من العقوبات إلى التجسس.. الولايات المتحدة تدمر العالم
بات واضحاً أن الشعوب الغربية لا تدرك أن العقوبات الجائرة التي فرضتها دولها على سورية منعت دخول المعونات الإنسانية والطبية ومواد إعادة الإعمار. ببساطة، لأن حكومات هذه الدول تهيمن بشكل كامل على المنافذ الإعلامية المؤثرة، التي تتبع سردا موحدا عندما يتعلق الأمر بقضايا مهمة، مثل سورية، والصين، وروسيا وأوكرانيا.
ووفقاً لتقرير مراجعة العقوبات الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية في تشرين الأول لعام 2021، شهدت العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضتها الولايات المتحدة على دول أخرى تزايداً كبيراً منذ هجمات 11 أيلول. وبحلول نهاية السنة المالية 2021، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على 9421 من الكيانات والأفراد، بزيادة وصلت إلى 933 في المائة عن عام 2000. وكانت إدارة ترامب، وحدها، فرضت أكثر من 3900 عقوبة، أي ما يعادل ثلاث عقوبات يومياً.
شبكة المراقبة العالمية الأمريكية
فضلاً عن العقوبات الصارمة، تتجسد التدخلات الأمريكية في البلدان الأخرى أيضاً في مراقبتها الجماعية لدول أخرى، حيث اتهمت الولايات المتحدة الصين مؤخراً، بالتجسس على بلادها من خلال السماح لـما اعتبرته “منطاد تجسس صيني” بالتحليق في مجالها الجوي، ما أدى إلى تأجيل زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إلى الصين.
وبالرغم من تأكيد الصين مراراً وتكراراً على أنه مجرد حادث، والمنطاد هو منطاد مدني لأغراض الأرصاد الجوية، ودعوة الجانب الصيني للولايات المتحدة بالتعامل مع الحادث بطريقة “هادئة” وعدم المبالغة في رد الفعل، لكن الجانب الأمريكي أسقطه في النهاية.
كما زعم مسؤولون أمريكيون أن الصين بهذه الطريقة تجمع معلومات استخبارتية في أكثر من 40 دولة دون تقديم أية أدلة. ومع ذلك، عندما طُلب من المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس خلال المؤتمر الصحفي مؤخراً، إعطاء أسماء البلدان الـ 39 الأخرى، وكيف تعرف الإدارة الأمريكية أن المجالات الجوية لـ 39 دولة أخرى يتم انتهاكها إذا لم تكن الولايات المتحدة تتجسس على هذه الدول، رفض برايس الإجابة متحججاً بالقول، إن إعطاء المصادر “سيضعف دفاعاتنا ضد برامج كهذه”.
ومع ذلك، يظهر المزيد من الأدلة أن الإدارة الأمريكية هي أكبر هيئة تجسس في العالم، ففي عام 2013، كشفت وثائق سربها المتعاقد السابق مع وكالة الاستخبارات المركزية إدوارد سنودن، أن وكالة الأمن القومي الأمريكية كانت تتعقب الاتصالات عبر الإنترنت من خلال تنزيل برنامج على أنظمة الشركات التكنولوجيا الكبرى، ليقدم لها وصولاً مباشراً إلى الخوادم المركزية لمواقع، منها “فيس بوك” و”غوغل”، و”ميكروسوفت”، و”ياهو”، ويُعرف برنامج التجسس باسم”بريزم”.
من المؤكد أن إدارة الولايات المتحدة لا تتجسس على مواطنيها فحسب، بل وعلى الدول الأخرى وقادة العالم، فقد كشف سنودن أيضاً أن 38 سفارة وبعثة كانت “أهدافاً” لعمليات تجسس أمريكية، وشملت البلدان المستهدفة بلجيكا وفرنسا وإيطاليا واليونان والمكسيك والبرازيل وكولومبيا وتشيلي، بالإضافة إلى حلفاء أمريكا غير الأوروبيين مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
كما قامت وكالة الأمن القومي بالتجسس على هواتف 35 من قادة العالم، بما فيهم المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل.
