ترامب و المخاوف الاقتصادية في أوروبا
تواجه ألمانيا وهي أقوى اقتصاد في دول أوروبا فترة من عدم الثقة الكبيرة، حيث أصبحت مخاوف الركود والتوترات التجارية المتجددة مع الولايات المتحدة قضية أساسية. وقد أبدى الخبراء الماليون قلقهم من أن إلتقاء الضعف الاقتصادي الداخلي مع الضغوط الخارجية من إدارة ترامب يمكن أن يقود ألمانيا نحو ركود اقتصادي ثانٍ على التوالي.
تواجه ألمانيا وهي أقوى اقتصاد في دول أوروبا فترة من عدم الثقة الكبيرة، حيث أصبحت مخاوف الركود والتوترات التجارية المتجددة مع الولايات المتحدة قضية أساسية. وقد أبدى الخبراء الماليون قلقهم من أن إلتقاء الضعف الاقتصادي الداخلي مع الضغوط الخارجية من إدارة ترامب يمكن أن يقود ألمانيا نحو ركود اقتصادي ثانٍ على التوالي (1).
ومع إنشاء وكالة جديدة باسم "خدمات الإيرادات الخارجية" في الولايات المتحدة المسؤولة عن جمع الرسوم والضرائب الجمركية، زادت إمكانية حدوث حرب تجارية مدمرة، مما زاد من حدة الوضع الاقتصادي الهش في ألمانيا. في هذا السياق يتحرك الاتحاد الأوروبي ضمن هذه الأجواء غير المستقرة و يبدو أنه على صانعي السياسات هناك إعادة تقييم علاقاتهم التجارية والدبلوماسية مع الولايات المتحدة لتقليل المخاطر الناجمة عن السياسات التجارية العدوانية التي ينتهجها ترامب.
كان النمو الاقتصادي في ألمانيا في حالة تراجع حتى قبل عودة ترامب إلى البيت الأبيض. فقد نجت البلاد في عام 2023 بالكاد من ركود اقتصادي، ولكن في ظل ارتفاع التضخم الحالي وانخفاض الإنتاج الصناعي، وضعف الطلب المحلي زادت احتمالات حدوث ركود آخر. يعاني قطاع التصنيع، الذي يُعتبر عصب الاقتصاد الألماني من مشاكل بسبب اضطراب سلاسل التوريد وتقلبات أسعار الطاقة وانخفاض الطلب العالمي. بالإضافة إلى ذلك أحدثت الآثار المستمرة لجائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا أنماطًا جديدة من عدم الاستقرار الاقتصادي مما قلل من قدرة ألمانيا على العودة إلى النمو الاقتصادي السابق.
على الرغم من جهود الحكومة الألمانية لمواجهة الظروف الاقتصادية الحالية من خلال حزم التحفيز والاعانات الداعمة فإن الثقة في الأسواق قد تراجعت، وانخفض الاستثمار الأجنبي. لقد أدت حالة عدم الثقة بالأداء الاقتصادي المستقبلي لهذا البلد إلى لجوء المستثمرين إلى خيارات أخرى، مما زاد من تفاقم المشكلات الاقتصادية في ألمانيا. في هذا الوضع الهش فإن احتمال حدوث نزاع تجاري آخر مع الولايات المتحدة يُعتبر مصدر قلق كبير لألمانيا.
مع ذلك أعادت عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة تنشيط المخاوف بشأن السياسات الاقتصادية الحمائية التي قد تلحق الضرر بالاقتصادات الأوروبية، وخاصة ألمانيا. وكانت واحدة من أوامر ترامب التنفيذية الأولى تتضمن إنشاء "خدمات الإيرادات الخارجية" المسؤولة عن تنفيذ الرسوم والقيود التجارية. نظرًا لتاريخ ترامب في فرض رسوم ثقيلة على الحديد والألمنيوم من أوروبا وقد أصبحت الصناعات الألمانية في خطر كبير.
