التغير التدريجي في العلاقات الدفاعية بين الهند وروسيا
منذ عقود تم الاعتراف بالعلاقات الهندية الروسية باعتبارها واحدة من أهم الشراكات الاستراتيجية على المستوى الدولي. وترتكز هذه العلاقة التي تعود جذورها إلى حقبة الحرب الباردة على التعاون في مجالات الدفاع والطاقة والتكنولوجيا، وتطورت مع مرور الوقت إلى شراكة متعددة الأوجه.

منذ عقود تم الاعتراف بالعلاقات الهندية الروسية باعتبارها واحدة من أهم الشراكات الاستراتيجية على المستوى الدولي. وترتكز هذه العلاقة التي تعود جذورها إلى حقبة الحرب الباردة على التعاون في مجالات الدفاع والطاقة والتكنولوجيا، وتطورت مع مرور الوقت إلى شراكة متعددة الأوجه. وعلى هذه الخلفية تطورت العلاقات بين الهند وروسيا واستمرت .(1) أقامت روسيا والهند منذ استقلال الهند عام 1947 علاقات سياسية وتجارية قوية وحافظتا عليها. وبالإضافة إلى الجانب السياسي، تركزت هذه العلاقات في مجالات مثل التجارة في الأسلحة العسكرية والنفط والآلات والمعدات الإلكترونية والمنتجات الصيدلانية والمفاعلات النووية وغيرها وتطورت الآن إلى شراكة استراتيجية طويلة الأمد وخاصة في قطاعي الدفاع والتكنولوجيا.
وتشكل الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد وخاصة في قطاعات الدفاع عاملاً مهماً في اعتماد الهند على روسيا في أبعادها المختلفة. وفي الواقع يمكن القول إنه في العقود الأخيرة تم تصنيع ما يقرب من 60 إلى 70 في المائة من المعدات العسكرية الهندية في روسيا وهو ما أدى إلى اعتماد الهند التقليدي على روسيا. وفي هذا الصدد، صرح وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ في وقت سابق أن نيودلهي تعتبر روسيا شريكا موثوقا به وطويل الأمد في مجال الدفاع . (2)
ومع ذلك فإن الظروف الخارجية والدولية وكذلك تطورات العلاقات بين الهند وروسيا في السنوات الأخيرة لها أهمية كبيرة، وخاصة في تصنيع وإنتاج الأسلحة العسكرية والدفاعية. على مدى السنوات الماضية أصبحت الهند واحدة من أهم عملاء المعدات العسكرية والدفاعية الروسية وخاصة أنظمة صواريخ إس-400. إن اعتماد الهند المستمر على المعدات العسكرية الروسية مهد الطريق لتعاون أوسع في الإنتاج المشترك للأسلحة، بما في ذلك مشاريع مهمة مثل صواريخ براهموس وبناء طائرات سوخوي المقاتلة من الجيل الخامس والدبابات القتالية والغواصات العسكرية وطائرات النقل متعددة الأدوار بتكنولوجيا روسية على الأراضي الهندية.
