قل إنجلترا وليس بريطانيا!

خلال الأيام والأسابيع الأخيرة كانت بريطانيا وعلى وجه الخصوص إنجلترا، مسرحًا للاشتباكات والاضطرابات الواسعة في الشوارع. كانت هذه الفوضى احتجاجًا على وجود المهاجرين وإجراءاتهم في جزيرة بريطانيا ولكن الاشتباكات حدثت بشكل أكبر في إنجلترا، بينما كانت الأوضاع هادئة في مناطق أخرى من المملكة المتحدة مثل ويلز واسكتلندا.

Aug 15, 2024 - 15:27
قل إنجلترا وليس بريطانيا!
قل إنجلترا وليس بريطانيا !

خلال الأيام والأسابيع الأخيرة كانت بريطانيا وعلى وجه الخصوص إنجلترا، مسرحًا للاشتباكات والاضطرابات الواسعة في الشوارع. كانت هذه الفوضى احتجاجًا على وجود المهاجرين وإجراءاتهم في جزيرة بريطانيا ولكن الاشتباكات حدثت بشكل أكبر في إنجلترا، بينما كانت الأوضاع هادئة في مناطق أخرى من المملكة المتحدة مثل ويلز واسكتلندا.

أصل الأحداث؟

لفهم ما يحدث في إنجلترا بشكل أفضل يجب العودة إلى الوراء وأخذ نظرة تاريخية على المسألة حتى يمكن تحليل ما يجري في هذا البلد. كانت الإمبراطورية البريطانية دائمًا محركًا لتحقيق القوة التاريخية وكانت إنجلترا هي محور تلك القوة، تم تشكيل التحالفات عبر التاريخ حول إنجلترا ولقد لعبت دورًا استراتيجيًا ومحوريًا في جميع مراحل التاريخ في الجزيرة وحتى في العالم. يعتبر الإنجليز أنفسهم من بين المنتخَبِين والمختارين ومنذ وجودهم عرقيًا يعتبرون أنفسهم متفوقين. في الواقع لا يقبلون بتنوع القوميات ويعتقدون في تفوقهم وتميزهم. يمكن ملاحظة هذه المسألة بوضوح في الاستطلاعات التي تم إجراؤها في هذه البلاد حيث يعتقد معظم المشاركين أن أفضل سنوات هذا البلد كانت في الماضي وغير متفائلين بشأن المستقبل. وعلى عكس ذلك يعتقد سكان ويلز واسكتلندا أن السنوات القادمة ستكون أفضل سنوات البلاد [1]. يظهر هذا بوضوح أن الإنجليز يشعرون بالاستياء من الأحداث التي وقعت في هذه السنوات بينما يبدو أن بقية سكان المملكة المتحدة سعداء بذلك. في الواقع يزداد تراجع الدور المركزي لإنجلترا كحجر أساس في بريطانيا مما يخلق مشاعر الاستياء لديها في مختلف الأحداث داخل الإمبراطورية. يشعرون بالاستياء لعدم وجودهم في مركز القوة البريطانية وانخفاض تأثيرهم وهم يسعون للعودة إلى مكانتهم عن طريق ممارسة النفوذ في مجالات متنوعة ويمكن رؤية "بريكست" في هذا السياق حيث كانت طموحات الإنجليز أحد العوامل الرئيسية وراءه حيث كانوا يسعون لاستعادة مكانة بريطانيا تحت قيادة إنجلترا في التفاعلات الدولية[2].

يمثل "الشغف النوستالجي" للسلطة الإمبراطورية المفقودة جزءًا من هذا التصور الوطني النوستالجي الإنجليزي. تساعد هذه النقطة في تفسير لماذا يحاول المحتجون والمشاغبون ترديد شعار Rule Britannia"" كتب هذا الشعار في إنجلترا عام 1740 وتحول إلى موسيقى وسرعان ما أصبح مرتبطًا بقوة الإمبراطورية البريطانية. لا يزال يتم ترديد هذه الأغنية في الليلة الأخيرة من "برومز" (حدث موسيقي سنوي شهير) من قبل مشجعي الرياضة الإنجليزيين مما يظهر مرة أخرى مدى تداخل إنجلترا وبريطانيا في الوعي الإنجليزي[3].

