ردع صهيوني متآكل.. مفرزاته ودلالاته؟
فشل إسرائيليّ ذريع
يعلم جميع الإسرائيليين أن ابن غفير لم يتمكن حتى الآن من تحقيق أي إنجاز في أي مجال، وهو يلوم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على عدم السماح له بفعل كل ما يرغب به، رغم حديث الإعلام العبري عن نوايا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لإمكانية قيامه بتقديمه هدية لوزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير على حساب الأسرى الفلسطينيين، فمنذ اليوم الأول لتعيين إيتمار بن غفير وزيراً للأمن الداخليّ أو القوميّ في حكومة بنيامين نتنياهو السادسة، باعتباره من أشهر الإسرائيليين بعنصريّته وفاشيّته، بدا أنه يستعمل وزارة الأمن التي تعتبر من أهم الوزارات السيادية للكيان الصهيونيّ، بما تُمثله من “هيئة مشتركة” لتطبيق قانون الاستعمار الإسرائيليّ والحفاظ على النظام العام والفعاليات المتعلقة بالأمن الداخليّ، حيث إن المُستوطِن الصهيوني لا ينفّك أبداً عن التحريض ضد الفلسطينيين والأسرى، وهو واضح في تشدّده المقيت لدرجة أنّه يظهر كامل إجرامه عبر تصريحاته وإجراءاته.
وبالاستناد إلى أن بن غفير قال في وقت سابق إن قرار وزير الأمن يؤاف غالانت بإعادة جثامين أعضاء منظمة “عرين الأسود”، خطأ جسيم، واعتباره أن هذا القرار سيكلف “إسرائيل” كثيرا، يسعى الأخير إلى استهداف كلّ ما هو عربيّ وفلسطينيّ من خلال كل أنواع الجرائم، وإن رسالة ابن غفير الوحيدة لهذا الشعب الذي يتعرض للإبادة في أرضه، وهذا يتضمن على وجه الخصوص الأسرى السياسيين الذين يقبعون خلف زنازين الكيان، في وقت لم يختر الكيان ابن غفير لهذه المهمة عن عبث، بل كان إعطاء المساحة والصلاحيات للمتطرف الإسرائيليّ تهدف لتصعيد الخناق على كل الصعد، فايتمار يرغب باعترافه بتسجيل حقبة دامية بحق الشعب الفلسطيني ومناضليه داخل منازلهم ومعتقلاتهم، كما يدعو بكل وقاحة لطرد العرب من بلادهم التاريخيّة، وهو زعيم حزب “عوتسما يهوديت” (القوّة اليهوديّة)، وهو حزب يمينيّ- دينيّ متطرف، وهذه المخططات تشمل كل الإسرائيليين المتشددين، وهم على قناعة تامة بأنّه لا يمكن تحقيق أيّ سلام بين اليهود والمسلمين، إضافة إلى إيمانهم بأنّ الأمّة الإسلاميّة ستبقى عدواً لليهود ما دام القرآن كتابهم، ما يعنى أن منهج العداء واضح وجلي أكثر مما تتخيلون.
ووفقاً لوسائل الإعلام العبريّة، فإن نتنياهو، وبيئته، تدرس إمكانية إجراء مناقشة وزارية حول إقرار قانون عقوبة الإعدام لمنفذي العمليات من الأسرى الفلسطينيين، ما يعني أن زيادة التطرف ضد الأسرى الفلسطينيين والاستمرار في الإرهاب بحق الفلسطينيين، سينعكس بلا شك على مستقبل “إسرائيل”، حيث تعيش الأوساط الإسرائيليّة حالة هيستيريّة مبررة، نتيجة تصاعد موجات عمليات المقاومة الفلسطينية بشكل مختلف (داخليّاً وخارجيّاً) عن كل المراحل، ضد الاحتلال وآلته العسكرية التي أجرمت بشدّة بحق هذا الشعب منذ اليوم الأول لاحتلالهم العسكريّ، فيما أثبت الشعب الفلسطينيّ والمقاومة التي تسانده أنّهم على مستوى التحديات، للانعتاق من الاحتلال وإجرامه غير المسبوق، وإنّ الإسرائيليين إن ساروا خلف مخططات ابن غفير لا شك أنّهم سيسيرون أيضاً في بداية طريق نهايتهم، وخاصة أنّ التطرف والعنف لا يُولد إلا مثلهما، وقد فشلت كل أساليب الصهاينة الإباديّة من خلال استخدام القوة المفرطة للقضاء على حالة المقاومة.