ولکن في السنوات الأخيرة وخاصة بعد الصراع في أوكرانيا والعقوبات الغربية ضد روسيا، يبدو أن مستقبل العلاقات بين البلدين أصبح قضية متعددة الأوجه مع وجود أطراف آخرى. وأوضح مظاهر هذه القضية الجهود التي تبذلها السلطات الهندية لتحقيق أكبر قدر من الاستقلال عن روسيا. ففي الأشهر الأخيرة شهدنا قيام وزارة الدفاع الهندية بدعوة بعض الشركات الأوروبية وخاصة الألمانية منها للمشاركة في مفاوضات تجارية .(3) ونتيجة لهذه المفاوضات والتعاون تم توقيع عقد بناء ست غواصات للبحرية الهندية من قبل شركة تيسن كروب الألمانية .(4) وبحسب مصادر مطلعة على المفاوضات فإن قيمة هذه المشاريع في قطاع الدفاع تقدر بنحو خمسة مليارات يورو وقد ترتفع إلى ثمانية مليارات يورو. (5)
ووفقا للعديد من الخبراء عن الوضع الحالي وفي مجال توريد الأسلحة إلى الهند تلعب روسيا دورا قياديا، لأن موسكو لا تزال الشريك الأكثر أهمية لحكومة مودي في شكل شراكة استراتيجية طويلة الأمد. ومع ذلك ورغم هذا الدور المحوري هناك دلائل تشير إلى تحرك الهند تدريجيا نحو مزيد من الاستقلال في مجال شراء الأسلحة الدفاعية. وبحسب الإحصائيات المستمدة من مشتريات وواردات الدفاع الهندية، فإن 36% من واردات الهند من الأسلحة خلال الفترة من 2019 إلى 2023 كانت من روسيا. في حين تم الإبلاغ سابقًا عن أن هذه النسبة بلغت 55% بين عامي 2015 و2019 وحتى 72% بين عامي 2010 و2014. (6)
ولذلك فمن الواضح أن الهند تحاول في الآونة الأخيرة تقليص اعتمادها التقليدي على روسيا إلى حد ما، وتواصل محاولاتها لتنويع مصادر شراء الأسلحة المطلوبة مع طرح سياستها الجديدة للإنتاج المحلي تحت عنوان "صنع في الهند" للعالم - بهدف إشراك الدول المستقلة في إنتاج المعدات الدفاعية مثل إيران - من أجل تقليص مستوى هذا الاعتماد. كما حاولت إبرام عقود في مجالات مختلفة مع دول غربية، كالدول الأوروبية والولايات المتحدة وحتى الصين من أجل ضبط هذه الأحادية واعتمادها على استيراد المعدات الدفاعية واتخاذ خطوات نحو تنويع مصادر توريد معداتها الدفاعية.
إن ما يجب أن نتناوله في نهاية المطاف هو مستقبل العلاقات الروسية الهندية. ونظراً للوضع الراهن والعلاقات الدولية، فإن العلاقة العميقة والتقليدية بين البلدين أصبحت قضية معقدة ومتعددة الأبعاد. لأن روسيا تحت تأثير العقوبات الغربية شهدت توترات في سياستها الاستراتيجية مع الدول الغربية مما أثر أيضاً على علاقاتها مع الهند. ولذلك تحاول الهند الحفاظ على التوازن في علاقاتها الدفاعية مع روسيا فضلاً عن الحفاظ على تعاونها وتوسيعه مع الدول الأخرى وخاصة الدول الغربية. ومن المؤكد أنها ستقلل جزءًا من اعتمادها التقليدي على روسيا بخطوات قصيرة ومتواصلة وبشكل تدريجي تمامًا في المستقبل من خلال تنويع مصادر توريد المعدات الدفاعية وتعزيز سياسة الإنتاج المحلي للمعدات المطلوبة.
1) هند-و-روسیه-افزایش-تجارت-نفتی/https://fa.iuvmpress.co
2) https://irna.ir/xjSQJK
3) https://www.ndtv.com/india-news/india-seeks-to-double-german-investment-from-9-5-billion-euros-says-former-envoy-gurjit-singh-1705757
4) https://www.ndtv.com/india-news/india-seeks-to-double-german-investment-from-9-5-billion-euros-says-former-envoy-gurjit-singh-1705757
5) https://www.eurasiantimes.com/german-tkms-wins-massive-indian-aip-submarine-deal-defense-ministry-rejects-navantias-unproven-tech-ani/
6) https://www.newindianexpress.com/nation/2025/Mar/11/russia-remains-top-arms-supplier-to-india-sipri-report#:~:text=reliant%20on%20imports.%E2%80%9D-,The%20largest%20share%20of%20India's%20imports%20came%20from%20Russia%20(36,%2C%20Israel%20and%20the%20USA.%E2%80%9D