الانتخابات الرئاسة المصرية المقبلة.. السيسي يحاول تهدئة مخاوف المعارضة.. وهل يتكرر مشهد عام 2018؟
تدرس الحكومة المصرية إجراء تعديل تشريعي على قانون الهيئة الوطنية للانتخابات للسماح بالإشراف القضائي الكامل على الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2024، وذلك بموجب توجيه من الرئيس عبد الفتاح السيسي استجابة لمقترح مجلس أمناء الحوار الوطني.
ووجه السيسي حكومته بدراسة آليات تنفيذ مدّ "الإشراف الكامل للقضاء على العمليات الانتخابية" بالبلاد إلى ما بعد عام 2024، وفق ما جاء في بيان نُشر عبر حساب الرئيس المصري على فيسبوك، الثلاثاء 28 مارس 2023، عقب رفع مجلس أمناء أول حوار وطني في عهده مقترحاً بهذا المطلب للرئاسة.
بينما قال الرئيس المصري في البيان ذاته: "تابعت باهتمام جلسة مجلس أمناء الحوار الوطني الأحد". وأضاف: "أؤكد على الأخذ بالاعتبار ما تمت مناقشته في الجلسة، فيما يتعلق بالتعديل التشريعي الذي يسمح بالإشراف الكامل من الهيئات القضائية على العملية الانتخابية".
وتابع عبد الفتاح السيسي قائلاً: "وجهت الحكومة والأجهزة المعنية في الدولة بدراسة هذا المقترح وآلياته التنفيذية".
وينتهي الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات العام المقبل، وفقًا لما تنص عليه المادة 34 من قانون الهيئة الوطنية للانتخابات، التي نصت على أن يتم الاقتراع والفرز في الاستفتاءات والانتخابات في السنوات العشر التالية للعمل بالدستور- الذي تم إقراره عام 2014 - تحت إشراف كامل من أعضاء الجهات والهيئات القضائية، وبعدها تتولى إدارة الاقتراع والفرز في الاستفتاءات والانتخابات أعضاء تابعون للهيئة تحت إشراف مجلس إدارتها، ولها أن تستعين بأعضاء من الهيئات القضائية.
واعتبر مراقبون الخطوة محاولة لتهدئة المخاوف من "صورية الانتخابات"، تجنبا لتكرار مشهد الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2018، وشهدت دخول رئيس حزب الغد موسى مصطفى السباق الانتخابي في آخر لحظة، لكي "يؤدي دور المنافس"، حسب وصف المعارضة التي قاطعت تلك الانتخابات.
في المقابل، يرى معارضون أن الخطوة غير كافية، بدليل أن الانتخابات الأخيرة جرت في ظل إشراف قضائي كامل، وأسفرت عن اكتساح السيسي للانتخابات من دون منافسة حقيقية.
وطالب هؤلاء بمزيد من الإشارات الدالة على جدية إجراء الانتخابات في أجواء منافسة حقيقية، ومن هذه الإشارات المطلوبة ضرورة الإفراج عن المعتقلين والسجناء السياسيين، علاوة على ضرورة فتح المجال السياسي بشكل حقيقي وجاد.
وتزامنت تلك التطورات مع إعلان البرلماني السابق والمعارض بالخارج أحمد طنطاوي نية العودة إلى البلاد، من أجل "تقديم البديل المدني الديمقراطي"، وهو ما اعتبره البعض إعلانا بترشحه للانتخابات الرئاسية بعد الشعبية التي حصل عليها بوصفه معارضا خلال فترة عضويته في البرلمان.
كما دعا رئيس حزب الإصلاح محمد أنور السادات المعارضة إلى الاتفاق على مرشح لمنافسة السيسي، مشيرا إلى أن هناك "مرشحا محتملا سيظهر ليمثل مفاجأة"، مشيرا إلى احتمال أن يكون "المرشح من الجيش".
و يرى المحلل السياسي وعضو مجلس الحوار الوطني عمرو هاشم ربيع أن يشجع الإشراف القضائي الكامل قوى المعارضة أيضا في الخارج على المشاركة، وخصوصا حال خوض مرشح قوي الانتخابات الرئاسية، في ظل ما يتردد عن خوض البرلماني السابق أحمد طنطاوي الانتخابات، وكذلك الدعوات لتوافق المعارضة على مرشح واحد.
وألمح ربيع إلى أن هذه الخطوات ستدفع المصريين في الخارج من معارضي النظام للمشاركة بقوة في التصويت وتسجيل أسمائهم في السفارات، وعدم تكرار دعوات المقاطعة.
في المقابل، اعتبر المحلل السياسي والناشر هشام قاسم أن القرار يعد نقطة في محيط من المطالب اللازمة لانتخابات نزيهة، ولا يجب أن تعول عليه المعارضة لتقديم مرشح في الانتخابات الرئاسية أو الاعتماد علي هذا التصريح لبناء حسابات سياسية.