وتأتي هذه الخطوة في ظل الخلافات مع ابن غفير، ومحاولة حل الخلافات معه واسترضائه، عقب قوله في وقت سابق: “من اليوم سأواصل مقاطعة جلسات الكنيست الإسرائيلي في ظل سياسات حكومة نتنياهو الحالية وخاصة فيما يتعلق بإعادة جثامين الشهداء الفلسطينيين، والرد الضعيف ضد حركة المقاومة الإسلاميّة حماس، وخاصة أنّ إسرائيل تُظهر ضعفاً مستمراً أمام “حماس”، فقوات الاحتلال الإسرائيلي فقدت الردع تماماً، حيث يعيش العدو الصهيونيّ الغاصب مرحلة من الهزائم المتتاليّة، وبالأخص بعد الأشهر الأخيرة التي صدمت الآلة العسكريّة للكيان، والتي تركت تل أبيب وقياداتها على كل المستويات في صدمة من نتائجها المختلفة بعد الرد الحازم للفصائل الفلسطينيّة والمقاومة.
عزلة إسرائيليّة كبيرة
لا يخفي الإسرائيليون حجم العزلة التي يعيشونها رغم كل ما يروج عكس ذلك، ويتحدثون أنّه إذا تم البحث عن أمثلة على العزلة الإسرائيلية، فلن يضطر إلى بذل الكثير من الجهد، في وقت تسمح فيه الحكومة التابعة للعدو باستمرار حكم حركة “حماس” في القطاع المحاصر، كما تشارك أيضاً في مبادرات سياسية عدّة للتخفيف إنسانياً عن سكان غزة، كذلك يتعامل المجتمع الدولي مع إمكان إنشاء ميناء دوليّ، واحتمال إدخال البضائع والسفن التجاريّة لغزة، ناهيك عن أنّ تل أبيب تعتذر من حين لآخر إلى جهات دولية، لأن قوات العدو توقف سفينة في المياه القريبة من قطاع غزة، وتجري عمليات تفتيش فيها، كما هو الحال مع “كارين آي” في عام 2002، و”أبي حسن” في عام 2003، ومع السفينة “فيكتوريا” في آذار/مارس 2011، و”كلوس سي” في آذار/مارس 2014، و اعتذر الكيان الصهيونيّ عن استيلائه على سفينة “مافي مرمرة” في عام 2010، لدرجة أنه دفع تعويضات من منطلق رغبته في إنهاء الحدث وتجنّب النزاعات الدولية، على الرغم من أن لجنة توركل، التي حققت في الحادث، حددت بصورة، لا لبس فيها، أن العدو الإسرائيلي برأي المسؤول الإسرائيلي تصرّف على نحو جيد، ووفقاً للقانون الدولي، ومع ذلك اضطر إلى إذلال نفسه والاعتذار ودفع تعويضات إلى الضحايا.
أيضاً ومن ناحية أخرى، إن السلوك الانهزامي لــ “إسرائيل” في مواجهة قطاع غزة، لم ينته عند هذا الحد، فإلى جانب فشل الردع البحريّ، فضلاً عن فشل الردع البريّ بسبب فشل كل العمليات لتغيير المعادلة، أظهر الكيان الإسرائيليّ ضعفاً مستمراً في مواجهة “حماس”، في كل ما يتعلق بروتين الحياة في قطاع غزة، حيث تستمر ملايين الدولارات في التدفق في القطاع، من قطر ودول الاتحاد الأوروبي، بدعوى تأمين الاحتياجات الإنسانية، لكن يتمّ عملياً تحويل هذه الأموال إلى التسلّح وبناء البنية التحتية العسكرية في القطاع، وفقاً لوجهة النظر الإسرائيليّة.