يعتمد الاقتصاد الألماني بشكل كبير على الصادرات حيث تعتبر الولايات المتحدة واحدة من أكبر شركاء ألمانيا التجاريين. أي خلل في العلاقات التجارية قد يترتب عليه عواقب وخيمة للشركات والعمال الألمان. خلال فترة رئاسة ترامب السابقة، هددت إدارته بفرض رسوم تبلغ 25% على واردات السيارات الأوروبية، وهو إجراء كان يمكن أن يلحق ضربة قاسية بصناعة السيارات في ألمانيا. على الرغم من عدم تنفيذ هذه الرسوم في النهاية إلا أن احتمال إعادة تطبيق السياسات الحمائية تحت إدارة جديدة لا يزال يعد مصدر قلق كبير.
علا على ذلك فإن تأكيد ترامب على إعادة إحياء إنتاج السلع الأمريكية في داخل البلاد وتقليل الاعتماد على المنتجات الأجنبية قد يؤدي إلى إنشاء حواجز تجارية أكثر صرامة، مما سيقيد وصول ألمانيا إلى السوق الأمريكية. وإذا قام ترامب بتنفيذ تهديداته فقد تواجه ألمانيا خسائر تصل إلى مليارات الدولارات، مما سيفرض ضغطًا إضافيًا على اقتصادها الذي يعاني بالفعل من صعوبات جمّة .
إلى جانب ذلك لا تقتصر التحديات الاقتصادية في ألمانيا على حدود هذا البلد فحسب. باعتبارها أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي فإن أي ركود فيها سيكون له تأثيرات واسعة النطاق على القارة بأسرها. ستعاني البلدان الأخرى في الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا وإيطاليا وهولندا التي تربطها علاقات اقتصادية وثيقة مع ألمانيا، أيضًا نتيجة لانخفاض التجارة وتدفقات الاستثمار.
علاوة على ذلك فإن عدم اليقين بشأن السياسات التجارية الأمريكية قد يضعف اليورو مما يؤدي إلى زيادة التضخم وارتفاع تكاليف الواردات. قد يؤدي التضخم المرتفع إلى تقليل القدرة الشرائية للمستهلكين ويبطىء نمو الاقتصاد في جميع أنحاء المنطقة. لقد كانت دول الاتحاد الأوروبي في السابق تكافح مع ارتفاع أسعار الطاقة وضغوط سوق العمل، ويمكن أن يدفع المزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي من ألمانيا هذه الكتلة نحو ركود أعمق.
وفي ظل هذه التهديدات الاقتصادية، ينبغي على أوروبا اتخاذ تدابير وقائية لحماية نفسها من تبعات السياسات التجارية التي ينتهجها ترامب. تاريخيًا اعتمد الاتحاد الأوروبي على علاقات تجارية قوية مع الولايات المتحدة، ولكن النهج الذي يتبناه ترامب "أولاً أمريكا" يوضح أن هذه العلاقات قد تكون في خطر. يجب على أوروبا إعادة تقييم استراتيجيتها الاقتصادية واستكشاف سبل تقليل اعتمادها على التجارة مع الولايات المتحدة.
في هذه الظروف الصعبة لا يمكن لأوروبا أن تبقى تحت هذا الوضع السلبي. ويتعين على صانعي السياسات إعادة النظر في نهجهم تجاه العلاقات مع الولايات المتحدة والبحث عن شراكات تجارية بديلة وتعزيز المرونة الاقتصادية داخل الاتحاد الأوروبي. من خلال اتخاذ قرارات حاسمة، يمكن لأوروبا أن تتجاوز هذه الأزمات الاقتصادية وتحمي نفسها من العواقب الناجمة عن السياسات التجارية لترامب. إن مستقبل ألمانيا وبالتالي الاقتصاد الأوروبي ككل يعتمد على اتخاذ قرارات استراتيجية واستباقية في مواجهة هذه التهديدات، وإذا تمكنوا من اتخاذ قرارات شجاعة وصائبة، سيكون عبورهم من هذه الأزمة أسهل، وقد تظل أوروبا قوة كبيرة في المستقبل.
1. euronews