ونبه قاسم إلى أن المعارضة نفسها تحتاج لحزمة كبيرة من الإصلاحات، قبل أن تفكر في خوض هذه الانتخابات من عدمه، أو تقدم مرشحا منافسا، باعتبار أن كل المؤشرات تؤكد أنه إذا اعتزم السيسي ترشيح نفسه في الانتخابات فلن تكون الانتخابات أكثر من "تمثيلية لتحسين وجه النظام فقط، وليس استحقاقا سياسيا ذا قيمة"، بحسب تعبيره.
ورجح المتحدث أن تسعى السلطة -حال خوض السيسي هذه الانتخابات- إلى البحث عن مرشح أو اثنين أو حتى 3 مرشحين، وعدم الاقتصار على مرشح واحد، كما جرى في انتخابات 2018، وذلك من أجل توجيه رسالة للخارج بوجود استحقاق انتخابي جاد، رغم أن كل المعطيات تشير لافتقار هذه الانتخابات إلى كل معايير النزاهة والشفافية.
في الجدل الذي بدأ، والحوار الذي سيستمر طوال العام الحالي، يبدو أن هناك سؤالين هما الأكثر جدلًا والأكثر انتظارا لاجتهادات كل المهتمين بالحياة العامة لتقديم إجابات مقنعة للمصريين الذين ينتظرون القادم، ويحلمون بأن أصواتهم في الانتخابات يمكن أن تشارك في صناعة مستقبلهم.
أنصار المقاطعة يعتبرون أن المناخ العام لا يسمح بانتخابات نزيهة، وأن السلطة الحالية تسيطر على المجال العام بقوة، وكما لم يحدث في تاريخنا الحديث كله، ثم إن الإعلام ليس حرًا، وليست هناك ضمانات كافية لحياد أجهزة ومؤسسات الدولة في أي انتخابات، كل هذه المقدمات تدعو، حسب فريق المقاطعة، لعدم التفكير في خوض انتخابات محسومة مسبقًا لصالح السلطة الحالية.
في المقابل يرى فريق المشاركة أن دخول الانتخابات في حد ذاته، وبصرف النظر عن النتيجة، مكسب سياسي مهم، يسمح لقوى المعارضة الديمقراطية بنشر أفكارها، والالتقاء المباشر بالناس الممنوع الاتصال بهم منذ سنوات، ثم إنها فرصة لنشر بدائل سياسية واقتصادية مقنعة للناس، والتواصل مع كتلة شعبية واضحة ستتبلور خلال الانتخابات وتدعم وتؤيد مشروع التغيير السياسي.
هؤلاء يرون أن دخول الانتخابات له حد أقصى هو الفوز في النتيجة، وحد أدنى هو التواجد السياسي القوي لأول مرة منذ سنوات في أعقاب إغلاق المجال العام، ويعتبرون أن الحد الأدنى مكسب لا يستهان به، حتى في حالة خسارة الانتخابات.
خلال المتابعة لكل التفاصيل التي ستتضح خلال العام الحالي سيبني كل فريق، بل كل مواطن، قناعاته من حدث يبقى مهمًا مهما كانت الملاحظات والانتقادات المقنعة، والحصار الكبير الذي تفرضه السلطة على المشهد العام.
في التفاصيل حول نزاهة الانتخابات لا يمكن تجاهل عدد من الإجراءات المهمة والرئيسية التي تضمن للناس أنهم أمام عملية ديمقراطية حقيقية، ويمكن عن طريقها إقناع الناس أن الانتخابات ليست محسومة مسبقا لأي طرف، هذه الإجراءات تبدأ بضمان الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات.
هذا الإشراف القضائي يلزم بجانبه حياد كامل من مؤسسات وأجهزة الدولة، والسماح بمتابعة دقيقة وجادة من مؤسسات حقوقية دولية ومصرية على العملية الانتخابية برمتها، ومساحات متساوية لجميع المرشحين في وسائل الإعلام، فضلًا عن ضمان حرية الحركة للحملات الانتخابية بلا تضييق أو تخويف من الأجهزة الأمنية.
هذه الإجراءات والخطوات هي الضمانة المؤكدة لأي انتخابات نزيهة وشفافة، وهي ضمانات قانونية ودستورية تصون إرادة المواطن وتحميها، وتحمي الدستور، وهي الشرط المؤكد الذي يمكن بعده الإجابة على السؤال: هل سيحدث تغيير أم يتكرر مشهد عام 2018 ؟.
مجد عيسى
المصادر:
1- https://cutt.us/0z6dm
2- https://cutt.us/KZ6do
3- https://cutt.us/od3eO
4- https://cutt.us/OV2bu