الوضع العام للكيان يتجه نحو الانهيار
في الأسابيع الأخيرة، تصاعدت إشتباكات الشباب الفلسطيني مع قوات الاحتلال. لم تقتصر هذه الصراعات والإشتباكات على قطاع غزة أو الضفة الغربية فحسب، إنما إتّسعت رقعتها مع تشكيل حكومة نتنياهو الجديدة، حيث تجسّدت الانقسامات في المجتمع الصهيوني بشكل أساسي في الجانب السياسي على وجه التحديد، كما امتدت هذه الانقسامات لتشمل باقي شرائح هيكل الكيان الصهيوني الاجتماعي فإندلعت مظاهرات واسعة من قبل اليهود والصهاينة ضد حكومة نتنياهو. وفي هذا الصدد، أجرينا حواراً مع الاستاذ علي عبدي الخبير في الشأن الإسرائيلي، فيما يلي نصه:
مع تشكيل حكومة نتنياهو الجديدة، تجلت الانقسامات والتقاطعات في المجتمع الصهيوني بشكل أساسي وعلى المستوى السياسي على وجه التحديد، كما امتدت هذه الانقسامات لتشمل باقي شرائح هيكل الكيان الصهيوني الاجتماعي. لذلك فأن غالبية الطبقات الاجتماعية في الكيان المحتل كان لها دورها أسوة بالأحزاب السياسية بالتأثير في النظام الصهيوني القائم، ونظراً للحصار السياسي الذي فرضه النظام المحتل في الاراضي المحتلة خاصة خلال السنوات الخمس الماضية.
لذلك شهدنا أربع انتخابات قد جرت في خمس سنوات ولم تستطع خلالها أية حكومة صهيونية البقاء لمدة عامين، وهذا يدل على أن الانقسامات والتضادات غير مقتصرة على النظام السياسي الصهيوني، بل تتعدى لتصل الى فضاءه الاجتماعي كله. على هذا الأساس، تحاول حكومة نتنياهو عبثاً خلق تقاطعات أو تقاربات بين هذه الانقسامات أو الفجوات الداخلية، كالفجوة الحاصلة بين الجانب العلماني والديني أو الفجوة بين اليمين واليسار، رغم أن هذه الثغرات والفجوات موجودة في المجتمع الاسرائيلي منذ زمن طويل، وكان لظهورها عوامل عدة. لكن رغم ذلك، فأن ما يحدث اليوم، أن هذه الهوات أو الثغرات تتداخل فيما بينها، أي أن الهوة السياسية متداخلة بين اليسار واليمين، والهوة بين الديني والعلماني أيضاً متداخلة، بل تشهد تفاقماً وارتفاعاً في حدتها، ما انعكس وتجلى مؤخراً على أحداث الشارع سواء في تل أبيب أو في المدن الاخرى في الاراضي المحتلة، بمعنى أن الانقسامات التي كانت تقتصر على الساحة السياسية، أصبحت تتجه اليوم نحو الساحة الاجتماعية، أيضاً.
وقد بدا واضحاً، هذا الانسداد الاجتماعي في قضايا الكيان، عند تنازل الكيان المحتل عن نظام تجنيد شباب الحريديم أو تقليص سلطة المحكمة العليا في اسرائيل. وهذان المثالان يعتبران دليلاً واضحاً على عمق الفجوة السياسية والاجتماعية التي يعيشها الكيان، والتي لا يمكن إيجاد حلول لها حتى بعد رحيل نتنياهو عن السلطة. بل ربما، لو رحل نتنياهو فعلاً عن السلطة، فسيكون هناك هدوءاً نسبياً، سياسياً أو اجتماعياً، إلا أن الانقسامات هي في الحقيقة متجذرة و عميقة في الواقع الاسرائيلي. والأهم من كل هذا، أن اسرائيل ذاتها تعيش في حالتين مجتمعية ثنائية القطب، ما يعني أن الانقسامات وزيادة الفجوات، لا تتغير مع تغير الحكومة، وإن كان ممكناً تغطيتها، إلا أن حلّها غير ممكن أبداً.
