إعادة افتتاح السفارات ومستقبل العلاقات الدبلوماسية بين سورية والسعودية
تتردد أنباء عن اقتراب افتتاح السفارة السعودية في دمشق قريباً بعد أن باشرت السفارة السورية عملها في الرياض بشكل رسمي من تاريخ 17/12/2023م، وقداستأنفت السفارة عملها فور وصول السفير أيمن سوسان واستلام مهامه، حيث عادت الخدمات القنصلية كالمعتاد، وبدأت بتقديم الخدمات للسوريين المقيمين في المملكة والبالغ عددهم قرابة المليون حسب الأرقام المتداولة.
تتردد أنباء عن اقتراب افتتاح السفارة السعودية في دمشق قريباً بعد أن باشرت السفارة السورية عملها في الرياض بشكل رسمي من تاريخ 17/12/2023م، وقداستأنفت السفارة عملها فور وصول السفير أيمن سوسان واستلام مهامه، حيث عادت الخدمات القنصلية كالمعتاد، وبدأت بتقديم الخدمات للسوريين المقيمين في المملكة والبالغ عددهم قرابة المليون حسب الأرقام المتداولة. وقد أوردت صحيفة "الوطن" السورية خبراً مفاده أن افتتاح سفارة السعودية بدمشق سيتم قريبا وأن تحضيرات الافتتاح ستبدأ في الأيام القادمة على أن يتولى قائم بالأعمال رئاسة البعثة إلى حين تعيين سفير للرياض. ونقلت الصحيفة عن مصدر دبلوماسي عربي في دمشق أن الإجراءات لن تستغرق وقتا طويلاً.[1]
وفي شباط/ فبراير 2023، وتحديداً بعد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية، بدأت العلاقات بين الحكومتين السورية والسعودية بالتحسن تدريجياً، وصولاً إلى آذار/ مارس من العام الفائت، عندما أعلنت الخارجية السعودية عن بدء مباحثات مع وزارة الخارجية والمغتربين السورية بشأن استئناف الخدمات القنصلية في البلدين. وإلى جانب تداعيات الزلزال، يبدو أن المصالحة السعودية-الإيرانية التي رعتها الصين في آذار/ مارس 2023 أيضاً قد أسهمت في تحسن العلاقات بين سورية والسعودية.
في ظل التحولات الدولية التي حصلت شهدت خطوات التغيير بين السعودية والدولة السورية تحولات مهمة أيضاً تماشت مع الساحتان الدولية والإقليمية، فعلى الصعيد الدولي سحبت الحرب الروسية مع أوكرانيا الاهتمام الدولي من المنطقة، وخففت سياسات الاستقطاب التي كان لها انعكاساتها على الصعيد الإقليمي. وبينما كانت الولايات المتحدة تُعيد تمركزها وتُوجِّه مواردها على الساحة الدولية بناءً على التنافس الإستراتيجي المتصاعد مع الصين، وتجييش أوروبا لمواجهة الخطر الروسي، فإنّ المنطقة باتت أكثر ميلًا إلى تهدئة التوترات، وعدم دخول لعبة المحاور الدولية، وإن كانت الصين قد نجحت في إحداث اختراق مهم في غياب الولايات المتحدة، وهو وساطتها الناجحة التي مهدت الطريق لعودة العلاقات السعودية-الإيرانية، الأمر الذي دفع بمزيد من التفاهمات في الملفات الإقليمية، بما في ذلك التقارب مع الحكومة السورية.
بالإضافة إلى ذلك، وجود رغبة شبه جماعية عربية بشأن عودة سورية إلى محيطها العربي، وكما ذكرت سابقاً حفز الاتفاق السعودي-الإيراني هذا التوجه. وقد كان هناك عديد من المبادرات الإقليمية من أجل إيجاد حل للعلاقة مع سورية، بما في ذلك المبادرة الأردنية، وبالتالي تهيأت الظروف للحكومة السورية لتمد يد المصالحة، ونجحت في أن تُعيد تموضعها وتحسن علاقاتها ببعض القوى الإقليمية، بما في ذلك بعض دول الخليج، كالإمارات وعمان اللتين زارهما الرئيس الأسد.
