أي لعبة تُلعب في الساحة الإسرائيلية؟
كثرت الأحاديث مؤخراً حول الرد المحتمل من قبل إيران، حيث يرى البعض أنها أصبحت لعبة في ساحة نتنياهو و يعتبر آخرون عدم الرد أيضًا لعبة في ملعبه. إلى جانب ذلك لا يزال النقاش حول أسلوب اغتيال هنية والعوامل التي ساهمت فيه محتدمًا ومتبايناً.
كثرت الأحاديث مؤخراً حول الرد المحتمل من قبل إيران، حيث يرى البعض أنها أصبحت لعبة في ساحة نتنياهو و يعتبر آخرون عدم الرد أيضًا لعبة في ملعبه. إلى جانب ذلك لا يزال النقاش حول أسلوب اغتيال هنية والعوامل التي ساهمت فيه محتدمًا ومتبايناً.
وبعيدًا عن هذه النقاشات يرى الكاتب أن القضية الرئيسية هي: لماذا تم اغتيال هنية في إيران؟ فبنفس الأسلوب بل وربما بشكل أسهل كان من الممكن أن يحدث هذا في دول أخرى، وعدم حدوثه لم يكن بسبب الحماية العالية أو وجود هنية في أماكن سرية! وأحد الأسباب الموجبة لعدم اغتيال هنية في تركيا أو قطر يمكن أن يكون معارضة الولايات المتحدة.
لكن اغتيال هنية يعود في المقام الأول إلى نقص معرفي عميق حول إسرائيل في مجالات أكاديمية وسياسية وإعلامية وأمنية وغيرها على مدى العقود الماضية. في الواقع في ظل الفهم العميق لهذا اللاعب يكون فهم وتحليل القرارات والسلوكيات المحتملة له ممكنًا خاصة في الظروف الراهنة والتحولات والتعقيدات المتعلقة بحرب غزة والوضع الداخلي لإسرائيل، كما أن تطبيق المستوى اللازم من التدابير مقابل ذلك يعتمد أيضًا على فهم ومعرفة عميقة.
ومع ذلك حتى لو كانت مسائل الحماية تُراعى على مستوى عالٍ في الوقت الحالي، فمن المحتمل أنه في ضوء تجارب اغتيالات مشابهة في إيران، لم يكن هناك ضمان بأن هذا الاغتيال لن يحدث بشكل آخر بتكنولوجيا متقدمة وشبكة تسلل ونفوذ محلية.
ولكن السبب الرئيسي لحدوث هذه الأحداث هو الأضرار الكبيرة التي لحقت بالردع الإيراني، وهذا الردع هو ما يمكن أن يمنع الطرف الآخر حتى في وجود الظروف المواتية أن يقوم بمثل هذه الهجمات. لذا إلى جانب سد الفجوات المعرفية في الجوانب المختلفة، فإن العامل الأكثر أهمية وجوهرية هو إحياء وتعزيز سياسة الردع، وإلا فإن السبب الأول لن يكون كافيًا وقد يؤدي فقط إلى تأخير الوصول إلى الهدف.
في هذا السياق، يبدو أن هناك اعتقادًا سائدًا بأن عملية "الوعد الصادق" قد أوجدت الردع المطلوب؛ لكن اغتيال هنية عكس ذلك. في ذلك الوقت أكد الكاتب على أهمية الرد على الهجوم على السفارة في دمشق بأنه كان "كسرًا للهجوم المباشر" على إسرائيل؛ وليس ردعًا له وأشار إلى أنه من المحتمل أن تركز إسرائيل في المستقبل بجانب استمرار هجماتها على الأهداف الإيرانية في سورية على عمليات الاغتيالات داخل إيران وهو ما حدث بالفعل.
الآن يبدو أن الحكومة الإيرانية أيضًا قد أدركت أهمية تقوية هذا الردع؛ لكن السؤال هو: كيف؟ الحقيقة هي أن الأمر وصل إلى حد أن هذه المسألة مكلفة وقد تكون مصحوبة بخطر نشوب حرب شاملة. كان من الأسهل سابقًا القيام بذلك في ظروف غير حرب مع نفس الاغتيالات سواء في الداخل أو في المنطقة، ولم تكن خاضعة لحسابات معقدة كما هو الحال اليوم في ظل تعقيدات الحرب. على أي حال قررت إيران الرد على اغتيال هنية بالنظر إلى الدلالات والنتائج المتعددة لذلك؛ بعضهم يرى أن هذا الرد هو لعب في ملعب نتنياهو، والبعض الآخر يعتبر عدم الرد هو اللعب في نفس الملعب.
فهم أن الرد أو عدم الرد هو لعبة في ملعب إسرائيل يتطلب فهم نية وهدف نتنياهو، الذي يمكن إلى حد كبير التخمين بشأنه من خلال القرائن والشواهد. رؤية الكاتب هي أن هذه الهجمات ليست موجهة نحو إرادة وقرار مسبقين لشن حرب لأنه لو كان الأمر كذلك لكان الهجوم السابق لإيران هو أفضل ذريعة لبدء حرب؛ لكن هذا لا يعني أن يد إيران مفتوحة لأي نوع من الردود بل إن هذه الهجمات الإسرائيلية تنبع بشكل أكبر من إدراك لنقاط ضعف طهران وقلقها من ردود تدخل في إطار نشوب حرب.
الحقيقة هي أن نقطة قوة إسرائيل تكمن في تفوقها الجوي، بينما ضعفها هو قلة العمق الاستراتيجي. وعلى الرغم من أنها متأكدة من دعم أمريكا، إلا أنها بسبب نقص هذا العمق لا تتحمل خوض حرب إقليمية مدمرة، إلا إذا كانت متأكدة من أن الطرف أو الأطراف المقابلة غير قادرة على تدمير العمق الإسرائيلي، حيث يعيش 70 بالمئة من سكانها في منطقة تل أبيب وحدها. لهذا السبب قد تجنبت حتى الآن شن حرب شاملة ضد حزب الله.
الآن إذا أرادت إيران الرد بشكل يتماشى مع إحياء الردع، فعليها أن تتجاوز رد الفعل المتوقع من نتنياهو وعملية "الوعد الصادق"، حيث إن شدة الضرر والخسائر قد تجعل إسرائيل تتجاوب بهجمات مضادة، مما يؤدي إلى تبادل هجمات دون وقوع حرب شاملة. من المحتمل أن يتوقف هذا التبادل الثنائي عن طريق اتفاق يشمل جميع الجبهات المشتعلة وأبرزها غزة. ومع ذلك من الواضح أيضًا أنه في حالات التوتر العسكري يمكن أن تؤدي تطورات ميدانية محددة إلى تغيير القرارات المسبقة في لحظتها والتسبب في نشوب حرب.