بالمقابل، تقرأ حركة المقاومة الإسلاميّة “حماس” الخريطة جيداً، وتتصرف بعزم ومثابرة، على عكس “إسرائيل” حسب الإسرائيليين، من أجل تحقيق رؤيتها، كما تقود الخطاب بشأن المسجد الأقصى المبارك والقدس، وتُمْلي توقيت العمليات والهجمات على “إسرائيل” ونطاقَ احتلالها، وتشجّع في الضفة الغربية وتموّلها، وتدير على نحو غير مباشر، حواراً دبلوماسياً مع المحتل الغاصب، كما لو أنهما دولتان ذات سيادة، وطبيعيتان، وتواصل الإمساك بمئات آلاف الإسرائيليين في غلاف غزة، رهائنَ منذ أعوام، والمعنى هو التهديدات التي تطلقها الفصائل على حدود غزة مع الأراضي المسلوبة.
ومن ناحية أخرى، تفهم حركة “حماس” المعادلة المستحيلة التي نشأت مع الصهاينة بموافقة (ضمنية)، وينص هذا الاتفاق على أمور يعتبروها سخيفة تماماً باعتقاده، وهي أنّ “حماس” متحصّنة في حكم قطاع غزة المحاصر بشدّة، وليس هناك نية أو ربما قدرة على إطاحتها، فالحركة وقائدتها يدركون جيداً أنّ سلطات العدو التي تمنع أصحاب الأرض والمقدسات من ممارسة شعائرهم في عاصمة بلادهم، وتسعى بكل ما أوتيت من قوة لتحقيق حلم الصهاينة بأن تكون القدس عاصمة لمستوطنيهم وكيان احتلالهم، وتحاصر أبناء غزة وتمنع عنهم أبسط مقومات الحياة بل ترتكب مجازر جماعيّة بحقهم، لن تسمح للعدو الصهيوني بتحقيق مشروعه الإباديّ، حيث أوصل الإسرائيليون خلال سنوات احتلالهم رسالة للشعب الفلسطينيّ بأنّهم غير مستعدين سوى لانتهاك الحرمات وسفك الدماء وسلب الأراضي.
ويستطيع قادة حماس العمل والتحرك بحريّة من دون التعرض لخطر استهدافهم في الأيام العادية ضمن القطاع، ويؤكّدون على أنّهم سيظلون يقاتلون حتى طرد المحتل الغريب، ولن يستسلموا لواقع الاحتلال البغيض، وأن الشباب الثائر الذي تصفه تل أبيب بـ “المشاغب” سيواصل نضاله المشروع حتى انتزاع حريته وتحرير أرضه واسترداد مقدساته، وأنّ إرهاب الكيان المنظم وفائض القوة العمياء، لن يفلح في ثني الفلسطينيين عن مواصلة نضالهم لتحرير أرضهم ونيل حريتهم.
أيضاً، وفي الوقت الذي يغيّب فيه الكيان الصهيوني القاتل كل القرارات الدولية بفرضه سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين واستباحته للدم الفلسطيني والعربي وخرقه الفاضح لكل القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، إضافة إلى مخطط الضم امتداداً لعملية التوسع على حساب الأرض والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني الأعزل، في إصرار واضح من حكومة العدو على قتل آخر رمق للسلام الذي يتحدث عنه البعض، تقوم “حماس” بسهوبة متناهية بإطلاق صواريخ أو بالونات متفجرة وحارقة نحو ما يسمى “غلاف غزة”، من دون أن تتعرض لرد إسرائيلي قاسٍ، ومن المعروف أن “البالونات الحارقة” التي طورها الفلسطينيون لردع الكيان الصهيوني المجرم عن حصاره واعتداءاته، شكلت رعباً حقيقاً للعدو بسبب بساطة تصنيعها وسهولة إطلاقها وتسببها بحرائق كبيرة في الأراضي الزراعية، ولم تفلح قوات العدو بإيجاد منظومة ردع لهذا السلاح رغم محاولاتها الحثيثة والمستمرة، حيث إن إطلاق تلك البالونات على الأراضي المحتلة، يجبر الدفاع الجوي للكيان الصهيوني على استخدام صواريخ باهظة الثمن عبر “نظام القبة” الحديدية لاعتراضها، وقد رأينا في الماضي أن بعض المقذوفات قد مرت عبر الحاجز الدفاعي لهذا النظام الدفاعي وفي حالة وجود عدد كبير من إطلاق النار وعشرات من هذه البالونات أو الطائرات من دون طيار الحارقة، فإن نظام دفاع العدو لن يكون لديه صاروخ واحد للتعامل مع تلك التهديدات.
