استبدال العملة في السعودية والتقارب من الصين

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، اجتمع الحلفاء في بريتون وودز وأقروا الدولار الأمريكي باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم. ونتيجة لذلك، تم تثبيت سعر الذهب القابل للتداول عند 35 دولارًا للأونصة. وفي عام 1974 أثناء رئاسة نيكسون، قام وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر بزيارة الملك فيصل عاهل المملكة العربية السعودية لإقامة نظام عائدات النفط على الدولار.

سبتمبر 10, 2023 - 15:45
استبدال العملة في السعودية والتقارب من الصين
استبدال العملة في السعودية والتقارب من الصين

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، اجتمع الحلفاء في بريتون وودز وأقروا الدولار الأمريكي باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم. ونتيجة لذلك، تم تثبيت سعر الذهب القابل للتداول عند 35 دولارًا للأونصة. وفي عام 1974 أثناء رئاسة نيكسون، قام وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر بزيارة الملك فيصل عاهل المملكة العربية السعودية لإقامة نظام عائدات النفط على الدولار. وأخيراً، تقرر أن تستخدم منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) الدولار في تبادلاتها التجارية على المستوى العالمي. وهذا القرار جعل الدول التي اشترت النفط بحاجة إلى الدولار الأمريكي، وبطريقة ما، تسببت هذه المشكلة في سيطرة الدولار الأمريكي في التبادلات التجارية على المستوى العالم أجمع. ومع ذلك، يبدو أن هيمنة الدولار ستنتهي قريبًا. في المنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام في دافوس، أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدان، في خطوة نادرة خلال الخمسين عاماً الماضية، أن بلاده مستعدة للتداول بعملات أخرى إلى جانب الدولار الأمريكي. ولذلك، بدأت تظهر علامات التراجع عن الدولرة في بعض الدول.[1]

وكتبت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير لها أن الولايات المتحدة تخشى أن تستبدل السعودية عملة النفط من الدولار إلى اليوان حيث أنها تحاول منع بيع النفط السعودي بعملات أخرى غير الدولار. ومن خلف كواليس مفاوضات تطبيع العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني، تحاول أمريكا إقناع الرياض بمواصلة تسعير النفط بالدولار وعدم تسعيره باليوان الصيني أو عملات الدول الأخرى. وتعمل الولايات المتحدة على التوصل إلى اتفاق دبلوماسي، توافق بموجبه السعودية على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وفي المقابل تتعهد واشنطن بحماية الرياض دائما والمساعدة أيضا في تطوير البرنامج النووي للبلاد.

ورغم أن ظاهر هذه المفاوضات يتعلق بالكيان الصهيوني وفلسطين، إلا أن الولايات المتحدة تستخدم هذا الاتفاق للضغط على المملكة العربية السعودية من أجل فرض قيود على علاقات البلاد المتنامية مع الصين. ونقلت هذه الصحيفة عن مسؤولين مطلعين في الحكومة الأمريكية، أنهم كتبوا أن إدارة بايدن تسعى للحصول على ضمانات من السعودية بأن الرياض سوف تنأى بنفسها اقتصاديا وعسكرياً عن الصين.[2]

ولا تعتمد العلاقات الثنائية بين الصين والمملكة العربية السعودية على الأنشطة التجارية فحسب، بل توسعت مع مرور الوقت لتشمل مجالات أخرى مثل الدفاع. وفي أواخر عام 2021، ذكرت شبكة سي إن إن أن الصينيين كانوا يساعدون السعودية على تطوير برنامجها المحلي للصواريخ الباليستية. كما باعت الصين أيضًا طائرات بدون طيار خاصة للسعودية كانت قد رفضت الولايات المتحدة تقديمها للملكة العربية السعودية. كما أن فريق بايدن غير راضٍ عن احتمال قيام المملكة العربية السعودية والصين بتداول النفط باليوان. مثل هذا التطور سيعطي الكثير من الزخم لحركة إلغاء الدولرة. ومن المرجح أن تقبل المملكة العربية السعودية باليوان مقابل مبيعات النفط، حيث وقعت الإمارات العربية المتحدة أول عقد للغاز الطبيعي المسال (LNG) باليوان مع الصين في وقت سابق من هذا العام.

