كسر الحصار عن سوريا.. إحراج داخلي لبايدن
أصابت التحولات الجارية في منطقة الشرق الأوسط والمصالحات القائمة على قدم وساق بين دوله، الدول والجماعات والمنظمات التي طالما راهنت على اسقاط سوريا بمقتل، بعد نفاد الخيارات الأمريكية في سوريا.
وبناء على تلك التغيرات، عبرّ بعض المسؤولين من الصقور في الكونغرس الأمريكي ومعهم جماعاتهم من المعارضة السورية، عن سخطهم وخيبتهم من التطورات الحاصلة، فلم يترددوا بالتالي من اتهام ادارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأنها نسيت سوريا هذه الأيام، وما أثار حفيظتهم هو غضّ البيت الأبيض النظر عن ترحيب دول الخليج بالرئيس بشارة الأسد مرة أخرى، ومسارعتها الى اعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق.
وعليه، دفع انقلاب المشهد هذا في سوريا، العشرات من هؤلاء ومنهم مسؤولون امريكيون سابقون وخبراء ونخب فكرية، وقادة من المنظمات السورية المعارضة (التابعة للولايات المتحدة مباشرة) إلى إرسال رسالة للرئيس بايدن ووزير خارجيته، أنتوني بلينكن في الأسبوع الأخير من آذار الفائت، تتضمن قائمة طويلة مما يجب على الادارة القيام به لاعادة تفعيل قانون قيصر "الذي يستهدف الشعب السوري أولًا واخيرًا"، كما يشرح الموقعون على الرسالة.
ما كان مضمون الرسالة؟
في البداية صب منظمو الرسالة جام غضبهم تجاه اللامبالاة الامريكية بالقضية السورية، وأوضحت الرسالة أن التداعيات الناجمة عن الصراع في سوريا (وهي عديدة) تزداد سوءًا، مؤكدة أن واشنطن مخطئة بشدة إذا اعتقدت أن السماح للاعبين الإقليميين بإعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الرئيس بشار الأسد سيؤدي إلى مزيد من الاستقرار.
وشكّكت الرسالة بسياسة بايدن وادارته وحقيقة معارضته للتطبيع مع الرئيس الأسد، بحيث قال واضعوها إن التصريحات الأخيرة لمسؤولي بايدن ترقى إلى موافقة ضمنية لخطوات شركاء الولايات المتحدة المفترضين (في اشارة غير مباشرة الى الامارات والسعودية)، الذين يبدون حماسة مفرطة تجاه الرئيس السوري. ويستدل هؤلاء المعارضون، بما كانت قالته باربرا ليف، كبيرة مسؤولي الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية في 9 آذار/مارس من أن: "رسالتنا الأساسية هي أنه إذا كنت ستتعامل مع النظام، فاحصل على شيء مقابل ذلك".
أكثر ما أخرج أصحاب الرسالة المعارضون عن طورهم، هو استقبال حاكم الإمارات محمد بن زايد آل نهيان في 19 اذار الماضي للرئيس بشار الأسد في أبو ظبي، بتحية 21 طلقة رمزية. والأصعب برأيهم أنها خطوة تزامنت بشكل خاص مع الذكرى الثانية عشرة لما أسموه بـ"الانتفاضة السورية". أما الضربة الأكبر التي تلقاها الموقعون على الرسالة (المعارضون) فكانت امتناع وزارة الخارجية الأمريكية عن انتقاد هذه الخطيئة برأيهم.
ماذا طلب الموقعون على الرسالة من ادارة الرئيس بايدن؟
في الحقيقة، لم يكتف المعارضون في رسالتهم بعبارات التنديد والاستنكار لما اعتبروه تجاهل وزارة الخارجية الأمريكية إلى حد كبير لأقوى أداة متاحة لها لعزل الرئيس الأسد - أي قانون قيصر - غير أنهم عمدوا الى تحريض ادارة بايدن لاعادة تطبيقه بشكل حديدي، عبر مطالبة بلينكن بالإيفاء بوعده خلال حملة عام 2020، حيث كان أكد حينها أن "إدارة بايدن ستنفذ القانون بالكامل".
الأسوأ، أن هذه الدعوات لمعاقبة الشعب السوري (تحت غطاء قانون قيصر) تماهت مع ما كتبه زعماء لجنتي العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ولجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب إلى بلينكن، أواخر اذار الماضي، حين أعربوا عن أسفهم "للوتيرة البطيئة المخيبة للآمال للعقوبات" بموجب قانون قيصر الذي لم يستهدف سوى "مهربي المخدرات" حسب زعمهم وتوصيفهم.
كيف ينظر المسؤولون وبعض النخب الفكرية الأمريكية الى سياسات بايدن في سوريا؟
يبدي العديد من حلفاء بايدن امتعاضهم من الاهمال الأمريكي للملف السوري. وفي هذا السياق، انتقد السناتور روبرت مينينديز (ديمقراطي من نيوجيرسي)، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي، افتقار إدارة بايدن لاستراتيجية شاملة لسوريا، وحث بايدن وبلينكين على أخذ الرسالة على محمل الجد. كما دعا الى زيادة حجم المساعدات والوصول إلى المناطق المحررة وتكثيف الجهود الدبلوماسية وإعادة العلاقات مع تركيا ومعالجة أزمة معتقلي "داعش" ومواصلة الضغط على الأسد.
وفي السياق ذاته، قال تشارلز ليستر الزميل الأول في معهد الشرق الأوسط الذي ساعد في تنظيم القائمة المرسلة إلى بايدن وبلينكين إن الموقعين لا يتوقعون أن تقرر الإدارة فجأة زيادة مشاركتها في سوريا، لكن من الخطأ القول إنه لا توجد خيارات جيدة. وإذ اعترف ليستر: "بأن أيام إجبار نظام الأسد على الخروج من السلطة قد ولت"، أكد أن هناك العديد من الأشياء الأخرى التي لا يزال بإمكاننا القيام بها ليكون لها تأثير مفيد ومثمر للولايات المتحدة والشعب السوري"، حسب تعبيره.
في المحصلة، إن الاستراتيجية الحالية للبيت الأبيض ليست ناجمة عن الإهمال السلبي كما يحلو للمعارضين وصفها، انما تعود الى التسليم الامريكي بالمتغيرات التي تعصف بالمنطقة العربية، ونفاد الخيارات لوقف مسار قطار المصالحات بقيادة الصين، والذي يبدو أنه سيشمل أكثر من محطة عربية وخليجية. لذا فإن أول تداعيات تضاؤل الاهتمام بالملف السوري سيكون بحسب مُعدي الرسالة، توسع نفوذ كل من سوريا وإيران وروسيا على حساب أمريكا.
د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي