الاردن امام فرصة تاريخية للانضمام للشرق الاوسط الجديد
طالَ انتظار وصبرْ الاردن لمجئ فرصة او وقت مناسب يسمحُ له أتخاذ قرار استراتيجي بتبني سياسة خارجية متحرّرة مِنْ بعض ثوابتها واطرها التقليدية.
للأردن حسابات وعليه استحقاقات سياسية وطنية و اقليمية و دولية ،تنوء بحملِها دولة اكبر بكثير من الاردن بمساحتها و بأمكانياتها ، لذا ، ليس مِنْ السهلْ عليه ،أنُ يُحدِثْ استدارة في مساره السياسي التقليدي و المحافِظْ دون مراعاة لتلك الحسابات والاستحقاقات.
ما يهّونُ على الاردن مشاق هذا المسار ،ليس فقط صبره ، وانما ايضاً تفهّم اشقاءه العرب ، وبالاخص جارهُ العراق ، الذي لم يتوقفْ عن دعمه ، وعن التعبير له ،حكومياً و برلمانياً ، ومن كافة احزابه السياسية بالتضامن ازاء مواقف وتصريحات حكومة اليمين المتطرف للكيان المُحتل . يُحضرني بيت شعرٍ للمتنبي فيه خير وصفٍ لعلاقة العراق بالاردن ” و حالات الزمان عليك شّتى ” يا عراق ” ، و حالك واحدٌ في كّلِ حالِ ” .
مع الاعتذار للشاعر على التصّرف في متن البيت في ادخال كلمة ” العراق ” . كان ،على ما يبدوا ،الزمنُ كفيلاً كي يدركُ الاردن الشقيق بأنّّ مَنْ يتربّصهُ بالغدر و الانقضاض ليس بُدعة و وهم ” الهلال الشيعي ” ، وانما حقيقة خطر ” نجمة داوود ” .
في مقال سابق وبعنوان ” الصين و المملكة وايران : توافق على النفوذ وتوزيع الادوار ” نُشِرَ في الحوار الالكترونية ( hiwarnews)،و مواقع اخرى ،بتاريخ ٢٠٢٣/٤/٢٠ ، عبّرنا عن أملنا وتوقعّنا بأنْ لايُترك ملف الاردن و ما يواجهه من تحديات دون اهتمام و رعاية المملكة العربية السعودية ، وهي تتناول ملفات المنطقة ،الواحدة تلو الاخرى ( اليمن ، لبنان ،سوريا ،فلسطين )، وجاءت في الامس ، ٢٠٢٣/٤/٢١ ، زيارة ولي عهد المملكة العربية السعودية الى عمّان لتأكّد حرص المملكة و دعمها للاردن ، و روح التضامن العربي وتوحيد المواقف قبل انعقاد القمّة المرتقبة في الرياض بتاريخ ٢٠٢٣/٥/١٩ .
الاردن ،الآن ، امام فرصة إحداث الاستدارة المطلوبة في مسار سياسته الخارجية ،و لمصالحهِ الاستراتيجية . استدارة ، طالَ انتظارها ، و عبّرت ، ومنذُ مُدّة ، اقلام و افكار النُخب الاردنية السياسية و الثقافية للمطالبه بها ( اقصد بالاستدارة ) . ( انظر في ذلك مقالات عديدة في صحف عربية و اجنبية ،اذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر ، القدس العربي ، ٢٠٢٣/٤/١٥ ) .
لماذا الآن ،و ماهي مؤشرات و مقومات هذه الفرصة؟
خطر خطط وفِتنْ الكيان المحتل على المملكة الاردنية ليس وليد اليوم ، تعايشَ معه الاردن لعقود من الزمن ، وكان ( واقصد الخطر ) في حالة سُبات و يقظة حين تتطلب ظروف اليقضة .أَولمْ يدعّي مؤسّسي الكيان
و قادته فكرة “الاردن هو الوطن البديل للفلسطينيين”؟
أَولمْ تكن ضمن مخططاتهم إسكان الفلسطينيين في الصحراء الغربية من العراق ؟ كذلك محاولاتهم لانهاء الولاية الهاشميّة على الحرم القدسي الشريف ، او المساومة بها لاغراضهم السياسيّة !
اسرائيل اليوم هي ليست اسرائيل الامس ، فقدت قوة الردع ، وتتفكك داخلياً ، ومهووسة بتنبؤات زوالها الموروثة توراتياً وتأريخياً ،ولم تعدْ تحظى بتلك الرعاية والحضانة الامريكية ، لزوال الاسباب و القدرة . اهتمام امريكا والغرب بأسرائيل بسبب اهتمامهم ، ومن اجل مصالحهم ،في المنطقة ، هجرتهم ،يوم بعد يوم ،عن المنطقة ، يبعدهم عن رعايتهم المُكلفة لاسرائيل .
لم يعُدْ الاردن يأتمن اسرائيل ،وهي في عُهدة حكومة متطرفة و ارهابية ، ومنبوذة حتى من الولايات المتحدة الامريكية ، وتجدر الاشارة بأن الرئيس بايدن يرفض ،حتى الآن ،استقبال نتنياهو !
يدركُ الاردن حقيقة أنحسار النفوذ الامريكي في المنطقة ، و انفتاح حلفاء و اصدقاء امريكا نحو القوى الاسيوية ،وفي مقدمتهم الصين ، و يمضي هذا الانفتاح ،كما يبدوا لي ، بموافقة مُكّره لامريكا ، اي ليس برضا وانما باستسلام!
لن يبقْ الاردن بمعزل عن توجّه دول المنطقة نحو بناء شرق اوسط جديد ،قوامه السلام والامن والتعاون بين دوله العربية و الاقليمية ،بدلاً من الحرب و الفتن و الطائفية وتبديد الثروات ، وهي وسائل المعيشه لامريكا ولاسرائيل في المنطقة .
الاردن بأمّس الحاجة الى التكامل بمحيطه العربي المباشر ( العراق ، سوريا ،لبنان ،المملكة العربية السعودية ) ، ومحيطه الاقليمي ( ايران ،تركيا ) ،ومن اجل تنويع مصادر الدعم الاقتصادي ، وكذلك الدعم السياسي و الامني .
الاردن ،وبالرغم من اتفاقيات السلام مع الكيان المحتل ، لايزال دولة مواجه لهذا الكيان ، طالما هو كياناً مُحتلاً لفلسطين و رافضاً لحقوق الشعب الفلسطيني ، و متمرداً على القوانين الدولية والشرعية الدولية ، ومُهدداً لوحدة اراضي ومياه المملكة ، وهذا ما تدركهُ الشعوب العربية ، ويدركُه الشعب الاردني .
المحيط العربي والاقليمي للاردن سيكون داعم ومساند له في ما اذا الذئب الراقد بجوارهِ ( اسرائيل ) كشّرَ عن انيابه . انضمام الاردن الى مسار الشرق الاوسط الجديد ،بأبعاده العربية و الاقليمية ، سيمنحه قوة ردع ترغم اسرائيل على الانضباط ، في الافعال وفي التصريحات .
الدكتور جواد الهنداوي