رحلة ترامب إلى الشرق الأوسط؛ بنيةٌ اقتصادية أمنية جديدة أم أولوية للمصالح الشخصية؟

بعد عودته إلى المشهد السياسي العالمي من جديد، يبدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رحلة خارجية مثيرة للجدل إلى الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية.

مايو 17, 2025 - 03:56
 61
رحلة ترامب إلى الشرق الأوسط؛ بنيةٌ اقتصادية أمنية جديدة أم أولوية للمصالح الشخصية؟
رحلة ترامب إلى الشرق الأوسط؛ بنيةٌ اقتصادية أمنية جديدة أم أولوية للمصالح الشخصية؟

بعد عودته إلى المشهد السياسي العالمي من جديد، يبدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رحلة خارجية مثيرة للجدل إلى الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية. هذه الرحلة التي تم الإعلان عنها رسمياً بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني، فضلاً عن استكشاف فرص الاستثمارات الكبيرة، أصبحت فعلياً منصة لإحياء الأدوار من وراء الكواليس، ومتابعة الخطط المثيرة للجدل مثل "خطة غزة" والتكهنات حول أولوية المصالح الشخصية في السياسة الخارجية لترامب.
لقد كانت إحدى الركائز الأساسية للسياسة الخارجية لترامب تعتمد دائما على التبادلات الاقتصادية والصفقات المربحة. ومن المؤكد أن دول الخليج الفارسي بصناديق ثرواتها السيادية الضخمة وخططها الطموحة لتنويع اقتصاداتها (مثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030)، ستكون شركاء جذابين لإدارة ترامب الجديدة.

ومن المنتظر أن تشهد هذه الرحلة مفاوضات مكثفة لجذب استثمارات كبيرة من هذه الدول إلى الولايات المتحدة، خاصة في قطاعات البنية التحتية والتكنولوجيا والطاقة. وفي المقابل ستسعى الشركات الأميركية إلى الحصول على حصة أكبر من مشاريع التنمية الضخمة في هذه البلدان.

ومن المرجح أن يحاول ترامب تشجيع الدول الإقليمية على الاستثمار بشكل أكبر وإبرام صفقات تجارية كبيرة في مجال الأسلحة، من خلال توفير الضمانات الأمنية والسياسية. ورغم أن هذا النهج قد يجلب فوائد اقتصادية قصيرة الأجل للولايات المتحدة فإن الناقدين يخشون أن تتلاشى اعتبارات حقوق الإنسان والديمقراطية في ظل هذه الصفقات الكبيرة. (1)

وكانت إحدى النقاط المثيرة للجدل في الرحلة هي إحياء خطة تسمى "خطة غزة"، والتي تم اقتراحها لأول مرة خلال رئاسة ترامب بقيادة صهره ومستشاره الكبير جاريد كوشنر. وبموجب هذه الخطة سيتم تحويل قطاع غزة إلى منطقة مستقرة اقتصاديا من خلال الاستثمار الأجنبي مقابل قيام الفصائل الفلسطينية بتقليص نفوذها العسكري والسياسي.

ومن المقرر أن يعقد كوشنر خلال هذه الرحلة لقاءات سرية مع مسؤولين من الإمارات وقطر والمملكة العربية السعودية، ويطرح قضية إنشاء "صندوق تنمية غزة" برأس مال أولي قدره 10 مليارات دولار. لكن العديد من المحللين يعتبرون هذه الخطة مجرد غطاء للأهداف الجيوسياسية للولايات المتحدة والنظام الصهيوني؛ ومنها الحد من نفوذ إيران في قطاع غزة وخلق شرخ بين فصائل المقاومة الفلسطينية.

وفي هذا السياق تنظر بعض الدول العربية بما في ذلك الأردن ومصر إلى هذه الخطة بعين الريبة والشك. حذر وزير الخارجية المصري من أن أي تحرك في غزة دون التنسيق مع الأطراف الفلسطينية الشرعية لن يؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار.(2)

كما أن مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة كانت إحدى الأولويات الرئيسية لإدارة ترامب خلال ولايته الأولى كرئيس ومن المتوقع أن يستمر هذا النهج بقوة أكبر الآن. وستكون الرحلة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة فرصة لتعزيز التحالفات الأمنية القائمة وتشكيل أطر جديدة للتعاون الأمني. 

