إسرائيل تعتزم إنشاء "قبة حديدية سيبرانية".. لحماية العرب أم هناك أسباب أخرى؟
إسرائيل تعتزم إنشاء "قبة حديدية سيبرانية".. لحماية العرب أم هناك أسباب أخرى؟
تطورت الحروب، بما فيها أسلحة الهجوم والدفاع، ولم يعد الاقتتال مقتصراً على الآليات العسكرية والنيران والقذائف وغيرها، فقد انتقلنا مع تطور الحضارة إلى أشكال جديدة من الحروب لم تكن أقل أثراً من الحروب التقليدية، ومنها الحروب الإعلامية، والاقتصادية، والمعلوماتية، وغيرها.
بعد أن أصبح العالم كله مرتبطاً بشكل أو بآخر بشبكة معلوماتية، وبتطبيقات برامج الإنترنت، وبالوسائل التكنولوجية الأخرى، صارت الحاجة ملحة لوجود وسائل لحماية تلك الشبكات، وحماية الهيئات والمؤسسات المرتبطة بها، فأصبحنا نسمع بمصطلح "الأمن السيبراني".
الأمن السيبراني هو عملية حماية الأنظمة والشبكات والبرامج ضد الهجمات الرقمية، وتهدف هذه الهجمات السيبرانية عادةً للوصول إلى المعلومات الحساسة أو تغييرها أو تدميرها؛ لأهداف وغايات متعددة.(1)
الخطر.. من مصادر جديدة
كثر في الآونة الأخيرة إعلان الكيان الصهيوني عن تعرضه لهجمات سيبرانية من عدة مناطق بالعالم، ورغم أخذها كامل الاحتياطات لتلك الهجمات، وتفاخرها بأنها تملك منظومة إلكترونية قوية، إلا أن المهاجمين يتمكنون في كل مرة من تحقيق انتصارات، تمثلت في أوقات سابقة بتعطيل مواقع حكومية مهمة، ومواقع للبنوك، كما تمكنوا من اختراق مواقع لأجهزة الأمن الإسرائيلية.(2)
ولمواجهة تلك الهجمات السيبرانية كشف الاحتلال الصهيوني عن مخطط لإقامة منظومة حماية إلكترونية. حيث أعلن المدير العام لمديرية الإنترنت في الكيان الصهيوني غابي بورتنوي، عن نية الكيان إنشاء “قبة حديدية سيبرانية” بشراكة مع المغرب والإمارات.
وأشار إلى أن هذه المنظومة السيبرانية، تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، وأن الهدف منها هو “توفير نهج شامل للدفاع الاستباقي في مجال الأمن السيبراني.
من جانبها، قالت صحيفة The Times البريطانية، في تقرير نشرته الجمعة، 30 يونيو/حزيران 2023، إن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، يُطوِّر برمجية تجسس جديدة على الإنترنت لمحاربة ما سماه "الإرهاب المحلي"، وهي التقنية التي سماها رئيس الجهاز "قبة حديدية سيبرانية".
وكان المغرب وكيان الاحتلال، قد وقّعا اتفاقية تعاون في مجال الأمن السيبراني، وتهدف إلى “تعزيز التعاون التشغيلي والبحث والتطوير، وتبادل المعلومات والمعرفة بينهما في مجال الأمن السيبراني”.
وقد سبق أن كُشف النقاب عن مشاركة الإمارات، في مؤتمر “الأسبوع السيبراني 2023” الذي عقد في جامعة تل أبيب بحضور سياسيين ودبلوماسيين ورؤساء المؤسسات الدولية من حول العالم.
وخلال المؤتمر، وقَّع منتدى “EliteCISOs”، وهو مجتمع عالمي في مجال الأمن السيبراني، يتخذ من دولة الإمارات مقراً له، مذكرة تفاهم مع مؤسسة “Cyber Together”، وهي منظمة غير حكومية إسرائيلية، لتوسيع نطاق هذا المجتمع العالمي بما يشمل إسرائيل وذلك من خلال مشروع “Crystal Ball”، المنصة الرقمية لكشف المخترقين والهجمات السيبرانية والتصدي لها.(3)
قبة لحماية قبة
في يوليو/تموز من عام 2014 تمكن قراصنة إلكترونيون من الاستيلاء على عدة وثائق عسكرية سرية من شركتين حكوميتين إسرائيليتين طورتا "القبة الحديدية". وأعلن عن تلك الخروقات للمرة الأولى على مدونة براين كريبس لشؤون الأمن. ونفت الشركتان أن تكون الشبكات الخاصة بهما قد تعرضت للاختراق.
