لماذا تتقارب الهند من فرنسا؟

شهدنا في الأيام الماضية زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون للهند. وقد تم إعداد هذه الزيارة بدعوة من رئيس وزراء الهند بمناسبة يوم الجمهورية الهندية(1). وفي السنوات الأخيرة أصبحت دعوة الرئيس الفرنسي لزيارة الهند من البرامج الثابتة في السياسة الهندية. وهذا البرنامج الذي نظمته حكومة مودي كان له أبعاد مختلفة سنناقشها بمزيد من التفصيل.

فبرایر 7, 2024 - 11:15
لماذا تتقارب الهند من فرنسا؟
لماذا تتقارب الهند من فرنسا؟

شهدنا في الأيام الماضية زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون للهند. وقد تم إعداد هذه الزيارة بدعوة من رئيس وزراء الهند بمناسبة يوم الجمهورية الهندية(1). وفي السنوات الأخيرة أصبحت دعوة الرئيس الفرنسي لزيارة الهند من البرامج الثابتة في السياسة الهندية. وهذا البرنامج الذي نظمته حكومة مودي كان له أبعاد مختلفة سنناقشها بمزيد من التفصيل.

المجال الاقتصادي : من خلال تحليل الوضع الاقتصادي عبر السنوات الماضية، تمكنت الهند من كسب نقاط مختلفة من خلال علاقاتها الاقتصادية مع جبهتي الشرق والغرب من خلال إجراءات براغماتية في النظام الدولي، ومن الأمثلة الواضحة على هذا الإدعاء هي كيفية تعاملها مع الحرب بين أوكرانيا وروسيا. إن الهند تتواصل بذكاء مع طرفي الحرب، وقد اكتسبت العديد من الفوائد الاقتصادية من هذه البراغماتية. وداخل المنظومة الفكرية للهند، تعتبر فرنسا دولة يمكن من خلالها أن تكون جسراً بين آسيا والغرب وجذب منتجات الهند الاقتصادية إلى أوروبا عبر باريس. وخلال رحلة ماكرون، رافق الرئيس الفرنسي وفد تجاري كبير، مما أدى إلى توسيع هذه العلاقات الاقتصادية الثنائية من خلال إبرام عقود متعددة(2). كما تحصل فرنسا على فوائدها الاقتصادية من هذا التعميق للعلاقات، وسيعمل على تسوية جزئية للوضع الفوضوي الذي يعيشه الاقتصاد الفرنسي هذه الأيام، والذي يواجه العديد من الإعتراضات والمشاكل الكبيرة.

العلاقات العلمية؛ من أهم التفاهمات التي تم التوصل إليها بين البلدين الهند وفرنسا، مناقشة الهجرة العلمية المتطورة للطلبة الهنود إلى فرنسا، على أن تفتح باريس أبواب جامعاتها في هذا البلد بفارغ الصبر أمام الطلاب الهنود(3)، بحسب المسوحات التي أجريت على حوالي 300 ألف طالب هندي يدرسون في فرنسا، وهي طاقة استيعابية واستثمارية ضخمة لفرنسا، وستكون إدارة قدرات هؤلاء الطلاب في المستقبل ذات فائدة كبيرة لفرنسا. سيعود جزء من هؤلاء الطلاب إلى وطنهم الأم في المستقبل، وسيكونون بالتأكيد قادرين على توفير مصالح ذلك البلد بعقلية إيجابية اتجاه فرنسا، وجزء آخر من هؤلاء الأفراد سيجدون حلاً للمسائل العلمية والطبية والهندسية لمشاكل فرنسا في البلد المضيف. إن الاستثمار الفرنسي في مجال التبادل العلمي سيحقق نتائج مربحة للجانبين.

المجال العسكري : استثمرت الحكومة الكثير في القطاع العسكري الهندي في منافستها مع باكستان في السنوات الأخيرة، وتم تلبية احتياجات هذه الصناعة من خلال قربها من الولايات المتحدة وفرنسا. إحدى أولويات الحكومة الهندية هي الإنتاج المحلي للمعدات العسكرية بمساعدة المستشارين الغربيين. وفي هذا المجال، وقع البلدان اتفاقيات عسكرية مختلفة مع بعضهما البعض منذ سنوات(4). أدى الاهتمام التقليدي للهنود بصناعة الطائرات الفرنسية إلى إبرام عقود عسكرية ومدنية مختلفة مع هذا البلد. شكلت طائرات الميراج الفرنسية في الهند عمليا جسم صناعة الطيران العسكري الهندي. ستخلق هذه التجارة ازدهارًا في القطاع العسكري الفرنسي أيضًا، ولكن في ظل القيود التي فرضتها الحرب بين روسيا وأوكرانيا على الصناعات العسكرية في الدول الأوروبية، فمن غير المرجح أن يتم تنفيذ العقود المبرمة بين الهند وفرنسا على المدى القصير.

على الصعيد الدولي: فيما يتعلق بالعلاقات الدولية في هذا الوقت الحرج، تسعى الهند، بسبب سياستها البراغماتية، إلى تقريب الجهات الفاعلة القوية من خارج المنطقة إليها، حيث أقامت حفلا للعيد الوطني لجمهورية للهند، والذي دعي إليه في البداية رئيس الولايات المتحدة ضمن خطة الهند، التي  قوبلت بالرفض من قبل الرئيس الامريكي جو بايدن، وهو ما يشير بطريقة ما إلى النهج السلبي للولايات المتحدة تجاه التصرفات البراغماتية لحكومة مودي. وفي الخطوة التالية، تقرر الهند دعوة فرنسا للمشاركة في هذا الحدث. تريد فرنسا أيضًا سد الثغرات الموجودة في بلادها بالقدرات الموجودة في الهند وستجلب هذه العملية فوائد لكلا البلدين وستعمل على توسيع قدرات المنطقة الدولية بين باريس ودلهي.

وبشكل عام، ينبغي القول إن الهند عملت على تقويو علاقتها بباريس من أجل نفسها ومن أجل تعزيز نهجها العملي لتصبح جسراً بين آسيا والغرب. وترغب الهند، التي أصبحت المورد الرئيسي للطاقة إلى روسيا، في تصدير المزيد من الطاقة إلى الغرب هذا العام، ولن يكون هذا البرنامج ممكناً من دون اكتساب ثقة الدول الأوروبية الرئيسية. كما تتنافس الهند مع الصين على جذب استثمارات الدول الأوروبية إلى بلادها لأنه في ظل التهديدات العسكرية للصين وتايوان، يبحث المستثمرون الأجانب الذين يميلون إلى الاستثمار في آسيا عن إقليم شرقي في ظل الحرب في هذه المنطقة. وسوف يجدون عمالاً رخيصين وآمنين قامت الهند بإعدادهم لهذه الظروف.

 امیرعلی یگانه

 

 1. https://www.hindustantimes.com/india-news/french-president-macrons-india-visit-list-of-deals-inked-announcements-made-101706331642901.html

2. https://www.france24.com/en/asia-pacific/20240125-india-rolls-out-red-carpet-for-macron-as-france-hopes-to-build-on-trade-deals

3. https://www.indiatoday.in/india/story/india-france-ties-republic-day-defence-space-macron-modi-2493990-2024-01-26

4. https://www.rfi.fr/en/international/20240127-india-and-france-agree-on-joint-defence-production