 وقد تشمل هذه التعاونات ما يلي:
- زيادة مبيعات الأسلحة المتطورة خاصة إلى السعودية والإمارات بهدف تعزيز قدراتهما الدفاعية ضد ما يسمى بالتهديدات الإيرانية.
- توسيع التعاون الاستخباراتي لمراقبة أنشطة إيران والجماعات المناهضة لأميركا.
- إجراء تمارين مشتركة لتعزيز التنسيق وإظهار الردع.
- السعي إلى إنشاء هيكل أمني إقليمي بمشاركة الدول العربية وإسرائيل بهدف مواجهة موحدة ضد إيران.
وتلعب قطر نظراً لعلاقاتها الأكثر تعقيداً مع إيران دوراً مميزاً في هذه اللعبة. ومن المرجح أن يحاول ترامب استخدام قطر كوسيط في بعض القضايا لكنه في الوقت نفسه سيواصل ضغوطه لتقليص علاقات البلاد مع إيران.(3)
 
ولعب جاريد كوشنر صهر الرئيس ترامب ومستشاره الكبير في الفترة السابقة دوراً محورياً في تعزيز سياساته في الشرق الأوسط، وخاصة اتفاقيات إبراهيم والمفاوضات مع المملكة العربية السعودية. وبعد مغادرته البيت الأبيض أسس كوشنر شركة الاستثمار "أفينيتي بارتنرز"، والتي قدم صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية جزءاً كبيراً من رأس مالها (حوالي 2 مليار دولار). وقد أثارت هذه الروابط المالية العميقة مخاوف بشأن تداخل المصالح الشخصية مع المصالح الوطنية الأميركية.

ومن المتوقع أن يلعب كوشنر مرة أخرى دوراً رئيسياً في المفاوضات خلف الكواليس، وخاصة مع القادة السعوديين والإماراتيين. وينظر ترامب إلى قدرته على إقامة علاقات شخصية مع شخصيات قوية في المنطقة باعتبارها ميزة لكن المنتقدين يخشون أن تُستخدم هذه العلاقات لتعزيز المصالح الشخصية في السياسة الخارجية والأعمال التجارية المرتبطة بعائلتي ترامب وكوشنر، بدلاً من خدمة المصالح الوطنية الأمريكية. وتشكل الشفافية في هذه المفاوضات والفصل بين المصالح العامة والخاصة تحدياً خطيراً.

ومن بين الانتقادات المستمرة للسياسة الخارجية التي ينتهجها دونالد ترامب، وخاصة في ما يتصل بدول الخليج الفارسي الغنية ميله إلى إعطاء الأولوية لمصالحه التجارية والشخصية ومصالح عائلته على المصالح الاستراتيجية الطويلة الأجل للولايات المتحدة. ولقد كانت الاستثمارات التي تقوم بها الشركات المرتبطة بترامب في المنطقة أو الاستثمارات التي تقوم بها دول المنطقة في شركات مملوكة لعائلته موضع شك دائما.(4)

ومع هذه الرحلة تزايدت المخاوف ويرى المحللون أن ترامب قد يتخلى عن بعض مبادئ السياسة الخارجية الأميركية، مثل حقوق الإنسان أو الديمقراطية مقابل الحصول على فوائد اقتصادية شخصية أو عائلية. ومن الممكن أن يؤدي هذا النهج إلى الإضرار بمصداقية الولايات المتحدة على الساحة العالمية وإرباك حلفائها التقليديين.

وبشكل عام، يمكن القول إن زيارة دونالد ترامب إلى الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية ستحمل مزيجاً من الفرص والتحديات للولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط. ومن بين الأهداف المتوقعة لهذه الزيارة التركيز على جذب الاستثمارات الكبيرة وتعزيز التعاون الأمني لمواجهة النفوذ الإيراني. ولكن متابعة خطة غزة دون النظر إلى الحقوق الفلسطينية ودور أفراد مثل جاريد كوشنر ذوي المصالح الاقتصادية المتشابكة من شأنه أن يزيد من التعقيدات والتوترات.

والأمر الأكثر أهمية هو أن القلق المستمر من أن المصالح الشخصية في السياسة الخارجية سوف تسود على المصالح الوطنية الأميركية وسوف تلقي بظلالها الثقيلة على التقييم النهائي لمثل هذه التحركات الدبلوماسية. إن نجاح أو فشل هذه الرحلة لن يعتمد فقط على المكاسب الاقتصادية والأمنية في الأمد القريب بل وأيضاً على عواقبها طويلة الأمد وعلى الاستقرار الإقليمي ومصداقية أميركا العالمية. 


محمد صالح قرباني

1- https://www.nytimes.com/2025/05/12/us/politics/trump-middle-east-visit-saudi-arabia-qatar-uae.html
2- https://mepei.com/middle-east-evolutions-a-review-in-anticipation-of-president-trumps-may-2025-visit-to-the-persian-gulf
3- https://abcnews.go.com/International/wireStory/trump-visiting-gulf-arab-states-crises-flare-gaza-121701867
4- https://www.newsweek.com/trump-familys-business-ties-middle-east-explained-2070707