بعد فراره إلى منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة الصينية، أخبر سنودن صحيفة “جنوب الصين الصباحية” أن لدى وكالة الأمن القومي أيضاً عمليات قرصنة في هونغ كونغ والبر الرئيسي الصيني، قائلاً إن الأهداف في هونغ كونغ تشمل الجامعة الصينية والمسؤولين العامين والشركات.
يقول الدبلوماسي الأمريكي المتقاعد الذي خدم في وزارتي الخارجية والدفاع بالولايات المتحدة تشارلز دبليو فريمان، أنه يعرف الكثير من الأشخاص في مجتمع الاستخبارات، ولا يتفق مع أي ممن ادعوا بـ “تجسس” المنطاد وأن ذلك الضجيج تطلقه مجموعة من المحافظين الجدد، ممن يزعمون زوراً أن الصين تتجسس على الولايات المتحدة.
صمت جماعي
على النقيض من ضجيج المنطاد، فإن الأخبار العاجلة الأخيرة التي نشرها سيمور هيرش، والتي تظهر أن غواصين من البحرية الأمريكية زرعوا قنابل دمرت خط أنابيب الغاز الطبيعي “نورد ستريم 2” تحت بحر البلطيق في أيلول الماضي، بالكاد لفتت الانتباه، فوسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية تلتزم بالصمت الجماعي بشأن مثل هذه الأخبار، وتتبنى موقف إدارة الولايات المتحدة بشأن هذه القضية.
استشهد هيرش مراسل “نيويورك تايمز”، و”نيويوركر”، بمصدر لم يذكره، بأنه تم اتخاذ قرار تفجير خطوط الأنابيب سراً من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن، بهدف الحد من قدرة موسكو على جني مليارات الدولارات من مبيعات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، حيث تعتقد الولايات المتحدة أن خطوط الأنابيب أعطت روسيا نفوذاً سياسياً على ألمانيا وأوروبا الغربية يمكن استخدامه لإضعاف التزامهما تجاه أوكرانيا بعد بدء الصراع بين روسيا وأوكرانيا.
يبين حجم الضرر الذي طال الأنابيب أنه من المستبعد أن تتمكن خطوط أنابيب “نورد ستريم2” من نقل أي غاز إلى أوروبا، وقد تسبب تراجع إمدادات الغاز الروسي في ارتفاع الأسعار في أوروبا، حيث تعمل الدول جاهدة لإيجاد إمدادات طاقة بديلة لتدفئة المنازل، وتوليد الكهرباء وتشغيل المصانع. كما أثار التسرب قلق دعاة حماية البيئة، لأن خطوط الأنابيب تحتوي على غاز طبيعي مضغوط، والغالبية العظمى منه عبارة عن غاز الميثان، كما أن انبعاثات الغازات الدفيئة يمكن أن تتسبب في أضرار جسيمة لطبقة الأوزون وتؤثر بشكل أكبر على الاحتباس الحراري العالمي.
وجدت فرق إدارة الأزمات، التي بحثت في عدد التقارير حول المنطاد الصيني، وانفجار خط أنابيب “نورد ستريم2” بأن عدد التقارير الواردة في وسائل الإعلام الغربية، حول المنطاد الصيني في الفترة الممتدة من 3 إلى 5 شباط الجاري، تجاوزت الـ 10825 تقريراً، بينما كان هناك 1552 تقريراً فقط من 8 إلى 10 شباط حول الكشف الذي قدمه هرش عن انفجار خط أنابيب “نورد ستريم 2”.
لطالما ادعت وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسة، أنها تبحث عن الحقيقة والإنصاف والتوازن في تقاريرها، ولكن، عندما يتعلق الأمر بالأشياء المهمة، من الواضح أنها أنها لا تخبر الجمهور بأي شيء.
المصدر: البعث