وعلى هذا الأساس، تشكل قضية إطلاق الصواريخ على الأراضي التي تحتلها “إسرائيل”، والذي لا يعتبر خطاً أحمر ترد عليه “إسرائيل” على نحو محدود بقصد “احتواء” المواجهة ومنع التصعيد، وقد تابعنا تحذيرات حركتي المقاومة الإسلامية في فلسطين “حماس” و “الجهاد الإسلاميّ” مؤخراً، من عواقب وعمليات استهداف للمصلين واقتحام في المسجد الأقصى المبارك وتسخين الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، والصواريخ التي أطلقت على ما تُسمى منطقة “محيط غزة” أكبر شاهد على قدرتهم على إشعال المنطقة، وإنّ خشية الاحتلال الإسرائيليّ من صواريخ غزة تجسدت أولاً من خلال تعزيز منظومة القبة الحديديّة في الجنوب، وثانيّاً ما أفادت به القناة الـ12 العبريّة مؤخراً حول أنّ “إسرائيل” تريد احتواء حادثة إطلاق الصاروخ من قطاع غزة تجاه مستوطنات “غلاف غزة”، دون اللجوء لخيار التصعيد العسكريّ الذي زاد قليلاً حينها، موضحة أن العدو الإسرائيليّ “يتجنب سيناريو إطلاق الصواريخ من غزة”.
وتستمر حركة المقاومة الفلسطينيّة في العمل على تمويل “الخلايا” في الضفة الغربية، وتكون هي البديل الحكوميّ عن رئيس السلطة محمود عباس في كل مناطق السلطة الفلسطينية، في ظل تمادي قوات الاحتلال الإسرائيليّ بجرائمها ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، وارتكابها أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتل وإعدام وتعذيب الفلسطينيين، حيث تعتبر المقاومة العمليات الفدائيّة تفعيلاً لوسائل المقاومة والمواجهة في الضفة الغربيّة المحتلة، بسبب مواصلة قوات العدو جرائم الإعدام بدم بارد بحق الفلسطينيين من قبل المحتل الأرعن.
في الختام، يتحدث الصهاينة أن الأسباب السياسية الداخلية في “إسرائيل” تمنع من خلق الردع والحكم والأمن لمستوطني الاحتلال، ولا يجدون أنّ “حماس” تشكل تهديداً وجودياً أمنياً للكيان، بل إنّ التهديد الوجودي الحقيقيّ من الداخل المفكك للعدو، وينبع باعتقادهم من الافتقار إلى القيادة والشجاعة القياديّة، ومن الافتقار إلى السياسة والاستراتيجيّة، وإظهار مستمر للضعف والاحتواء، والرغبة في المحافظة على الهدوء، متناسين أنّ الكيان لو يستطيع قتل الفلسطينيين دفعة واحدة لما تقاعس عن ذلك، ويبدو الإنزعاج الإسرائيليّ واضحاً من تغير المعادلات في الساحة الفلسطينيّة، ويشيرون بغضب إلى أنّ فصيلاً قوامه نحو 20 ألف مقاتل، يسيطر على قطاع غزة بأكمله، وتحتجز “إسرائيل” بأكملها رهينةً، يجرّها عبر ردود احتوائيّة بعد مبادراته وهجماته.