قمة تجييش “الكبار”
قمة تجييش “الكبار”
انعقد الاجتماع السنوي لمجموعة “السبع الكبار” في آسيا، في اليابان، بالقرب من الصين، حيث ظهرت حالة الانحدار الرهيب للمجموعة، وعناد الولايات المتحدة في إظهار تفوقهم ورؤيتهم للعالم بأسره.
وفي الوقت الذي أعطت فيه الحرب الأوكرانية مظهر الوحدة النسبية للدول الأوروبية خلف الولايات المتحدة، فقد سلطت الضوء على حدود القوة العسكرية الأمريكية، ومرة أخرى مطالبة واشنطن بإدارة الشؤون العالمية دون مشاركة.
إلا أن أكاذيب الولايات المتحدة وضعفها الواضح سيجبرانها على التوحد مع حلفائها في الناتو، في مواجهة جديدة، هذه المرة مع الصين وروسيا. ولهذا السبب كان الهدف الأساسي لمجموعة السبع هو اختبار موثوقية الشركاء المحتملين للولايات المتحدة، ولهذا السبب أيضاً ركزت مجموعة الدول السبع هذه المرة على مضاعفة العقوبات ضد روسيا، والتحريض على محاربة الاقتصاد الصيني.
من جهة أخرى، تتهم الحركات المناهضة للعولمة، مجموعة السبع بالرغبة في “قيادة العالم” من خلال توحيد الدول بين القوى الاقتصادية العظمى الرئيسية من أجل زيادة قوتها المشتركة في الأسواق العالمية، مع العلم أن دول آسيا، باستثناء اليابان، تمثل الآن 75٪ من سكان العالم، بينما يمثل الغرب 12٪ فقط، بالإضافة الى أنه في عام 2022، أنتجت الصين 22٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بينما انخفضت الولايات المتحدة إلى 15٪، وزادت الهند إلى 7٪.
في هيروشيما، كان من المفترض طرح التساؤلات الملحة حول القضايا المحورية التي يواجها العالم من الاحتباس الحراري إلى الذكاء الاصطناعي، ومن مكافحة الأوبئة إلى حقوق الإنسان، ولاسيما تلك الخاصة بأفراد مجتمع “الميم”، أو حتى الهجرة. ولكن لم يحدث هذا الأمر وإنما كان الهدف الحقيقي من هذا الاجتماع هو التعبير عن معارضة طموحات روسيا وبكين المتزايدة، وكيفية مواجهتهما.
وفي هيروشيما، أرسل اليابانيون، رسالة قوية إلى المشاركين من خلال تنظيم هذا الاجتماع في مدينة هيروشيما، ومن خلال إحضار الرئيس جو بايدن للانحناء أمام النصب التذكاري للمدينة المنكوبة التي تمت إبادتها بالقنبلة الذرية الأمريكية في 6 آب 1945، ما تسبّب في مقتل ما بين 140- 250 ألف مدني على الفور، يضاف إليها الوفيات نتيجة انتشار الأشعة، وبالتالي جريمة ضد الإنسانية.
بالطبع لا القضاة هم الذين يقررون هذا، وبالتالي، لم يعد هناك المزيد من الجرائم ضد الإنسانية في قصف صربيا أو العراق أو سورية، ومن الواضح أن هذه الحجج الحقيقية لا يمكن طرحها، لذلك طّور الأمريكيون فكرة أن قصف هيروشيما وناغازاكي في 6 و9 آب 1945، قد أنقذ حياة مئات الآلاف من الجنود، وهذه حجة خاطئة للغاية.
وهنا يبرز السؤال التالي: هل لليابان، التي تعيد تسليح نفسها، مصلحة في الاستمرار في إظهار نفسها على أنها الحليف المخلص للولايات المتحدة، في حين أن دول آسيا من حولها تتوجه تدريجياً إلى منظمة شنغهاي للتعاون؟.
القوى التي تتذكر جرائم اليابان في الماضي نصبت نفسها كخصم حازم لواشنطن، لذلك سيكون لدى اليابان الكثير لتخسره إذا انسحبت الولايات المتحدة، كالعادة، في مرحلة ما من الصراع. ومع ذلك، لن تبتعد اليابان، على الرغم من إعادة تسليحها عن الحماية الأمريكية.
أما ألمانيا، وهي مشارك آخر في مجموعة السبع، وحليف سابق لليابان في الحرب العالمية الثانية، فهي بلا شك أقل خطورة من اليابان في صراع محتمل مع الصين، لكنها تهدف إلى تعزيز دورها كأحد أعمدة الناتو في أوروبا، والثانية بعد الولايات المتحدة وسيد الاتحاد الأوروبي.
إن مسار العمل هذا يقودها إلى الامتثال لرغبات واشنطن بشكل أكثر استعباداً لأنها تعاني، في الولاء، من المنافسة من بولندا. وهي تناشد هولندا من أجل وجود قوي للناتو في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وعليه، ترغب هاتان الدولتان في العمل في حلف الناتو لتطوير العلاقات مع “شركاء حول العالم” بما في ذلك أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية، وهذه الدول الأربع منخرطة بالفعل مع الناتو كجزء من برنامج شراكة تعاون شخصي. لا تزال ألمانيا، التي تتأثر بلا شك بصعود الولايات المتحدة في إطار حلف شمال الأطلسي، وتكتشف في هذا التوافق إمكانية زيادة دورها الجيوسياسي، منفتحة للغاية في هذا الاتجاه. ومع ذلك، يبدو أنها تعرف كيفية المضي قدماً بمفردها. وبالتالي، فإن بنوكها مرتبطة بنظام “سبسف” الصيني الروسي، وهو منافس لنظام “سويفت” للتبادل بين البنوك.
من المثير للاهتمام ملاحظة أن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، المدعو إلى هيروشيما، رفض أمام زيلينسكي، وهو ضيف خارجي آخر، إدانة روسيا في عمليتها الخاصة في أوكرانيا، واكتفى بالدعوة إلى السلام، إذ ترفض الهند أي تبعية وتدعو إلى ما تسميه “الاصطفاف المتعدد”. ترتبط هذه السياسة بالسياسة التي اعتادت فرنسا اتباعها، ومن المدهش أن فرنسا لا تتبع خياراً مشابهاً، خاصةً وأنها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، متورطة إقليمياً، وهذا ليس هو الحال على الإطلاق في الصراع الأوكراني. وهنا يجب التذكير بأن فرنسا، التي تمتلك 7 ملايين كيلومتر مربع من المنطقة الاقتصادية الخالصة من أصل 11 لديها، موجودة بشكل كبير في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المنطقة الاقتصادية الخالصة الضخمة جعلت فرنسا، منذ التعديلات الأخيرة، القوة البحرية الأولى في العالم قبل الولايات المتحدة، بحسب جنرال فرنسي متقاعد الذي تساءل عما تفعله فرنسا في حلف الناتو، آلة الحرب هذه، في خدمة طموحات واشنطن الخطرة، وبالتالي رهن استقلالها الاستراتيجي والجيوسياسية.
المصدر: البعث