أوروبا وفكرة النفوذ في آسيا الوسطى
بعد بداية الصراع الأوكراني وتراجع اهتمام روسيا بمنطقة آسيا الوسطى وما تلاه من تراجع في تواجد الروس في الأحداث الإقليمية، صرنا نشهد تزايد رغبة الأوروبيين في أن يكون لهم حضور أقوى ولعب دور بديل في هذه المنطقة البكر والخصبة المليئة بالموارد الطبيعية التي وهبها الله لهذه المنطقة. ربما كان هذا السبب لقيام العديد من المسؤولين وقادة الدول الغربية بزيارة هذه المنطقة الشاسعة في الأشهر الماضية، بما في ذلك رحلة جوزيف بوريل، كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي إلى كازاخستان وأوزبكستان من أجل لقاء وزراء خارجية آسيا الوسطى والمشاركة في قمة تهدف إلى تعزيز العلاقات بين أوروبا وآسيا الوسطى.
في ذات الوقت كتبت وسيلة إعلامية خبرية وتحليلية تدعى" اويل برايس" عن هذا الأمر: استخدم جوزيف بوريل هذه الرحلة والحدث لإقامة علاقات وثيقة بين أوروبا والحلفاء التقليديين لروسيا وسيحاول تقليل اعتمادهم على روسيا.[1] بعد هذه الجهود مباشرة وصلت الأخبار إلى أن المفوضية الأوروبية وقعت اتفاقية مع كازاخستان لاستخدام هذا البلد الشاسع للتزود بالهيدروجين والمعادن الأرضية النادرة. بعد هذا الاتفاق وصفت رئاسة المفوضية الأوروبية كازاخستان بأنها "شريك حيوي" للاتحاد الأوروبي.[2]إلى جانب كل الجهود الأوروبية لجذب انتباه دول آسيا الوسطى والتأثير في هذا المجال، أطلق الاتحاد الأوروبي مشروعًا جديدًا يسمى "روابط الطاقة المستدامة في آسيا الوسطى"SECCA)) ويبدو أنه هدف إقليمي يحمل شعار حماية البيئة وتعزيز الطاقة المتجددة.[3]يذكر في مقدمة هذا البرنامج: يهدف هذا المشروع إلى تعزيز السياسات الوطنية للانتقال إلى نظام الطاقة المستدامة وزيادة الاستثمار وزيادة الوعي في مجال الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة في المنطقة.[4]ولكن بإلقاء نظرة سريعة على أهداف هذه المشاريع وتاريخ أداء الأوروبيين والغربيين في البلدان الأخرى في مشاريع مماثلة، من السهل أن نفهم أن مثل هذه الإجراءات ليست أكثر من بوابة للأوروبيين للدخول فيها وإيجاد نفوذ طويل المدى في بلدانهم وأقاليمهم من أجل تطوير أهداف أحادية الجانب وأهداف استعمارية بشكل عام.
هنا و بإلقاء نظرة عميقة على عملية التطورات الدولية يمكننا أن نفهم الحاجة الحيوية للدول الأوروبية للطاقة وأمن خطوط نقلها. ولعل هذه القضية أهم دافع وسبب لفت انتباه الاتحاد الأوروبي إلى آسيا الوسطى. لأن أداء روسيا في استخدام الطاقة كأداة ضغط في علاقاتها مع أوروبا، أدى إلى تحول أوروبا نحو تنويع إمداداتها من الطاقة ونقل القنوات إلى المناطق الأقل استخدامًا مثل المصادر المتنوعة في آسيا الوسطى. ولكن بالإضافة إلى قضية إمدادات الطاقة وتحويلها كمحرك دافع للأوروبيين لإيلاء المزيد من الاهتمام لآسيا الوسطى، يمكننا أيضًا أن نذكر تأثير المنافسة الجيوسياسية بين القوى العظمى. مثلما حاولت العديد من دول نظام الهيمنة تحقيق أهدافها الجيوسياسية والجيواستراتيجية من خلال استخدام الأعذار كلإهتمام بسياسات مثل حقوق الإنسان أو إرساء الديمقراطية والمساعدة في نمو التعليم، وفي ذات الوقت توسيع مظلة دعمها الظاهري إلى أصغر و أضعف الدول، لقد حاولت تلك الدول الحصول على أقصى قدر من المصالح وتحاول الضغط على المنافسين بمزيد من المساعدة والدعم، و ربما كان هذا السبب لإدعاء مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي تقديم دعم الغرب واهتمامه بأمن آسيا وأفغانستان. بينما رأينا كيف هاجم القسم الأكبر من أعضاء هذا الاتحاد أفغانستان عن طريق قوات حلف الناتو في عام 2001 بأوامر من الولايات المتحدة، والوضع غير المستقر وغير الآمن اليوم في أفغانستان وبعض الدول المجاورة هو نتيجة 20 عامًا من السياسات الخاطئة للغرب والولايات المتحدة واحتلالهما العسكري لهذا البلد. حيث دخلوا بهدف دعمها ورددوا الشعارات المثالية تمامًا مثل ما نراه في آسيا الوسطى اليوم، وجلبوا الخراب لأهلها واستغلوا مواردها قدر استطاعتهم، وأخيراً تم تسليم فاتورة حساب طويلة إلى العالم على حساب هذا البلد.
لابد من الإشارة إلى أن التعريف الجغرافي والتقليدي لآسيا الوسطى الآن كمجموعةٍ من خمسة بلدان فقط لا ينقل مفهوم وأهمية هذه المنطقة الشاسعة كما ينبغي. فبدلاً من ذلك وفقًا للعديد من الخبراء يمكن تسمية هذه المنطقة بشبكة متصلة في جزء مهم من منطقة الطاقة في العالم، فهي قريبة من الصين من ناحية وتتمتع من ناحية أخرى بموقع متميز في جوار القوى العالمية الحالية مثل روسيا وإيران، فهي ليست مجرد منطقة تربط شمال شرق الصين وإقليم شينجيانغ بأوروبا بطرق مختلفة بل تلعب أيضًا دور المنقذ لأوروبا في تخلصها من ضغوط روسيا والدول الغنية بالطاقة عن طريق غناها وتنوعها بالموارد الطبيعية.
ربما كان هذا السبب الذي جعل الأوروبيين يتطلعون إلى عقد المؤتمر الاقتصادي الثاني لآسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي في أقرب وقت ممكن بعد انتهاء مؤتمرهم المشترك الأول في مايو الذي استضافته ألماتي في كازاخستان من أجل تقديم مقترحاتهم المغرية لجذب انتباه هذه الدول وبالتالي تعزيز نفوذها في هذا المجال.
نويد دانشور
[1] https://oilprice.com/Geopolitics/International/Europe-Moves-To-Capitalize-On-Russias-Waning-Influence-In-Central-Asia.html
[2] https://irna.ir/xjL4nM
[3] https://www.timesca.com/index.php/news/25495-european-union-launches-project-to-boost-sustainable-energy-in-central-asia
[4] https://www.eeas.europa.eu/delegations/kazakhstan/european-union%E2%80%99s-new-project-boost-sustainable-energy-central-asia_en?s=222