شجاعة بيدرو سانشيز!
كان رئيس الوزراء الإسباني السيد سانشيز هو الزعيم الأوروبي الأول، وربما الوحيد، الذي اتخذ مواقف مناهضة لإسرائيل منذ بداية الحرب على غزة، وكان يدين دائمًا عمليات القتل والعنف التي ترتكبها قوات الاحتلال.
كان رئيس الوزراء الإسباني السيد سانشيز هو الزعيم الأوروبي الأول، وربما الوحيد، الذي اتخذ مواقف مناهضة لإسرائيل منذ بداية الحرب على غزة، وكان يدين دائمًا عمليات القتل والعنف التي ترتكبها قوات الاحتلال. وتمسك بموقفه في الأسابيع الماضية حيث هاجم إسرائيل مرة أخرى، مؤكدا أن هناك شكاً جدياً في التزام إسرائيل بقوانين الحرب الدولية. إن موقف السيد رئيس الوزراء شجاع ويستحق الاحترام، حتى في ظل عدم اتخاذ القادة العرب ومؤسسات حقوق الإنسان مواقف قوية. فالمواقف التي اتخذها قد لا تتكرر من قبل أي زعيم أوروبي آخر لعقود أخرى.
وخلال رحلة إلى مصر وعند معبر رفح، أيد السيد سانشيز إنشاء وقف دائم لإطلاق النار، قائلاً إن الكثير من العنف يؤدي إلى العنف وأن هذه الدورة ستكون مستدامة، لذا يجب التوصل إلى حل سلمي. واقترح قبول دولة فلسطين المستقلة، كما أعلن عن استعداده للاعتراف بدولة فلسطين وحدها، وهي مسألة ستكون مهمة جداً إذا تم تنفيذها[1].
من أين تأتي جرأة إسرائيل؟
لا شك أن إسرائيل تحتاج إلى دعم كبير لهذا الكم من القتل والقصف. وهذا الدعم الذي لا يرقى إليه الشك يأتي من الولايات المتحدة. لقد وقفت أمريكا إلى جانبهم من خلال استخدام حق النقض (الفيتو) ضد العديد من قرارات الأمم المتحدة وإرسال معدات ضخمة إلى إسرائيل ووقعت على ترخيص هذه الوحشية. [2]في الواقع، لولا الدعم الكامل من حكومة الولايات المتحدة، لما تجرأوا على أن يكونوا بهذه القسوة، لكن أمريكا تقف إلى جانبهم باعتبارها شريكة لإسرائيل. وبطبيعة الحال، يبقى أن نرى إلى متى سيستمر هذا الدعم وما إذا كان الرأي العام الأمريكي يستطيع الضغط على حكومته لخفض الدعم لإسرائيل أم لا.
إسبانيا داعم حقيقي
بينما تدعم العديد من الدول الأوروبية اسرائيل من خلال متابعة وسائل الإعلام الإسرائيلية في تكرار كلامها حول حق إسرائيل في الدفاع المشروع، وإلى جانب المواقف المخزية للدول العربية، التي ليست مستعدة ولو رمزيا لقطع العلاقات مع إسرائيل، فإن إسبانيا هي التي تدعم فلسطين دون غموض في معايير حقوق الإنسان. هذا البلد لم يقع بأي حال من الأحوال في فخ الإعلام الإسرائيلي ويحاول دعم المظلومين من خلال إدراك الحقائق. وفي الواقع، أدركت إسبانيا جيداً أنه لا يوجد حل عسكري للقضية الفلسطينية. إن العنف المتطرف لا يمكن إلا أن يؤدي إلى تفاقم الوضع في الأراضي المقدسة، وقد يتحول هذا إلى أزمة عالمية واسعة النطاق[3].
الصدق والشجاعة الموجود في إسبانيا، لو كانت بين الدول الكبرى أو عند قادة الاتحاد الأوروبي، كان من الممكن أن تمنع مثل هذه المذبحة. بالإضافة إلى ذلك، يجب على السيد سانشيز أن يدفع ثمن هذا الدعم، قضايا مثل التوترات الداخلية مع مؤيدي إسرائيل أو قضايا أخرى في الاقتصاد والسياسة الداخلية يمكن أن يكون لها تأثيرات مباشرة على حكومته، ولكن يبدو أن السيد رئيس الوزراء يفهم الجميع. وما زالت هذه القضايا غير جاهزة للتسوية. إن هذا الموقف القيم من قبله سيقدم إسبانيا بلا شك كداعم حقيقي لحقوق الإنسان في العالم ويمكن أن تصبح هذه الدولة جهة فاعلة مهمة. وخاصة أن موقف السيد سانشيز هذا له مؤيدون كثر داخل البلاد وشعب إسبانيا يقف إلى جانب حكومته.
لقد أظهرت الحكومة الإسبانية أنه من الممكن دعم القوانين الدولية دون خوف، وهذا الدعم موجود في وضع مثل غزة، وإسبانيا تدعم الشعب المظلوم دون خوف. وبهذا النهج الصادق، يمكن لهذا البلد أن يقدم نفسه كعنصر فاعل في التفاعلات الدولية وخاصة في مجالات حقوق الإنسان وحق الدفاع الشرعي، فهو يستطيع التعبير عن رأيه وموقفه بشكل حيادي. وعلى المدى الطويل، يمكن لهذه الإجراءات التي اتخذتها إسبانيا أن تساعد في تحسين دور هذا البلد داخل بنية الاتحاد الأوروبي والظهور كلاعب رئيسي في مجال حقوق الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت إسبانيا أن دعم فلسطين يتطلب شجاعة القادة ويمكن القيام به دون خوف من العواقب الوخيمة. إن مثل هذه المواقف الداعمة ضرورية لفلسطين ويمكن أن تفيد إسبانيا في المستقبل من خلال منع نمو التيارات المتطرفة داخل هذا البلد ومنع تشكيل الأقطاب الدينية. وبطبيعة الحال، يبقى أن نرى ما إذا كانت جماعات الضغط الإسرائيلية ستسمح لحكومة السيد سانشيز بالاستمرار أم أنه سيتعين عليه دفع ثمن باهظ لشجاعته وصدق مواقفه.
[1] aljazeera.com
[2] euronews.com
[3] thegeopolitics.com