موجبات عودة العلاقة بين البلدين
بما أن المملكة العربية السعودية لديها جانب من المسؤلية الرئيسية تجاه القضايا العربية بحكم مركزها وموقعها القيادي في مجلس التعاون الخليجي وعلى المستوى العربي ككل، ولديها رؤيتها للمنطقة والمدفوعة بالأساس بعوامل داخلية لها صلة بـ«رؤية 2030»، فقد تشكلت إرادة داخلية لمواكبة حالة الانفتاح الإقليمي على الرئيس الأسد. وقد أكد ذلك ما أشار إليه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، على هامش مؤتمر ميونخ للأمن في 19 فبراير 2023م، بأنه «بدأ يتشكل إجماع في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا، وأن الحوار مع دمشق مطلوب في مرحلة ما، حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية، بما في ذلك عودة اللاجئين».[2]
إن من أهم تبعات عودة العلاقات السعودية-السورية هو تحقيق مكتسب سياسي هام للسعودية، في إطار سعيها لتعزيز موقعها الإستراتيجي في المنطقة، وتحقيق مشاريعها التنموية، عبر الخروج من مناخ المواجهة نحو محاولة تصفير المشكلات وإزالة العقبات الدبلوماسية للمباشرة في التعاطي مع المسائل الخلافية.
كما إن تنويع الشركاء وعقد اتفاقات مع منافسين للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة كالتقارب السعودي-السوري، فضلًا عن الاتفاق الدبلوماسي السعودي-الإيراني برعاية الصين، يعدُّ ثمرة للتراجع الأمريكي في الشرق الأوسط، وأداة سعودية لتحقيق رؤيتها في ما يتعلق بمواجهة التحديات الأمنية والإستراتيجية في المنطقة.
بالطبع كنتيجة أولية لهذا التقارب كان كسر العزلة الدولية واستعادة مكانة سورية بين الدول العربية، حيث كانت تعاني من عزلة دولية لم تقتصر على دول الجوار والمحيط العربي فحسب، بل شملت دولًا كبرى، ومختلف المؤسسات والمنظمات الدولية. فضلًا عن قدرتها على حماية نفسها من التدخلات الخارجية، وهو أمر لطالما مثَّل هاجسًا ودافعًا سوريًّا نحو محاولة إعادة علاقاتها مع دول العالم، وكسر طوق العزلة المفروضة عليها من المؤسسات الدولة والإقليمية، ومنها استعادة مقعد الجامعة العربية، خصوصًا أن كثيرًا من الدول العربية قطعت علاقتها بدمشق، بعد تعليق عضويتها في جامعة الدول العربية منذ 2012م. وتركز الدولة السورية على تقارب أكبر وأسرع مع السعودية، لأنها تمثل جسرًا بثقلها السياسي المؤثر في المشهد العربي، يمكن أن يحسن علاقة سورية بالدول العربية.
وتعتبر عودة دمشق إلى المنظومة العربية، وبالأخص الجامعة العربية مكسبًا اقتصاديًّا مهمًّا للدولة السورية عبر عودة العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول العربية والعائدات المالية التي ستجنيها الحكومة السورية من جراء عودة العمل باتفاقية تنظيم النقل بالعبور بين الدول العربية.
كل تلك المكاسب تصب في مصلحة كلا البلدين في حال عادت العلاقة كما كانت ولكن يجب أن لا نأمل كثيراً في سرعة تحقيق ذلك لإن الزمن اللازم لتطبيع العلاقات بين الدولتين سيأخذ وقته، ولكن المهم أن الخطوات الأولى قد بدأ تنفيذها بفتح السفارتين وهي بداية لفتح الطريق على المجالات الأخرى تماشياً مع مبدأ خطوة مقابل خطوة.
[1] https://alwatan.sy/archives/375468
[2] www.independentarabia.com/node/423426/الأخبار/دوليات/وزير-خارجية-السعودية-لا-جدوى-من-عزل-سوريا