جنوب القوقاز الملعب الجديد لفرنسا؟
منيت فرنسا بهزيمة جيوسياسية مؤلمة بعد أن فقدت نفوذها في أفريقيا وعجزت قواتها عن التقدم في النيجر. ومن أجل استعادة مصداقيتها باعتبارها لاعباً مهماً في النظام الدولي، يبدو أن هذا البلد يتطلع بشكل أكثر تحديداً إلى جنوب القوقاز. حيث حدثت صراعات وتوترات في منطقة كاراباخ وتسعى فرنسا إلى لعب دور مهم واستراتيجي في هذا الصراع.
منيت فرنسا بهزيمة جيوسياسية مؤلمة بعد أن فقدت نفوذها في أفريقيا وعجزت قواتها عن التقدم في النيجر. ومن أجل استعادة مصداقيتها باعتبارها لاعباً مهماً في النظام الدولي، يبدو أن هذا البلد يتطلع بشكل أكثر تحديداً إلى جنوب القوقاز. حيث حدثت صراعات وتوترات في منطقة كاراباخ وتسعى فرنسا إلى لعب دور مهم واستراتيجي في هذا الصراع.
العلاقات بين فرنسا وأذربيجان
تعود العلاقات بين فرنسا و جمهورية أذربيجان إلى فترة استقلال أذربيجان، وقد اعترفت الحكومة الفرنسية باستقلال هذا البلد في عام 1992. وتوسعت العلاقات بين هذين البلدين على مستويات مختلفة ومتعددة الأوجه، وكانت هناك اتصالات واسعة بينهما في مختلف مجالات الثقافة والطاقة والفضاء وغيرها من المجالات.
كانت هذه العلاقات تنمو وكان مستوى التعاملات يتزايد باستمرار حتى بدأت حرب ناغورنو كاراباخ. فبعد بدء الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، بدأت هذه العلاقات في التراجع بسبب موقف فرنسا الداعم لأرمينيا. واستمر هذا الانخفاض في مستوى التعاملات بين الطرفين حتى الأيام القليلة الماضية، حيث قدمت الحكومة الأذربيجانية اثنين من أعضاء السفارة الفرنسية كأشخاص غير مرغوب فيهم وطردتهما خارج البلاد. [1]. وردا على هذا الإجراء، طردت الحكومة الفرنسية اثنين من الدبلوماسيين الأذريين من فرنسا. ويبدو أن التوتر بين البلدين يتزايد، بل إن الحكومة الأذربيجانية تتهم فرنسا بمنع تشكيل اتفاق سلام في كاراباخ، وترى أن فرنسا لم تستخدم نفوذها على أرمينيا بما يتماشى مع خطط السلام. كما تعتبر الحكومة الأذربيجانية فرنسا أحد الأسباب المحتملة لعودة الحرب في منطقة ناغورنو كاراباخ. ورغم أن الحكومة الفرنسية اعتبرت هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة ورفضتها، واعتبرت الحكومة الفرنسية نفسها أحد الداعمين المهمين لإنهاء الحرب من أجل عملية السلام، وذكرت أنه من أجل صنع السلام يجب الابتعاد عن لغة القوة والتهديد بين الطرفين وينبغي للأطراف أن تتوصل إلى سلام دائم من خلال اتباع الطرق الدبلوماسية [2]، لكن ما يبدو أن العلاقات بين هذين البلدين مستمرة في التدهور وأن تضارب مصالحهما يمكن أن يؤدي إلى زيادة التوترات، كما أن آفاق هذه العلاقات ليست واضحة تماما.
ما الذي تبحث عنه فرنسا؟
تسعى الحكومة الفرنسية إلى لعب دور رئيسي ومهم في جنوب القوقاز. وقد حاولت هذه الدولة، التي تتمتع بعلاقات جيدة مع أرمينيا، تحديد موقعها كلاعب مهم من خلال دعم هذا البلد في صراع كاراباخ.
وفي الواقع، تعتبر فرنسا وجودها في جنوب القوقاز فرصة للضغط على روسيا وتحسين صورتها على المستوى الدولي، بعد مواقفها غير الواضحة والملتبسة في حرب أوكرانيا وهزيمتها في أفريقيا. إن العلاقات بين فرنسا وأرمينيا مبنية على مبدأ "الفوز للجانبين"، وفرنسا تعتبر شريك مهم للغاية لأرمينيا.
أولا، فرنسا عضو دائم في مجلس الأمن، ويمكن لأرمينيا أن تعتمد على دعم فرنسا. ثانياً، يمكن أن تكون فرنسا بوابة الاتحاد الأوروبي بالنسبة لأرمينيا وتُعرف بأنها إحدى الجهات الفاعلة المهمة في الاتحاد الأوروبي. وثالثاً، تمتلك فرنسا أسلحة ومعدات حديثة، وهو أمر مهم بالنسبة لأرمينيا أكثر من أي شيء آخر [3].
في الواقع، من خلال اللعب مع فرنسا، تستطيع أرمينيا تأمين أقصى قدر من المصالح والمنافع لها وتقليل مستوى ضعفها وتكون قادرة على التمتع بقوة التفاوض والمساومة مع أذربيجان. لكن في الواقع، يبدو أن أرمينيا تعرف جيدًا أنه لا ينبغي لها الاعتماد على فرنسا فقط، لأن الحكومة الفرنسية فشلت في معظم القضايا الجيوسياسية التي شاركت فيها أو أنها تمكنت فقط من تأمين مصالحها الخاصة. ويبدو أن الأمر نفسه بالنسبة لقضية ناجورنو كاراباخ، حيث تسعى فرنسا إلى ملء الفراغ الناجم عن تقلص الوجود الروسي حتى تتمكن من استخدام الأدوات اللازمة للمساومة في مناطق أخرى. وفي الواقع، تتعاون فرنسا مع أرمينيا بما يتماشى مع مصالحها وتحاول استعادة مصداقيتها. وإلى جانب التواجد في القوقاز، يمكن أن تكسب العديد من الفوائد الاقتصادية وقد يؤدي ذلك إلى توسيع التعاون مع روسيا أو أن يكون لها نفوذ في المفاوضات المستقبلية مع روسيا. بالإضافة إلى ذلك، من خلال هذا الوجود، يمكن لفرنسا أن تساعد في خلق توازن مع الوجود التركي في المنطقة ومنع تشكيل نفوذ شامل لتركيا في هذه المنطقة.
ولذلك فإن حضور فرنسا وتواجدها في جنوب القوقاز قد يعتبر حدثاً إيجابياً لأرمينيا والدول المجاورة لها، لكن هذا لا يعني الفوز في اللعبة الجيوسياسية، ومن المرجح أن تستخدم فرنسا هذه الدول، وخاصة أرمينيا، كورقة لعب في اللعبة السياسية لاستخدامها في المستقبل. وهي مسألة ستتضح أكثر لاحقاً و من المهم التكلم عنها مستقبلاً.
[1] diplomatie.gouv.fr
[2] euronews.com
[3] azernews.az