انقلاب النيجر والقلق من التداعيات على الجزائر
تحاول الجزائر منذ اليوم الأول لانقلاب النيجر استيعاب الأمر والبحث عن حل دبلوماسي مناسب، وهذا ما أعلنه وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، في 29 آب/ أغسطس، نقلاً عن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون "في إطار رؤية تضمن احترام مبدأ عدم شرعية التغييرات غير الدستورية من جهة، وتحقق التفاف الجميع على الخيار السلمي، بعيداً عن أي تدخل عسكري".
قلق الجزائر لم يأت على قاعدة تخلخل العلاقات بينها وبين دول الجوار، وخاصة تلك التي شهدت الانقلابات العسكرية، لكن عبّر عنه رئيسها خلال لقائه الدوري مع وسائل الإعلام أوائل شهر آب/ أغسطس، بعد التهديد الفرنسي بالتدخل العسكري في النيجر إلى جانب دول إيكواس، ويكمن التخوف في أن أيّ رد فعل عسكري قد يشعل منطقة الساحل بأكملها.
وأوضح مصدر حكومي جزائري لرويترز في أواخر 22 من الشهر الماضي، أن الجزائر تشعر بالقلق من تداعيات الحرب عليها مثل تدفق المهاجرين إلى أراضيها بسبب أي حرب يمكن أن تشعلها فرنسا. وأضاف المصدر: "نحن ضد الانقلابات ولكننا أيضاً ضد العمل العسكري الذي من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع في النيجر وخارجها في منطقة الساحل". فالجزائر تشترك جنوباً بحدود طولها 1329 كم مع مالي و951 كم مع النيجر. حدود يمكن عبرها تصدير حتى المهربين والمخربين والانقلابيين إلى الجزائر، إضافة إلى أشياء أخرى من حق الجزائر القلق منها. لذلك أكد الرئيس تبون في مقابلة على التلفزيون الرسمي أنه يرفض رفضاً قاطعاً أي تدخل عسكري من خارج النيجر، وأضاف: "النيجر تشترك مع الجزائر في حدود تمتد لنحو ألف كيلومتر"، "ولن يكون هناك حل من دوننا، نحن أول المعنيين". وفي هذا الإطار جاء كلام الوزير عطاف عن تخوف بلاده من تحويل النيجر إلى: "بؤرة صراع جديدة تشكل حاضنة للإرهاب والجريمة المنظمة".
هذه هي المخاوف الرئيسية التي تجعل الجزائر في موقف لا تحسد عليه فيما إذا استطاعت فرنسا شن الحرب فعلياً على النيجر. هذا إضافة إلى الضغط الذي يمارس على الجزائر منذ بدء "الربيع العربي"، من أجل الانخراط في عملية التطبيع مع الكيان العبري، والتي تجعل خطر وصول فوضى دول الجوار مضاعفاً فيها، خاصة وأن أعداءها يقفون لها بالمرصاد.
هناك ثلاث نقاط ملفتة بما يتعلق بالجزائر وخاصة بعد انقلاب النيجر:
النقطة الأولى، تزامن الانقلاب مع القمة الروسية- الأفريقية في شهر آب الماضي، وحضور الرئيس الجزائري في روسيا. قام تبون بتوقيع عقود مع روسيا من أجل إعادة تسليح الجيش الجزائري. ويبدو أن العلاقة، التي ابتدأت ما بين الجزائر وروسيا، مقلقة جداً بالنسبة لكل من فرنسا والغرب، لأن تبون أحيا خلال زيارته لروسيا في العاشر من حزيران/ يونيو الماضي اتفاق الشراكة الإستراتيجية، الذي جرى توقيعه في العام 2008. ومن أهم ما تناوله لقاء بوتين وتبون هو طلب الأخير الانضمام السريع لمجموعة بريكس، طلب لحقه منذ أسبوع تقريباً طلب فرنسي بضم مجموعة إيكواس لمجموعة العشرين. طلب فرنسا يظهر قلقها من تسارع سلسلة الانقلابات في أفريقيا التي ابتدأت دول منها فعلياً بتقديم طلبات للانضمام لبريكس مما سيعني خسارتها للقارة السوداء بشكل نهائي.
تزامنت الأحداث مع إعلان الجزائر اكتشاف 10 حقول غاز جديدة خلال النصف الأول من هذا العام. هذا الاكتشاف يدعو لقراءة جديدة لتصريح تبون القلق والذي يدعا فيه لتشاور ضروري بين الأصدقاء في كل الظروف وفي جميع النقاط التي تهم الطرفين، وخاصة بالنسبة للتنسيق مع روسيا الاتحادية بشأن توفير الغاز لأوروبا، وبناء عليه جاء في طلب تبون التعجيل بانضمام الجزائر لمنظمة بريكس بسبب الوضع الدولي المضرب، وتعجيل الانضمام فيه فائدة لاقتصاد الجزائر. وبحسب ما نشر على موقع الطاقة، فإن الجزائر منذ نهاية العام الماضي رفضت رفع صادراتها من الغاز الطبيعي والغاز المسال إلى فرنسا من أجل تعويض النقص في استيراد الغاز الروسي في ضوء الحرب الدائرة في اوكرانيا، خاصة وأن الحاجة الفرنسية والأوروبية متزايدة على الغاز الجزائري لتعويض الغاز الروسي. وبهذا يمكننا فهم الغضب الفرنسي من الجزائر والذي تصاعد بعد الرفض الجزائري لاستخدام أجوائها في أي عملية عسكرية ضد النيجر. ومع رفض الجزائر السماح باستخدام أجوائها ضد النيجر أو غيرها من الدول المنقلبة على الاستعمار في أفريقيا فإن هذا سيقوم بإبعاد فرنسا أكثر فأكثر عن القارة السوداء. إضافة إلى أن الخلافات التاريخية والإنسانية والاقتصادية عميقة مع فرنسا وتتعلق بمعاناة بلد المليون شهيد مع المستعمر الفرنسي.
