هل تقترب رئاسة الوزراء البرطانية الحالية من نهايتها ؟
بريطانيا دولة كانت توازنُ دائمًا بين الاستمرارية والتغيير في السياسة وتحاول الحفاظ على الاستقرار في جميع مراحل الحكم. ولكن يبدو أنه بعد أكثر من قرنين من الزمن ستفقد برطانيا الاستقرار في هذه الأرض، وسيرى بنفسه سادس رئيس وزراء برطانيا خلال السنوات الثماني الأخيرة حدث غير مسبوق في المجال السياسي البريطاني.
بريطانيا دولة كانت توازنُ دائمًا بين الاستمرارية والتغيير في السياسة وتحاول الحفاظ على الاستقرار في جميع مراحل الحكم. ولكن يبدو أنه بعد أكثر من قرنين من الزمن ستفقد برطانيا الاستقرار في هذه الأرض، وسيرى بنفسه سادس رئيس وزراء برطانيا خلال السنوات الثماني الأخيرة حدث غير مسبوق في المجال السياسي البريطاني.
خطورة السيد سوناك!
أقدم رئيس الوزراء البريطاني السيد ريشي سوناك على مخاطرة كبيرة في إعلانه البقاء في السلطة وذلك بعد تحديد موعد الانتخابات المبكرة الشهر المقبل. لقد اتخذ هذا الإجراء عندما كان يستطيع إجراء الانتخابات بعد 6 أشهر، ولكن يبدو أنه توصل إلى استنتاج مفاده أن إجراء الانتخابات في وقت مبكر سيزيد من فرصه وحزبه في البقاء في السلطة. لكن على الرغم من أن المحافظين يتخلفون كثيراً عن حزب العمال في استطلاعات الرأي الرسمية وأن احتمال هزيمتهم مرتفع جداً. ومع ذلك قرر السيد سوناك المخاطرة الكبيرة بإنجازاته وخوض هذا التحدي الكبير .
نقاط القوة والضعف، من الأقوى؟
مع كل ذلك، يحاول السيد سوناك الفوز في الانتخابات بالاعتماد على قضيتين. القضية الأولى والأهم هي الاقتصاد، لقد كان أداؤه جيدًا في المجال الاقتصادي وتمكن من خفض معدل التضخم البالغ 11% في بلاده إلى ما يقرب من 2%، وذلك أيضًا خلال فترة عامين، وهو ما وصفه بأنه إنجاز عظيم[1]. ومع ذلك وبحسب العديد من الخبراء، لا يزال أمام بريطانيا طريق صعب لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وكانت سياسات رئيس الوزراء مؤقتة. هذا النهج الذي اتبعه الخبراء وكذلك الخطة الاقتصادية التي قدمها سوناك لا تحظى بإعجاب الشعب البريطاني ويبدو أن خططه لن تلقى استحسانًا كبيراً. حقيقة أن نوعية الحياة في بريطانيا لم تصل بعد إلى المستوى الذي يرغب فيه الشعب هي حقيقة يجب على رئيس الوزراء الانتباه إليها أيضاً.
إلى جانب ذلك، يرى السيد سوناك أن إنجازات حكومته تم إهمالها ولم يتم النظر إلى جهوده كما ينبغي. وهذه القضية لها عدة أسباب رئيسية، أحدها عدم شعبيته في الجناح اليميني للحزب المحافظ، وهم مستاؤون من تولي شخص من أصل هندي مسؤولية الحزب، ويعتقدون أنه غير قادر على إدارة البلاد [2]. إضافة إلى ذلك فإن شعبيته منخفضة نسبياً، مما جعله وحكومته أقل شعبية. وفي الحقيقة أصبحت الانقسامات داخل الحزب أكثر وضوحا، وهو ما يمكن أن يوجه ضربات قوية لكل من الحزب والحكومة البريطانية.
كما أن موجة الاستقالات الواسعة لأعضاء حزب رئيس الوزراء تشكل مشكلة كبيرة له وللحزب. ويبدو أن نتيجة حزب المحافظين ستكون بمثابة هزيمة انتخابية ثقيلة، وسيتعين عليهم تسليم إدارة المبنى رقم 10 بعد 14 عامًا إلى منافسهم اللدود، حزب العمال بقيادة السيد ستارمر. ولذلك فإنهم ينسحبون من الانتخابات حتى لا يكونوا جزءاً من هذه الهزيمة، وقد تزايدت موجة الانسحاب هذه حتى منذ عام 1997 عندما تعرض المحافظون لأكبر هزيمة لهم [3].
مع كل هذه القضايا، يأمل السيد سوناك أنه من خلال الاعتماد على الاقتصاد والأمن الدفاعي بالإضافة إلى إدارة أزمة المهاجرين، سيتمكن من كسب تأييد الجمهور والبقاء رئيسًا للوزراء وزعيم الحزب للسنوات الخمس المقبلة. ومع ذلك، حتى لو فاز الحزب المحافظ، فسيكون أمامه طريق صعب للحفاظ على موقعه القيادي. كما أن أسلوب رئيس الوزراء في التعامل مع حزب العمل يؤكد عدم وجود خطة دفاعية محددة لهم. يمكن أن يكون هذا الموقف مهمًا جدًا، خاصة بالنظر إلى إطالة أمد الحرب في أوكرانيا واحتمال نشوب صراع أوسع وربما حتى بداية الحرب العالمية الثالثة. وفي الواقع، تؤكد العقيدة العسكرية البريطانية حاليًا على دعم أوكرانيا والدفاع عنها، فضلاً عن العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة باعتبارها حليفًا استراتيجيًا ومهمًا يمكنه مساعدة بريطانيا في حالة الحرب.
وفي الواقع فإن استغلال خوف الناس لجذب رأيهم والإصرار على التصويت لبرنامج معين مقابل علامة استفهام قد يكون فعالا إلى حد ما، لكن هذه المواقف لن يكون لها بلا شك آثار عميقة جدا على تصويت الشعب البريطاني.
في مجمل الأمر، يبدو أن الطريق أمام حزب العمال ليس صعباً للفوز في الانتخابات، لأن الناس سوف يصوتون بالرفض للمحافظين. ولكن ما إذا كان حزب العمال يستطيع أن يصبح أغلبية في البرلمان أم لا هو سؤال مهم سيتم تحديده في يوم الانتخابات. ولهم منافس اسمه الليبراليين، الذي استطاع أن ينعش نفسه في الانتخابات القليلة الماضية ويصبح التيار الثالث، وقد يمنعون تشكيل أغلبية حزبية في البرلمان.
ولذلك فإن نتائج الانتخابات المقبلة يمكن أن يكون لها آثار عميقة على نهج بريطانيا تجاه الهجرة، والحرب في أوكرانيا، واقتصادها المحلي، ويمكن أن يؤدي التغيير في البرلمان والحكومة إلى أحداث أكبر في أوروبا وحتى في العالم، حيث يمكن لحزب العمال والسياسة أن يؤكدا دور بريطانيا المتوازن في السياسة الدولية وأن يكونا أحد عوامل إنهاء الحرب في أوكرانيا.
[1] economist.com
[2] euronews.com
[3] nbcnews.com