شهدنا، في الأسابيع الأخيرة، احتجاجات حاشدة من قبل الحريديم من جهة، ومن جهة أخرى، كانت هناك مظاهرات واسعة أيضاً، احتجاجاً على الاصلاحات التي طالت القضاء. فهل سيؤدي هذا الحال الى نشوء مجتمع ديناميكي أم سيتسبب في انهيار النظام وتدهوره؟
هذه ملاحظة جيدة، فبعض الناس قد صوتوا لنتنياهو، لكنهم في الحقيقة لم يتفقوا بشأن خطة ما سميت بالاصلاح القضائي. وهذا لا يعني أن هؤلاء الناس سوف يقفون بجانب معارضي نتنياهو. ولكن هناك رأي مشترك في معارضة التعديلات القضائية وتقليص سلطة المحكمة العليا التي قام بها نتنياهو، أن التصور العام السائد يكمن في الرأي القائل أننا إذا فعلنا هذا الشيء، فسوف نشهد تدميراً لما يزعمونها بـــ “الديمقراطية” في اسرائيل، وستكون هناك حكومة دكتاتورية. ولكن إذا أزلنا هذا الحال المتمثل في وجود نتنياهو من الساحة السياسية لاسرائيل، فستواجه اسرائيل تحديات من شأنها أن توجد فضاءً ثنائي القطب. وبغض النظر عن موضوع التغييرات والتعديلات القضائية، التي تعتبر انقلاباً أبيضاً، حتى إزاء معارضي نتنياهو، من ليبرمان الى نفتالي بينيت، وحتى الشخصيات اليسارية مثل بيني غانتس، فلا يمكن لأي منهم أن يقيم أسباباً للوحدة والتماسك داخل النظام السياسي. والعامل الوحيد الذي يمكنه توحيد الكيان الصهيوني الى حد ما، هو نتنياهو وحكومته المتطرفة. لذلك ستبدأ خلافات جديدة تظهر الى الواجهة في المجالين السياسي والاجتماعي، عليه، فإن رحيل نتنياهو لا يعني نهاية المشاكل، بل يمكن أن يكون مصدراً حقيقياً لمشاكل جديدة.
بناء على ما تفضلتم به، صرح يائير لبيد مؤخراً أنه مستعد للعودة إلى الساحة السياسية، فهل ستكون حكومة نتنياهو الحالية محكوم عليها بالفشل والانهيار على المدى القصير أو الطويل؟
احتمالية ذلك عالية أيضًا لأن الحكومة الحالية تتكون من 64 مقعدًا مقابل 56 مقعدًا في الكنيست. هذا يدل على أن هذين الجناحين السياسيين قريبان جدًا من حيث القاعدة الاجتماعية. لكن بالرغم من أن الاختلاف في عدد المقاعد في هذه الحكومة أكثر مقارنة بالحكومة السابقة، إلا أن هذا يُفسَّر أيضًا على أنه ثنائي القطب في الساحة الاجتماعية. وهذه المقارنة تظهر أنها متقاربة جدًا من حيث الوزن الاجتماعي. أما اليوم فمن حيث الوضع العام فالحكومة تتجه نحو الانهيار والتدهور من الداخل، أو يتجه نتنياهو نحو الانحلال الاجتماعي. وهناك ملاحظة جداً مهمة وهي أن جيل الشباب في اسرائيل اليوم لا يأمل في العيش في إسرائيل ولا يفكر بمصلحة في البقاء والإقامة في إسرائيل. بل أن جيل اليوم في إسرائيل يفضل الهجرة إلى أمريكا أو أوروبا.
