هل توافدتم إلى دمشق لأسباب إنسانيّة! وهل معنى ذلك أن تدمير أعرق أحياء المدن السورية لم يُحرّك نوازعكم الإنسانية؟!
لأسباب إنسانية تزورون دمشق قلب العروبة النابض، بعد أن هدّم الزلزال أعرق أحياء حلب، واللاذقيّة، وحماه، وعشرات القرى العريقة، وغطّى أجساد ألوف السوريين تحت الدمار، فاندفع الأحياء من السوريين لإنقاذ أحبتهم، وذويهم، بالنبش بأظافرهم، ودفعت أجهزة الدولة السورية بما تبقّى لديها من آلات ثقيلة هي كل ما أبقاه الحصار الأميركي الذي توّج جرائمه في سوريا بقانون قيصر الذي تفرضه أميركا بقرار أُحادي إجرامي لا صلة لمجلس الأمن به، ولا لأي جهة دولية. ولكنه حقد أميركا والكيان الصهيوني، وتآمر بعض العرب تطوّعاً وتصفية لحسابات مفضوحة من مطبّعين موتورين، ومنتمين لمصالحهم الضيقة، وحاقدين على سوريا العروبة التي ما زالت متشبثة براية فلسطين، وبرفض الهيمنة الأميركية والعربدة الصهيونية، وبالتواطؤ التركي الذي طاش صوابه بعد فشل وعود الربيع العربي (الإسلاموي) الذي فتح البطن التركي لابتلاع المشرق والمغرب العربي لتكريس تبعيته من جديد للباب العالي!
هل كان يجب أن يموت ستة آلاف سوري دفعة واحدة، وينتشر الدمار في ربوع سوريا حتى تتحرّكوا متأخرين جداً، ومتثاقلين جداً.. وأنتم تتلفّتون حواليكم مرتعبين من أن يحاسبكم أولياء أموركم على فعلتكم بـ.. زيارة سوريا رغم 11 سنة من القتل والدمار والخراب و.. الرهان المسعور على إنهاء سوريا حضوراً ودوراً وجغرافيا وتاريخاً، وأملاً بنهوض عربي يتهدد المخططات الأميركية الصهيونية؟
ولكن سوريا أمل العروبة وقلبها، ثبتت واستعادت ما احتلته قوى التحالف الدولي بقيادة أميركا، وطارد جيشها الباسل الأعداء وكنسهم ممّا اضطر أميركا أن تتدخّل بنفسها، وتحتل شمال شرقي سوريا، وتضع يدها على ثروات سوريا من النفط والغاز والقمح.. وترعى العملاء الغادرين بالوطن السوري ليبقوا خنجر غدر.. يا للعار!
كان بإمكانكم أن تعلنوا أنكم تقفون مع سوريا وشعبها العربي العريق، وأنكم ترفضون حصار سوريا، وترفعون الصوت بأن قيصر ليس قراراً دولياً ولذا ترفضونه، وتعلنون إدانته.. ولكنكم لم تفعلوا ولن تفعلوا، وشعب سوريا يعرف، ولذا لم يبنِ آمالاً على زيارتكم التي لم تحمل بشائر أخوّة ونجدة حقيقية تفرّج كربة سوريا والشعب الصابر رغم جراح خناجر الأخوة المتقاعسين والمتواطئين والبائعين…
سوريا في كل ضيقة ألمّت ببلد عربي كانت السبّاقة لمد اليد، وسوريا هبت لنجدة كل بلد عربي محتاج، وأرسلت ألوف المعلمين إلى الأقطار التي تحتاجهم، فقد كان نشر اللغة العربية، نشر النور في بلاد العرب رسالة تقترن بالعلم…
سوريا من قلبها، من دمشق النابضة بدم العروبة، من ارتفع صوتها عندما قصفت طائرات العدوان الثلاثي عام 1956 إذاعة القاهرة وصوت العرب: هنا القاهرة من دمشق، وهكذا ارتفع صوت مصر المقاوم للعدوان رغم أنوف المعتدين الإنكليز والفرنسيين والصهاينة…
سوريا ترفع راية فلسطين منذ زمن بعيد، منذ زمن صلاح الدين الأيوبي، وهي مع مصر، حرّرتا بلاد العرب واجتثت جيوشهما الغزاة من بلاد العرب، وأنقذت القدس.. ولن تطبّع مهما اشتد عليها التآمر والحصار، وستظل فلسطين هي سوريا الجنوبية والتي قاد ثوراتها أبطال وفدوا من جبلة وحماه ودمشق واستشهدوا على ثرى فلسطين، وستبقى فلسطين سوريا الجنوبية حتى تحريرها وما بعد تحريرها…
لا تنتظر فلسطين، سوريا الجنوبية، وسوريا العروبة أي خير حقيقي ممن يُطبّعون مع الكيان الصهيوني، ويتفرجون على جرائم الصهاينة في فلسطين، وفي قلب القدس مقدسات العرب والمسلمين في القدس والخليل وبيت لحم…
هبّ لنجدة سوريا شعب العراق، وإيران الإسلامية، والجزائر الحرّة سيدة قرارها، وحزب الله.. وعرب أحرار شرفاء في الأردن وفلسطين، رفعوا أصواتهم مطالبين بإسقاط قيصر وتحديه مهما تكن التكلفة. لقد ثبت إن بلداناً كفنزويلا وماليزيا وصربيا هي أصدق في مشاعرها ممن يدّعون العروبة، ولا عروبة في مواقفهم!
من يملكون المليارات ويتفرجون على شعب سوريا المحتاج الذي لا يمد اليد، غير مقبول منهم الادعاء بأنهم يقفون موقفاً إنسانياً–أي شفقة-لأنّ شعب سوريا العربي الأنوف ذا الكبرياء والعراقة لا يرضى بأن يكون في موقع الشفقة.. فأرض سوريا أطعمت شعوباً عربية، وقطنها كسا شعوباً عربية عندما عريت.. وبردى أروى الظامئين.. ويا سوريا الحبيبة مرّ الكثير وبقي القليل وأيّام عزّك لن يطول انتظارها.