ومن ناحية أخرى، فقد أثارت صفقة السلاح ما بين روسيا والجزائر، وخاصة بعد الحديث عن عقود ضخمة، غضب الأميركيين، حتى أن وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكن، هدد باستخدام أقصى العقوبات على الجزائر. غير أن وفدًا حكوميًّا أميركيًّا زار الجزائر ضمن إطار الحوار الأمني الدوري وصرح بأن واشنطن ليس لديها مانع من التعاطي بشكل إيجابي مع طلب الجزائر شراء السلاح. مع العلم أن الجزائر هي ثالث دولة مستوردة للسلاح الروسي.
النقطة الثانية، تتعلق بالتصريحات الأميركية الواضحة حول أمرين، الأول، نفي ضلوع روسيا في الانقلاب، حيث بدا وكأن أمريكا تحاول الالتفاف على المقاربة الروسية المنافسة للغرب في افريقيا وبالتالي الابتعاد عن الاصطدام بها. والأمر الثاني، أن المتحدثين الأميركيين صرحوا بأن قائد الانقلاب، عبد الرحمن تشياني، صديق لأميركا وكان قد خضع لدورات تدريبية فيها. ومع ذلك، عقب الانقلاب أوقفت الولايات المتحدة بعض برامج المساعدات الخارجية للنيجر ومنها التعليم والتدريب العسكري الدولي والبرامج التي تدعم مكافحة الإرهاب، وابتدأت بالسماح للمدنيين بالاختباء في قواعدها، هل يذكرنا هذا بقواعد التنف؟
في الحقيقة لا تهتم أمريكا كثيراً بما يحدث على الأرض في أفريقيا فما يهمها هو استمرار حماية مصالحها، وهو يتطابق مع ما صرح رئيس راواندا، بول كاغامي لموقع سيمافور في 1 أيلول/ سبتمبر، بأن سياسات واشنطن منافقة وغامضة وأن "واشنطن تضع المعادن فوق القيم في أفريقيا". ولذلك فإن واشنطن تريد أن تقول لا يهم عدد الانقلابات وتوجهات قادتها، وبذا فهي ستستمر بعلاقاتها مع أية سلطة حاكمة في أفريقيا. كما أن واشنطن لا يعنيها تراجع قوة فرنسا في أفريقيا وتقدم روسيا أو مواجهتها، بل في الحقيقة إن ما يحدث يسير لمصلحتها دون بذل أي مجهود يذكر. وفي هذا الإطار وضمن اللقاءات الأميركية الجزائرية الأمنية، فإن ما رشح عن اللقاءات أن ما يعني الولايات المتحدة، هو استمرار العلاقة الأمنية مع الجزائر لمصلحة قواعدها في أفريقيا، ويمكن لفرنسا أن تصدم رأسها بالحائط.
النقطة الثالثة، إن كلًّا من أمريكا وفرنسا دولتان تريان في القيادة الجزائرية قيادة محبطة لسياساتها في المنطقة العربية والإفريقية. فالجزائر وقفت عصية على التطبيع في أصعب أيامها وخاصة خلال بدء الحرب على سوريا. وهذا يحمل في طياته خطر تدبير انقلاب في الجزائر. فهي البلد العربي الأول الذي أطلق أول مبادرة قبل أربع سنوات من أجل الدفع لعودة سوريا لحضور قمة الجزائر العربية. وتحملت الجزائر التهديدات، يوم رفضت تعليق عضوية سوريا، من قبل بعض دول التعاون الخليجي بأنها إن لم تمتثل للأمر فسيأتي الدور عليها لاحقاً. ومع ذلك كانت أول من أرسل المساعدات الطبية والإنسانية وغيرها لسوريا بعد الزلزال الذي أصابها في بداية العام الحالي وجر ذلك وراءه سلسلة إعادة العلاقات ما بين الدول العربية وسوريا ومن أهمها السعودية ومصر. وبذا فهي أول من اخترق الحصار على سوريا ونادى من أجل إنهائه مخالفة بذلك إرادة التحالف الدولي والعربي. وأخيراً وليس آخراً، ترفض الجزائر حكومة وشعباً الدخول بأية اتفاقية سلام مع الكيان العبري او التعامل معه أو حتى الاعتراف بوجوده. وكانت الجزائر دائماً ومنذ بداية الأزمة الفلسطينية، وحتى عندما كانت محتلة من قبل الفرنسيين، مهتمة وداعمة للمقاومة الفلسطينية بالرجال والمال وبالتالي السلاح، وهذا ما يزعج الصهاينة والأميركيين على حد سواء، ويعتبرون أن السلاح الجزائري قد يشكل خطراً على الكيان الصهيوني. كما تعد الجزائر السد المنيع في وجه أي تطبيع مستجد مع الكيان العبري في شمال إفريقيا العربي.
المصدر: العهد