الخط الحديدي الإيراني السعودي؛ بين النظرية والتطبيق
الخط الحديدي الإيراني السعودي؛ بين النظرية والتطبيق
يعد تطوير طرق النقل بمختلف أشكاله أحد الركائز المهمة لتنمية التجارة الدولية، مما يؤدي إلى الفعالية والقوة والمناورات السياسية لمعظم دول العالم. ومن بين أنواع طرق النقل والممرات الدولية، تعد طرق السكك الحديدية من أولويات الدول للاستثمار مقارنة بالطرق الجوية والبحرية الأخرى؛ لأن طرق السكك الحديدية أقل وقتاً وتكلفة للتصدير وأكثر اقتصاداً من الطرق الأخرى المماثلة.
والجمهورية الإسلامية الإيرانية تقع في الطريق الدولي السريع لممرات السكك الحديدية وحلقة الوصل بين آسيا وأوروبا، وقد لفت هذا الأمر المهم انتباه العديد من الدول، وخاصة دول منطقة الخليج الفارسي التي كانت تسعى منذ سنوات لتوسيع موقعها ونمو صادراتها.
وسيؤدي هذه الموقع الخاص إلى تعامل دول الخليج الفارسي مع شرق آسيا إلى أوروبا وإفريقيا وآسيا الوسطى وروسيا، كما يمكن لهذه الدول الوصول إلى الهند عبر خط السكك الحديدي الإيراني وتقليل تكاليف التصدير.
وعقب الاتفاق الذي أبرم بين إيران والسعودية، ستتجه هذه العلاقات نحو مزيد من التنمية الاقتصادية. وعلى ما يبدو، يجري النظر في مشروع ربط طريق دولي وخط حديدي بين إيران والسعودية مروراً بالعراق.
فقبل عامين، اقترح رئيس وزراء العراق آنذاك إنشاء طريق دولي من مشهد المقدسة إلى مكة المكرمة، والآن بعد استئناف العلاقات بين إيران والسعودية، يبدو أن هذا الاقتراح بدأ يؤتي ثماره.
حيث كان مصدر مقرب من رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، قد قال إن الأخير اقترح على الجانبين السعودي والإيراني إنشاء طريق دولي سريع يربط بين مدينة مشهد الإيرانية ومكة المكرمة، ويمر من خلال مدينة كربلاء العراقية.
وأضاف “هذا الطريق له دلالة كبيرة على عمق العلاقات”، فمدينة مشهد تعتبر واحدة من أهم المدن الدينية المقدسة لدى المسلمين الشيعة داخل إيران وخارجها، فهي تضم الكثير من الأضرحة الشيعية، مثلها مثل مدينة كربلاء العراقية. (1)
مشروع يمكن أن يوفر وصول المسافرين والحجاج عبر الطريق السريع وخط السكك الحديدية من مشهد إلى النجف ثم إلى المدينة المنورة ومكة والعكس، وفتح آفاق جديدة في مجال تسهيل السفر بين هذه الدول. وسيعزز إنشاء طريق مشهد - مكة السريع بالتأكيد التفاعلات السياسية والاقتصادية والإقليمية والحج والسياحية في غرب آسيا.
وبحسب المعلومات، فإن المسافة من مشهد في شمال شرق إيران إلى مدينة مكة في غرب السعودية تزيد عن 3300 كيلومتر، وتستغرق نحو 40 ساعة. وفي الوقت الراهن، يتوجه الحجاج العراقيون إلى مكة عن طريق البر بالإضافة إلى الخط الجوي. وتنطبق نفس العملية على الحجاج من دول أخرى، بما في ذلك الأردن ودول جنوب الخليج الفارسي.
كما نقلت صحيفة الجريدة الكويتية عن جورج مالبرونو، الصحفي البارز بصحيفة "لو فيغار" الفرنسية، عن قرار السعودية ربط بلادها بإيران بالسكك الحديدية والطرق البرية.