تعمل شركة هواوي، أكبر شركة لتصنيع معدات الاتصالات في العالم، على توسيع تواجدها في المملكة العربية السعودية ودول الشرق الأوسط الأخرى. وضغطت إدارة ترامب على الإمارات العربية المتحدة لكي تنأى بنفسها عن شركة التكنولوجيا الصينية متعددة الجنسيات. وسيواصل فريق بايدن محاولة إقناع السعوديين وغيرهم في المنطقة بالتخلي عن شركة هواوي. ومع ذلك، فإن القيام بذلك بنجاح سيكون تحديًا للبيت الأبيض، نظرًا لأهمية شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة لتحقيق الأهداف الأكبر لرؤية المملكة العربية السعودية 2030.[3]

من بين كل الدول العربية نمت العلاقات الاقتصادية بين بكين والرياض بشكل متزايد في العقود الأخيرة. وفي هذا السياق تعد الصين أكبر شريك تجاري للسعودية، حيث تشتري 25 في المائة من إجمالي صادرات السعودية النفطية. كما تعد المملكة العربية السعودية أحد الركائز الأساسية لمبادرة الحزام والطريق الصينية وتحتل المرتبة الأولى بين أكبر ثلاث دول في العالم في مشاريع البناء في الصين. ويدعم السعوديون استخدام اليوان لأنه يمكنهم استخدام جزء من الإيرادات لدفع أجور المقاولين الصينيين الذين يعملون في مشاريع كبرى في البلاد وتقليل المخاطر المرتبطة بقيود بكين على رأس المال على عملتهم. و يتفاوض بلدان عربيان على عقود النفط باليوان منذ عام 2016، لكنهما تمهلا مؤخرا وسط تزايد المخاوف السعودية بشأن تعهد واشنطن بدعم الرياض في المسائل الأمنية والعسكرية.[4]

وفي العام الماضي، خلال زيارته للرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، اقترح الرئيس الصيني أن تتم تجارة الطاقة بين بكين ودول مجلس التعاون الخليجي باليوان. وفي هذا الشأن، بالإضافة إلى ضمان استقرار قيمة اليوان، ستتعهد الصين بزيادة واردات الطاقة من هذه الدول. ولقي الاقتراح ترحيباً من الدول العربية في منطقة الخليج العربي، وأعلنت السلطات السعودية استعدادها للتداول بعملات أخرى غير الدولار، وهو الحدث الذي يعتبر تهديداً كبيراً لهيمنة الدولار، خاصة في سوق الطاقة. ومن خلال استخدام عملتها الوطنية في التجارة الدولية، تسعى الصين إلى الحد من نفوذ الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الاتفاقيات التي أبرمتها مع حلفائها في "البريكس" ودول مجلس التعاون الخليجي الفارسي، فقد اشترت كميات كبيرة من الذهب في السنوات الأخيرة، وبهذه الطريقة ستضمن حصول اليوان على دعم قوي، على عكس الدولار الذي، بحسب سلطات بكين، تم طباعته دون دعم في أوقات مختلفة. لقد مرت سياسة الصين المتمثلة في استخدام اليوان بدلاً من الدولار في المعاملات عبر الحدود بعملية ناجحة؛ وفي عام 2010م كانت المدفوعات والإيصالات عبر الحدود في الصين باستخدام اليوان صفر في المائة، ولكن ستصل هذا الرقم إلى 48 في المائة. كما خفضت بكين بشكل كبير استخدام الدولار، من 83% من معاملاتها عبر الحدود في عام 2010 إلى 47% فقط في عام 2022.

وتمت هذا العام أول صفقة في مجال الطاقة باليوان بين الصين والإمارات العربية المتحدة. واشترت بكين 65 ألف طن من الغاز الطبيعي المسال من أبوظبي ودفعت الثمن باليوان. حدث مهم وهام سيكون أساس المعاملات المستقبلية. [5]

وتعد السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، وقد حصدت هيمنة الدولار على سوق النفط أرباحا كبيرة منذ سنوات، لدرجة أن البترودولار (دولار البترول) يعتبر جزءاً مهماً من سوق الطاقة العالمية، ومع استخدام المملكة العربية السعودية لليوان، فمن غير المستبعد أن نشهد ظهور البترو يوان.

محمدصالح قربانی

[1] irna.ir

[2] wsj.com

[3]newsweek.com

[4] masireqtesad.ir

[5] mehrnews.com