تصفية الحسابات في منطقة البلقان
تصفية الحسابات في منطقة البلقان
بعد بدء الحرب بين روسيا وأوكرانيا خضعت الأجندة الأمنية في مختلف البلدان لتغييرات واسعة النطاق. كانت إحدى نتائج هذا التغيير الاهتمام بالأمن القومي والتلاحم الوطني، و وجدت قضية الأمن الإقليمي دورًا مركزيًا مرة أخرى. هذه الأجندة لدول منطقة البلقان تعني محاولة حل التوترات التي تورطوا فيها منذ سنوات ، ويتم دفع هذه المساعي نحو الحل عن طريق الحوار في حالة التفاؤل، أما من وجهة نظر متشائمة، فيمكن أن تتحول إلى أزمة كبيرة أخرى.[1]
البلقان هي واحدة من المناطق المليئة بالتوترات والقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، والتي تغذيها الصراعات والاختلافات العرقية والدينية والثقافية، ودائما ما واجهت البلقان من سلوفينيا إلى بلغاريا واليونان تحديات مختلفة. في غضون ذلك، ربما تكون أكثر المسائل الموجودة حاليا تتراوح بين الطابع المتغير للعلاقات بين صربيا وكوسوفو إلى علاقة عدائية، وصولاً للتحديات الأساسية في البوسنة والهرسك والصراعات السياسية في الجبل الأسود.
أزمة كوسوفو التي بدأت العام الماضي وأدت إلى توتر واسع بينها وبين صربيا، تم حلها بوساطة من الاتحاد الأوروبي، ولكن مرة أخرى وفي الانتخابات قبل أسابيع قليلة، ظهر هذا الاختلاف مرة أخرى. حيث اعترض الصرب على النتائج وقاطعوا الانتخابات واستقالوا من جميع المناصب الحكومية، حتى بعد انتصار الألبان انجرفت هذه المناطق إلى الفوضى والصراع ، حتى أصيب جنود الناتو وقوات حفظ السلام أيضًا[2].
بطبيعة الحال فإن احتجاج الصرب الذين يتأثرون أيضا بروسيا، يعني بالنسبة لبعض المحللين أن روسيا متورطة في المنطقة لخلق عدم الاستقرار وتقليل الضغط السياسي والاقتصادي على موسكو، في الواقع يحاول الروس كسر الحواجز أمام الدخول إلى الاتحاد الأوروبي وبالتالي تكون قادرة على مواجهة الأطراف المشاركة في الحرب الأوكرانية بتحديات خطيرة ومختلفة. لكن يبدو أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا يتطلعان إلى تصعيد التوترات، ومواقفهما والضغط على كوسوفو يظهران أنهما لا يتطلعان للعب على الأراضي الروسية، واضطرت الجمهورية المتمتعة بالحكم الذاتي إلى قبول إعادة إجراء الانتخابات البلدية في مدنها الشمالية [3].
ويسعى الاتحاد الأوروبي الذي يحاول حل أزمة البلقان من جذورها إلى اجتذاب هذه البلدان للانضمام إلى الاتحاد، ويجري أيضا النظر في خطة السيدة فان دارلين لدعم وتوحيد غرب البلقان في هذا الصدد. خطة على الرغم من أنها عامة للغاية وبدون تفاصيل يبدو أنها تعني محاولة الاتحاد الأوروبي للاقتراب من غرب البلقان. حيث يرى البعض أنها مجرد عرض وخطوة غير واقعية. إلى جانب الجهود المبذولة لحل الصراع بين صربيا وكوسوفو، عُقد اجتماع في بروكسل تحت ضغط من الاتحاد الأوروبي [4]، وفي الغالب لم يتوصل إلى نتيجة ملموسة ويبدو أنه يتطلب المزيد من الحوار والضغط من القوى المؤثرة في المنطقة، وإذا تأخرت هذه المحادثات فقد يؤدي ذلك إلى صراع عسكري.
قد يكون هذا خبراً جيداً لموسكو بأن المنطقة الرمادية (منطقة المعركة غير المباشرة) لا تزال لديها القدرة على المناورة وربما الحصول على نقاط من الجانب الآخر. يمكن لروسيا بالنظر إلى قدرتها على التأثير على صربيا وكذلك كقوة مهمة في المنطقة ، المشاركة في عملية الحوار والخروج من العزلة وتصبح لاعباً رئيسياً في صراع البلقان. من المحتمل أن يكون الهدف مصحوباً بزيادة في النزاعات الأخرى في البلقان، وستحاول روسيا استخدام قوتها بالوكالة لتقليل الضغط على نفسها وزيادة أوراق اللعب حتى تتمكن من الحصول على مزيد من القوة التفاوضية.
يبدو أن البلقان أصبحت ملعبًا جديدًا للغرب و روسيا، والمنطقة التي لطالما شهدت صراعات عرقية وثقافية وحتى دينية وكانت في سلام لبعض الوقت بعد عدة أزمات، أصبحت مرة أخرى ملعبًا للحكومات الكبيرة وربما الخاسر الرئيسي هو شعوب هذه المنطقة وإضعاف حكوماتهم، وربما نشهد أزمة هجرة أخرى، كل هذه القضايا تعتمد على العلاقات بين الغرب وروسيا وجهودهم لحل النزاعات في هذه المنطقة ديبلوماسية وحوار أم لغة قاسية وحرب، وهل تعلو مصالح الشعوب على مصالح القوى العظمى؟
[1] europeanwesternbalkans.com
[2] Reuters.com
[3] Euronews.com
[4] Euronews.com