وبحسب الجريدة، نقلت مالبرونو عن مسؤول سعودي مشارك في مؤتمر الاستثمار الفرنسي السعودي الذي عقد على هامش زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى باريس مؤخرا، وقال إن الرياض تدرس ربط السكة الحديدية مع إيران، مروراً بأراضي الكويت ومحافظة البصرة في أراضي العراق.
وأضافت هذه الصحيفة الكويتية أن الصحفي الفرنسي مالبرونو زار الكويت في نوفمبر الماضي والتقى بمسؤولين كويتيين ومجموعة من الإعلاميين والباحثين الكويتيين.(2)
كما أشارت جريدة الأنباء الكويتية، إلى صدور مرسوم بالموافقة على اتفاقية بين حكومة الكويت وحكومة المملكة العربية السعودية بشأن مشروع الربط السككي بين الدولتين.(3)
وربما سيعاد فتح السكك الحديدية والطرق البرية بين إيران والسعودية في المستقبل القريب. حيث سيربط استكمال مشروع سكة حديد شلمجة- البصرة، المملكة العربية السعودية ودول الخليج الفارسي بإيران وشرق آسيا، ويمكنه أيضا ربط إيران بسوريا (مينائي اللاذقية وطرطوس) ولبنان والبحر المتوسط ثم أوروبا.
وسيزيد مسار سكة حديد النقل والركاب هذا من رحلات الزيارة والسياحة ويعزز اقتصاد إيران والدول المجاورة لها وكذلك الدول في المنطقة ويقلل من تأثير العقوبات الأمريكية الجائرة ضد هذه الدول.
كما سيؤدي تشغيل سكة حديد شلمجة - البصرة إلى تقوية الدول القريبة من إيران وعزل الكيان الصهيوني الغاصب ويقضي على حلم إسرائيل الكبرى (من النيل إلى الفرات) والمصالح السياسة الاستراتيجية والاقتصادية لحليفها الكبير (الولايات المتحدة الأمريكية) في منطقة غرب آسيا.
وسبق وتعرض مشروع سكة حديد شلمجة - البصرة لضغوط أمريكية مارستها واشنطن على الحكومة وبعض المسؤولين في العراق، فضلاً عن أن وجود داعش والجماعات الإرهابية الأخرى في سوريا والعراق، وانعدام الأمن، خاصة في مسار هذا المشروع، وانقطاع العلاقات بين إيران والسعودية، أدى بشكل كامل إلى توقف الاستثمار في خط السكة الحديد هذا.
وفي الوقت الراهن، وعلى الرغم من الأمن والاستقرار في هذه المنطقة بعد هزيمة تنظيم داعش، يبدو من الضروري استئناف هذا الخط الحديدي من قبل إيران والعراق. وربما من المثير الأنشطة المكثفة والتحركات الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية في محافظة الأنبار العراقية بالقرب من خط الربط لهذا المشروع. كما يمكن القول إن شراء الأمريكيين لأراضي العشائر وتوسيع قاعدة عين الأسد العسكرية وإنشاء قاعدة عسكرية أخرى في الأنبار (منطقة الجزيرة) هو دليل آخر على هذا الأمر.(4)
ختاماً يمكن القول إن مشروع السكك الحديدية بين إيران والعراق والسعودية سيكون حلقة الوصل التي تصل بين الشرق الأسيوي وإفريقيا وسيسهل التجارة بين دول الخليج الفارسي وآسيا الوسطى أيضاً. كما أن ثقل أي دولة، خاصة تلك التي لديها مصالح متضاربة، سيؤثر على نجاح وفشل الخط الحديدي هذا الذي سيحقق مصالح العديد من الدول في آسيا.
المصادر:
1-https://cutt.us/DURsB
2- https://cutt.us/7Q3Is
3- https://cutt.us/29X10
4-https://cutt.us/qBmt6