وتتبعت شركة سايبر إنجنيرنغ إي إس آي أنشطة قراصنة الإنترنت على مدار ثمانية أشهر في الفترة ما بين عامي 2011 و2012. وأوضحت أن البيانات التي سعى القراصنة وراءها كانت معلومات ذات صلة بالقبة الحديدية، وأن الهجمات حدثت باستخدام أدوات معقدة كالتي يستخدمها قراصنة الإنترنت الصينيون لاختراق شركات الدفاع الأمريكية وهي الهجمات التي نفت الحكومة الصينية حينئذ تورطها فيها.
وقالت الشركة إن "البيانات التي جمعتها تتضمن إشارات قوية إلى أن القائمين على تلك الهجمات من الصين".(4)
وعلى الرغم من ادعاء الكيان الإسرائيلي تفوقه في مجال الأمن السيبراني، وأنه رائد في مجال تكنولوجيا هذا الأمن، فإنه لم يكن بمنأى عن الهجمات الإلكترونية التي تكذب التفوق المزعوم، إذ يتعرض باستمرار لهجمات “هاكرز” من مختلف أنحاء العالم.
يختار الكيان الصهيوني اسم "القبة الحديدية السيبرانية" لحماية بنيته المعلوماتية، بينما كان نظام الصواريخ الذي يحمل الاسم نفسه قد أثبت عدم فعاليته في العديد من الحروب مع الفلسطينيين، وهذا المشروع الجديد لن ينجح أيضاً مثلما حدث مع المنظومة الصاروخية. لأن هذا البرنامج تم إطلاقه لاختراق الطبقات الأمنية العربية والتجسس على هذه الدول وليس تحسين البنية التحتية للأمن السيبراني.
تعاون أم نفوذ؟
ينوي الكيان الصهيوني تمهيد الطريق لنفوذه في الدول العربية في الخليج الفارسي مستخدما عملية التطبيع، فلم يستطع تحقيق أهدافه بالوسائل السياسية، واتفاقيات "إبراهيم" التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة، ولم تجلب أي مزايا خاصة للأطراف، بل انتهت فقط بتوقيع عدد قليل من الافاقيات الأمنية. ولهذا السبب، تزيد إسرائيل هذه المرة من وجودها الاستخباراتي في الدول العربية من خلال التكنولوجيا السيبرانية وبذريعة مساعدة العرب في الدفاع عن بنيتهم التحتية.
يصبح الصهاينة من خلال اختراق الطبقات الأمنية للعرب أكثر قدرة على الحصول على المعلومات والتجسس عليهم، والأمن السيبراني هو أحد القضايا التي يناور ضباط الموساد بشأنها. وبالنظر إلى أن دول الخليج الفارسي تفتقر لهذه التقنيات، فهم يحاولون الاستثمار في الأنظمة التكنولوجية للكيان الصهيوني والاستفادة من هذه الإنجازات، لذلك ستدخل تل أبيب الدول العربية من خلال هذه النافذة لمتابعة تحقيق أهدافها المتمثلة في التجسس.
في السابق، كان الصهاينة يناورون في المجالات السياحة والاقتصادية، ومؤخراً عبور أجواء الدول العربية، والآن ستكتمل الدائرة بإنشاء القبة الحديدية السيبرانية. تنوي تل أبيب بمثل هذه الخطط جعل عملية التطبيع أكثر جاذبية للدول العربية حتى ينجذب المزيد من العرب إلى هذا المسار. فبسبب غضب الرأي العام في العالم العربي بات من الأصعب المرور بخطوات التطبيع السياسية، وبالتالي يحاول الصهاينة تضخيم الإنجازات العلمية والاقتصادية والعسكرية للتطبيع بطريقة أو بأخرى من أجل تمهيد الطريق الوعرة للتأثير في العالم العربي.
يلمح الصهاينة من خلال اقتراح خطة دفاع سيراني إلى أنهم الرائد بين الدول الإقليمية في مجال التكنولوجيا ويمكنهم مساعدة حلفائهم واستقطاب المطبعين إلى جانبهم. وبالتالي يمكن للجواسيس الصهاينة الاستقرار في هذه الدول والقيام بالتجسس بحجة درء التهديدات السيبرانية عن الشبكات الأمنية والبنية التحتية للدول العربية. فإسرائيل التي كانت قد تجسست في السابق على بعض القادة العرب في المنطقة باستخدام برنامج بيغاسوس، بات مشروعها السيبراني الآن الخيار الأسهل والأرخص الذي سيساعد تل أبيب على تحقيق أهدافها.
المصادر:
1-https://cutt.us/QUPM2
2-https://cutt.us/eZ2Mc
3-https://cutt.us/4oGUz
4-https://cutt.us/ThMua