إلى جانب ذلك فإن تصنيف إنجلترا وبريطانيا قابل للتطبيق على بعضهما البعض بالنسبة للإنجليز بمعنى أنهم يعتبرون بريطانيا جزءاً من إنجلترا. ومع ذلك لم يتم الالتزام بهذا الأمر في العمليات المؤسسية والحكومية في بريطانيا وقد زادت هذه القضية من شعورهم بالاستياء. تمتلك اسكتلندا، وويلز، وأيرلندا الشمالية برلمانها وهيكلها السياسي المستقل، بينما لا يوجد هذا الأمر في إنجلترا والآن بعد أن لم تعد إنجلترا محور بريطانيا أصبح عدم التمتع بهذا الوضع أكثر وضوحاً.

تغيرات كبيرة؟

ومع ذلك فإن المشاعر المعادية للمهاجرين ليست محصورة في إنجلترا فقط. إن التباين بين "الأصليين" و"الأجانب" هو جذر كل فكرة قومية. لذلك قد تشتعل الاحتجاجات ضد المهاجرين في أماكن أخرى من بريطانيا. ومع ذلك استطاعت كل من اسكتلندا وويلز تقديم سرديات تقدمية وشاملة للأمة لا تؤيد فقط التنوع العرقي بل تعارض الفكر الإنجليزي المتفوق ونجحت في الوصول إلى توازن. خلال العقد الماضي بدا أن الآمال في إنجلترا جديدة و رائدة وشاملة ونظرة مستقبلية قد تحققت. لكن الاحتجاجات العنيفة الحالية قد أضرت بشكل كبير بهذه الآمال. إلا أن التركيز فقط على الشغب الذي تمارسه جماعات اليمين المتطرف كما فعلت الحكومة البريطانية واعتبار الاضطرابات حدثاً إجرامياً صرفاً لا تشير بدقة إلى جوهر الموضوع. [4] على الرغم من أن اليمين المتطرف قد أخذ مكان الصدارة إلا أن العديد من المواطنين الإنجليز العاديين، رجالاً ونساءً بعضهم من أطفال والذين ربما كانوا يحملون آراء ومشاعر مشابهة كانوا واقفين خلفهم.

على الرغم من أن 8% فقط من البريطانيين في استطلاع حديث لشركة "يوغوف" قالوا إنهم يتعاطفون مع المشاغبين، إلا أن 58% أبدوا تعاطفهم مع من تظاهروا بشكل سلمي، مما يعكس جيداً شعور الإنجليز تجاه المهاجرين. [5] فهم يعتبرون المهاجرين جزءاً من سياسة الحكومة في تقليل قوة إنجلترا ورؤية تصديهم لهم كتصدي لسياسات حكومتهم الكبرى. لذا يبدو أن هذه قضية عميقة الجذور تحتاج إلى معالجة في بريطانيا وإلا فإننا قد نشهد أحداثاً أكثر مرارة وعنفاً وعنصرية في هذا البلد. كما أن هناك احتمالاً لاندلاع صراعات داخلية وربما حتى زوال المملكة المتحدة. قد يبدو هذا الأمر بعيد المنال اليوم ولكن إذا لم تقم أركان الحكومة والسلطة في بريطانيا بإصلاح الفجوات الداخلية، فإن هذه الموجة من العنف ستتحول من "نحن" و"الآخر" الخارجي إلى "نحن" و"الآخر" الداخلي وقد تختفي الإمبراطورية البريطانية تماماً.

امین مهدوی


[1] yougov.co.uk

[2] theconversation.com

[3] independent.co.uk

[4] britishfuture.org

[5] yougov.co.uk