الحسابات الخاطئة لألمانيا!

لقد كانت الحكومة الألمانية بوصفها واحدة من الأذرع القوية للاتحاد الأوروبي دوماً تسعى إلى أن تُظهر نفسها كلاعبٍ مهم في الساحة الدولية. فقد شهدت البلاد في فترة حكم السيدة ميركل أياماً زاهرة واعتبرت واحدة من الداعمين الرئيسيين لحقوق الإنسان. لكن يبدو أن هذا الاتجاه لم يعد کما فی السابق وأن النهج الذي يتبعه المستشار شولتز مختلف تمامًا حيث أن هذا الاختلاف بلغ حدًا جعل الأصوات من منظمة العفو الدولية ترتفع في وجه ألمانیا.

اکتوبر 20, 2024 - 08:18
الحسابات الخاطئة لألمانيا!
الحسابات الخاطئة لألمانيا!

لقد كانت الحكومة الألمانية بوصفها واحدة من الأذرع القوية للاتحاد الأوروبي دوماً تسعى إلى أن تُظهر نفسها كلاعبٍ مهم في الساحة الدولية. فقد شهدت البلاد في فترة حكم السيدة ميركل أياماً زاهرة واعتبرت واحدة من الداعمين الرئيسيين لحقوق الإنسان. لكن يبدو أن هذا الاتجاه لم يعد کما فی السابق وأن النهج الذي يتبعه المستشار شولتز مختلف تمامًا حيث أن هذا الاختلاف بلغ حدًا جعل الأصوات من منظمة العفو الدولية ترتفع في وجه ألمانیا.

ألمانيا داعم أساسي للنظام الإسرائيلي

منذ بداية الصراع والتوتر في منطقة جنوب غرب آسيا، قدمت الحكومة الائتلافية الألمانية نفسها كدولة تدعم السلام. وكانت تسعى للتوسط في النزاع بين النظام الإسرائيلي وفلسطين بنهج حيادي، لكن الواقع أظهر شيئاً آخر. فقد دعمت الحكومة الألمانية النظام الإسرائيلي بشكل كامل ولم يقتصر هذا الدعم على السنة الماضية فقط، بل كانت هناك أشكال مختلفة من الدعم مقدمة لهذا النظام حتى قبل ذلك. في عام 2022 صنفت منظمة العفو الدولية النظام الإسرائيلي نظام عنصري،[1] لكن ألمانيا رفضت ذلك ولم تقبل تقرير منظمة العفو الدولية لكن لم يكن هذا هو كل ما في الأمر، فطوال أكثر من عامٍ من الحرب في غزة، والآن في لبنان، لم تدن ألمانيا أفعال النظام الصهيوني وجرائمه.[2] لقد أصبحت سياسة ألمانيا مفرطة إلى درجة أن رئيس منظمة العفو الدولية انتقد بشدة السياسات الحقوقية لألمانيا في الشرق الأوسط، وأفاد بأنه يجب على ألمانيا إدانة الأعمال الحربية التي يقوم بها الإسرائيليون وهو أمرٌ يبدو من غير المحتمل أن تتجاوب معه ألمانيا، لأنها تعتبر نفسها ملزمةً بدعم إسرائيل.

يبدو أن الدعم الشامل من قبل ألمانيا لإسرائيل يعود في جزءٍ منه إلى شعورهم بالعار التاريخي وقصص المظلومية التي تعرض لها اليهود والتي تُستخدم كذريعة لتبرير الأخطاء. لكنه يبدو أن القصة ليست بهذه البساطة فلو كانت كذلك لكانوا قد اعترضوا على جوهر الإبادة الجماعية بحد ذاته، إذ يوجد الآن أشخاص آخرون يتعرضون للإبادة على يد هذا الكيان الغاصب الإسرائيلي وألمانيا تدعم حكومة ظالمة وهذا الأمر لا يختلف عن أسطورة الهولوكوست.

لذا فإن القضية تتجاوز حدود العار التاريخي، لأنه في الواقع تمكنت لوبيات الصهاينة المنتشرة في شتى أنحاء العالم بما في ذلك ألمانيا من تنفيذ خططها بشكل جيد. في الحقيقة أن الحكومة الألمانية أكثر من كونها قلقة على حقوق الإنسان، هي قلقة من فقدان المستثمرين والأشخاص اليهود ذوي النفوذ. هذه المقاربة توضح بشكل كبير أهمية اللوبيات والدعم الاقتصادي والسياسي. فالحكومة التي تعرف جيدًا معنى الإبادة والحرب، والدمار، تجد نفسها في موقف غير واقعي لأن المصالح تفوق كل شيء بالنسبة لها. لذلك تعتبر الحكومة الألمانية نفسها ملزمة بدعم النظام الصهيوني حتى لو ارتفعت الأصوات في وجهها.

ألمانيا جزء كبير من لوحة البازل الأوروبية ؟

يمكننا أيضًا دراسة دور ألمانيا في دعم النظام الإسرائيلي من منظور النهج العام للاتحاد الأوروبي. فبعيدًا عن قضايا حقوق الإنسان والمعايير المزدوجة التي يتبعها الاتحاد، قام الاتحاد الأوروبي بتعريف نهج جديد في سياسته الخارجية قبل الحرب الأخيرة بين نظام إسرائيل وقطاع غزة، وكانت أوروبا تسعى لتقليل تدفق الهجرة إلى القارة الأوروبية وقد اعتبرت ذلك استراتيجية مهمة لها. في الواقع كانت أوروبا تتفاوض مع الدول المجاورة مثل تركيا وتونس ومصر لمنع حدوث موجات هجرة نحوها وهذا التحول في استراتيجية أوروبا الذي حدث على مدى السنوات القليلة الماضية غير أيضًا أولويات الاتحاد الأوروبي لذا يمكن القول إن أوروبا تسعى لتوزيع الأدوار بين دولها.[3] يدرك الاتحاد الأوروبي جيدًا أن استمرار التوتر والصراع في جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا قد يؤدي إلى موجة غير مسبوقة من المهاجرين نحو أوروبا. وبالتالي يسعون لإدارة هذه القضية ولكن يبدو أنهم إما وقعوا في خطأ حسابي أو ليس لديهم قدرة على السيطرة على النظام في إسرائيل.

بعبارة أخرى كانت أوروبا من خلال نهجها في دعم نظام إسرائيل من قبل بعض الدول الأعضاء، وفي الوقت نفسه الضغط من جانب مجموعة أخرى، تحاول إدارة التوتر ومنع انتشاره لكنها لم تحقق نجاحًا في ذلك.

لذا يمكن القول إن ألمانيا كفاعل رئيسي في أوروبا لم تتمكن كثيرًا من مساعدة الأهداف الأوروبية، وبدلاً من ذلك كانت تسعى لتأمين مصالحها الخاصة. على الرغم من أنه يبدو أنها أيضًا قد وقعت في أخطاء حسابية، لأن موجة من اللاجئين ستتجه نحو أوروبا في كل الأحوال وألمانيا تُعد هدفًا مناسبًا لهم. هذا الخطأ في النهج الذي ارتكبته ألمانيا قد تمثل بالفعل في تصرفات فرنسا في السنوات الماضية وما زال كل من الشعب الفرنسي ولبنان وسورية يدفعون ثمن ذلك والآن يبدو أن الدور قد حان لألمانيا.

امین مهدوی


[1] amnestyusa.org

[2] dw.com

[3]mei.edu