عقيدة الكيان العسكرية لم تعد تجدي نفعاً
يبدو من الواضح أن كل عامل لتآكل قوة الكيان العسكرية في مواجهة المقاومة يولد المزيد من العوامل السلبية عليه ويفرض على جيش الاحتلال المزيد من التحديات التي تربك قدرته وتحول دون تحقيق أهدافه، وهذه الحقيقة يقر بها عدد من المحللين العسكريين ومن بينهم الباحث المختص بشؤون الأمن القومي الإسرائيلي وله عدد من المؤلفات فيها أفيغدور هاسيلكورن، ففي تحليل نشره في صحيفة «يديعوت أحرونوت» في 14 نيسان الجاري تحت عنوان «عقيدة جز العشب لن تنفع إسرائيل في المواجهة»، يبين أن «الهدوء» السائد الآن بعد المناوشات مع عمليات المقاومة في عدة جبهات شملت إحداها الجولان في الأسبوعين الماضيين «لا يمكن له أن يعد هدفاً استراتيجياً للدولة والتوقف عنده، لأن الدولة بهذه الطريقة تكون قد سمحت لأعدائها بمساحة من التنفس يستغلونها لزيادة وتحديث قدراتهم الحربية وينشرون خلالها وجودهم على طول حدودها».
ويحذر هاسيلكورن من خطورة هذا العامل الذي يترافق مع التردد في مواجهة هذه الأطراف المسلحة لأن استمراره «سيشجعها على زيادة حشد قدراتها لمحاصرة إسرائيل بدائرة من النيران» تؤدي إلى تضييق خياراتها، ويقر هاسيلكورن بأن جيش الاحتلال «أصبح الآن يفكر مرتين قبل أن يقدم على تنفيذ عملية عسكرية خوفاً من التسبب بإشعال جبهات أخرى عليه».
وتشير تقارير صحفية عبرية إلى أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كان قد حذر بعد المواجهات الأخيرة من خطورة «انجرار إسرائيل إلى معارك واسعة على عدة جبهات»، وهذا ما يعده الباحث الإسرائيلي هاسيلكورن «تغييرا في اللهجة التي اعتاد نتنياهو على استخدامها خلال السنوات الخمس الماضية، فهو الذي كان يكرر أن من الأفضل أن يتخلص من هذه الأطراف وبالسرعة الممكنة قبل أن تزداد قدراتها وتتسع دائرة عملياتها».
وهذا يعني، بعد الفشل في تحقيق هذا الهدف، أن الكيان لم يفقد جزءاً كبيراً من قدرة «الردع» التي كان يتبجح بها طوال عقود ماضية، بل فقد أيضاً جزءاً كبيراً من القدرة على المبادرة أمام خوفه من تزايد نتائجها الخطرة على مستقبل قدراته، فتحول «الهدوء» النسبي الراهن الذي يشير إليه هاسيلكورن إلى جزء من مشكلته بل معضلته التي ما زال عاجزاً عن حلها أمام تزايد قدرات المقاومة.
وبفضل هذا الوضع أصبح «الهدوء» الذي كانت تفضله تل أبيب على جبهة جنوب لبنان وحدود الجولان وحدود قطاع غزة، يولد نتائج عكسية لم تستطع منعها منذ هزيمتها عام 2006 في حرب تموز أمام المقاومة اللبنانية، وكذلك هزيمتها في شهر آب 2005 أمام المقاومة الفلسطينية التي حررت قطاع غزة وحولته إلى جبهة حرب جنوب الكيان طوال 18 عاماً، وهذه الحقيقة الواضحة المعالم في ساحة الصراع العربي الصهيوني تثبت أن استمرار المقاومة التي تتمسك بها أطراف محور المقاومة شكلت حرب استنزاف طويلة الأمد من عدد من الجبهات من الشمال ومن الجنوب ومن الوسط داخل فلسطين المحتلة، فتحققت هذه النتيجة التي جعلت ما يسمى بـ«الهدوء» الذي أرغم عليه الكيان محركاً لا يتوقف عن العمل لتوليد المزيد من التآكل في قدراته وفي ضيق خياراته بموجب ما يعترف به الباحث هاسيلكورن، في حين نجد بالمقابل أن جبهات المقاومة ما زالت تستنزف قدراته من دون توقف بدائرة نيران ومقاومة تحيط به من خلال سبعة ملايين من الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة ومن ثلاث جبهات معززة بكل قدرات محور المقاومة حول حدوده وفي ظل وضع إقليمي ودولي لا يخدم مصالحه.