ظلال سوداء تخفي أسرار إمدادات الطاقة للنظام الصهيوني

في الليل الدامس والضباب الكثيف الذي يغطي جبال زاغروس، تمرُّ قافلةٌ من ناقلات النفط تحمل أعلامًا مجهولة عبر الطرق الترابية في شمال العراق. السائقون رجالٌ مجهولون لديهم أمرٌ واحد فقط وهو توصيل تلك الحمولات إلى ميناء غير معروف في البحر الأبيض المتوسط. لكن هذا النفط الذي تفوح منه رائحة القوة والخيانة من المفترض أن يصل إلى الأراضي المحتلة؛ حيث ينتظرها النظام الصهيوني المتعطش للطاقة من خلال شبكة من الصفقات السرية.

مايو 17, 2025 - 05:29
مايو 17, 2025 - 05:33
 43
ظلال سوداء تخفي أسرار إمدادات الطاقة للنظام الصهيوني
ظلال سوداء تخفي أسرار إمدادات الطاقة للنظام الصهيوني

في الليل الدامس والضباب الكثيف الذي يغطي جبال زاغروس، تمرُّ قافلةٌ من ناقلات النفط تحمل أعلامًا مجهولة عبر الطرق الترابية في شمال العراق. السائقون رجالٌ مجهولون لديهم أمرٌ واحد فقط وهو توصيل تلك الحمولات إلى ميناء غير معروف في البحر الأبيض المتوسط. لكن هذا النفط الذي تفوح منه رائحة القوة والخيانة من المفترض أن يصل إلى الأراضي المحتلة؛ حيث ينتظرها النظام الصهيوني المتعطش للطاقة من خلال شبكة من الصفقات السرية. وهذه ليست قصة ولها أبطالها بل شبكة معقدة من عملاء النفط والسياسة والجغرافيا السياسية التي حوّلت إقليم كردستان العراق وجمهورية أذربيجان إلى شريان الحياة للكيان المحتل.

هذه اللعبة الخطيرة هي جزء من مؤامرة كبرى لتعزيز الاحتلال الإسرائيلي وإضعاف محور المقاومة. زاغروس القلب النابض للنفط المخفي، في قلب جبال زاغروس تنبض آبار النفط في إقليم كردستان ليلاً ونهاراً. يتم ملء البراميل ولكن ليس للأسواق الرسمية. في أربيل خلف الأبواب المغلقة لأبراج زجاجية يوقع التجار عقوداً لا تصل أبداً إلى وسائل الإعلام. وتشير التقارير إلى أن شركات وسيطة ذات صلات صهيونية تقوم بنقل النفط الكردي عبر تركيا إلى ميناءي حيفا وأشدود. وتصف الحكومة المركزية العراقية هذه التجارة بأنها "تهريب منظم" لكن الأرباح الضخمة جعلت كثيرين يسدون أفواههم. الأمر أشبه بفيلم تجسس؛ «النفط يغيّر هويته عند الحدود»، هذا ما قاله أحد المحللين. تعبر ناقلات النفط الحدود التركية في الظلام وتُزوّر الوثائق وتصل الشحنات إلى الكيان الصهيوني بأسماء شركات وهمية.

لماذا كردستان؟ 
تحتاج منطقة كردستان المتورطة في نزاع مع بغداد إلى عملاء قادرين على الدفع نقدًا بهدوء. ويلعب النظام الصهيوني بجيوبه المليئة بالدولارات الغربية هذا الدور. ومن وجهة نظر فصائل المقاومة فإن هذه الصفقة ليست خيانة للقضية الفلسطينية فحسب بل هي محاولة لإضعاف وحدة العراق وتقوية نفوذ الصهيونية في المنطقة. ويرى المحللون أن هذه التجارة حوّلت المنطقة إلى لاعب مستقل يضحي بالمصالح الوطنية العراقية.

باكو حليف صامت في بحر قزوين
وعلى بعد آلاف الكيلومترات على شواطئ بحر قزوين تتألق منصات النفط في باكو تحت سماء رمادية. تُعتبر عاصمة أذربيجان مع ناطحات السحاب التي أنشأت بفضل عائدات النفط، مسرحاً لأعمال تجارية خفية. وتشير التقارير إلى أن جزءاً كبيراً من صادرات النفط الأذربيجانية يصل إلى النظام الصهيوني. ويعد خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان، شريان الحياة لهذه التجارة حيث ينقل النفط من بحر قزوين إلى تركيا ومن ثم إلى موانئ الكيان. وقد أنكر المسؤولون الأذربيجانيون هذا التعاون لسنوات لكن الحقيقة مثل النفط تجد طريقها للتسرب والضياع. "باكو وتل أبيب هما شريكان في الظل". وتتجاوز هذه العلاقة النفط، طائرات صهيونية بدون طيار تحلق في سماء أذربيجان وهناك صفقات الأسلحة التي عقدت بين الطرفين.
 
ومن منظور جيوسياسي تشكل أذربيجان قاعدة استراتيجية للنظام الصهيوني في القوقاز بجوار إيران مباشرة، وجزءاً من مشروع احتواء إيران وتعزيز النفوذ الصهيوني في المنطقة. إن اعتماد أذربيجان الاقتصادي على هذه التجارة جعل باكو في مواجهة مع روسيا التي تشعر بالغضب من نفوذ النظام في القوقاز.

وتلعب تركيا أيضًا دورًا رئيسيًا باعتبارها "جسرًا غير مرئي" مع ميناء جيهان وتتولى شركات تركية إدارة عبور نفط كردستان وأذربيجان مقابل الحصول على عمولات كبيرة. وانضمت جورجيا أيضًا إلى هذه السلسلة بفتح أراضيها. كما تعمل الشركات الأوروبية أيضًا على محو آثار المعاملات من خلال شراء وبيع النفط في أسواق طرف ثالث. تخيلوا رجلاً اسمه "يوسف"، رجل أعمال يتفاوض مع وسطاء صهاينة في مقهى مظلم في إسطنبول. يوقع العقود لكن اسمه لا يظهر أبدًا في الوثائق. لقد نجحت هذه الشبكة التي تشبه شبكة العنكبوت في إبقاء النظام الصهيوني في مركز القوة. ومن منظور تحليلي لا يخفي هذا النظام اعتماد النظام على الدول الإسلامية فحسب بل يخلق أيضاً طبقات غامضة تجعل من الصعب فرض العقوبات عليه أو تعقبه. وهذا جزء من استراتيجية الغرب لمواصلة دعم احتلال النظام الصهيوني.

لقد حولت لعبة الطاقة هذه المنطقة إلى ساحة متوترة. وفي العراق أدت تجارة النفط في المنطقة إلى إضعاف الحكومة المركزية وتعميق الخلاف مع بغداد. وفي القوقاز تدهورت علاقات أذربيجان مع إيران وحتى روسيا التي تسعى إلى الحفاظ على نفوذها تمارس ضغوطاً على باكو.

إن هذه الصفقات لا تؤدي إلى تقوية الاحتلال فحسب بل تجعل دول المنطقة عرضة للضغوط الغربية. ويرى المحللون أن هذه الشبكة الطاقية تشكل جزءاً من استراتيجية النظام الرامية إلى تقليص الاعتماد على الأسواق العالمية. ومن خلال الحصول على الجزء الأكبر من نفطها من الدول الإسلامية نجح النظام الصهيوني في تقليل خطر التعرض للعقوبات الدولية. لكن هذه الاستراتيجية لا تؤدي إلا إلى تأجيج التوترات الإقليمية. نفط كردستان وبحر قزوين يبقي مصافي النظام على قيد الحياة. ولكن هذه القصة لها نهاية مريرة. "إنهم يعتقدون أنهم يختبئون في الظل لكن آثار النفط واضحة دائمًا."


م. علیبور

1- موقع المشرق الإخباري التحليلي. (2024/11/14). رائحة نفط كردستان العراق تنبعث من مصافي التكرير الإسرائيلية.   https://www.mashreghnews.ir/news/1659876

2- جريدة الشباب،(5/3/2024) سوق الطاقة في النظام الصهيوني ودور الدول الإسلامية. https://www.javanonline.ir/fa/news/1203457

3- الدبلوماسية الإيرانية (2024/4/29) دور جمهورية أذربيجان في الدعم الاقتصادي للنظام الصهيوني. https://www.irdiplomacy.ir/fa/news/2019876

4- صحافة الطاقة.( 2024/5/7) ما هي الدول التي تصدر النفط إلى إسرائيل؟ https://energypress.ir/news/14030218