لكن في ظل هذه التداعيات هل يتوجب علينا الانتظار خلال العام أو العامين المقبلين لانهيار النظام وتدهوره؟ برأيي، لا يزال من المبكر الحديث عن هذا الموضوع، ولا يمكن التركيز على هذه القضية خلال مدة قصيرة قادمة، وسوف تتشكل الصورة بشكل أوضح حيال التدهور في أذهان الإسرائيليين وتترسخ أكثر، وهذا تحليل قام بتوضيحه خبراء ومحللون صهاينة، حيث أصبح بمثابة المفهوم الأكثر تكراراً لدى الاسرائيليين، وهم باتوا يستخدمون هذا المفهوم أو التعريف أحياناً كثيرة ويحذرون منه. وهذه قضية غير مسبوقة، وقد تبلورت تجاه رسم صورة المستقبل للنظام المحتل، حيث أدلى نفتالي بينيت في بيان من 26 صفحة، تحدث بشأنها ايهود باراك كثيراً. حتى أن مراكز البحوث الأمنية التابعة ل “INSS”، باتت تدرس هذا الحال وتقيّم تهديداته الرئيسية خاصة على الداخل والتخوف من حصول حرب أهلية وانهيارات لا يحمد عقباها.
وماذا عن أمثال ايتمار بن غفير و بتسلئيل سموتريتش، هل هؤلاء يساعدون على استقرار إسرائيل أم سيقودان إلى الانحدار والانحلال؟
هذه بالتأكيد تساعد في جعل المجتمع يتخذ خطوات نحو واقع أكثر راديكالية. وكلما زادت قوة المتطرفين، كلما زاد الغضب والكراهية في الاتجاه المعاكس. بغض النظر عن مدى التطرف الذي تظهره، تتجه التيارات اليسارية أيضًا الى أن تصبح أكثر راديكالية في التحليل والعمل. لذلك، كلما ذهبنا أبعد من ذلك، لا يمكن تصور أفق أكثر إشراقًا وأملاً للنظام. ان اسحق هرتسوغ يثير ايضا موضوع لعنة العقد الثامن وهذه القضية في سياق انهيار حكومة الحشمونائيم قبل بلوغها سن الثمانين وتدميرها، لذلك فالاسرائيليين متخوفون من أن الكيان المحتل أيضاً يزحف بأكثر من 70 عاماً نحو الــ 80 عام بخشية انهياره. وكذلك موضوع التعصب والعنف الاجتماعي لم يكن من المواضيع الشديدة في المجتمع الصهيوني، والحد من التسامح والسلام قد أصبح على مستوى كبير من المجتمع. وفي هذا الخصوص يقول “تامير باردو” المسؤول السابق في الموساد: إن التهديد الرئيسي ليس إيران ولا حزب الله. إن التهديد الرئيسي سيأتي من التحدي المتزايد الذي سنواجهه في المستقبل، ألا وهو الافتقار إلى الصمود أمام بعضنا البعض، وهذا سيؤدي إلى بداية حرب أهلية.
إلى أي حد ستغير التحديات الأمنية والعسكرية للكيان في مواجهة الفلسطينيين داخل أراضي 48 والضفة وغزة؟
استناداً الى ما هو متفق عليه، وبناء على قدراتها البشرية والآلية الحالية لا تمتلك إسرائيل القدرة على الانخراط في جبهات متعددة. وهذا يعني أنه لا يمكن أن تكون مشغولة داخل وخارج حدود الأراضي المحتلة في نفس الوقت. وعلى سبيل المثال أنهم لا يستطيعون مواجهة تهديد الجبهة الشمالية وإدارة الصراع داخل الضفة الغربية. هذا الموضوع قد أثاره الجنرال السابق في الجيش الاسرائيلي “اسحاق بريك” الذي انتقد النظام الأمني والعسكري لإسرائيل في العامين أو الثلاثة أعوام الماضية، وقال إن إسرائيل ستواجه تحديات خطيرة للغاية في السنوات المقبلة، بما في ذلك استنفاد القوة البشرية واستنفاد المعدات واللوجستيات، وتآكل نظام التخطيط الحربي و العسكري، والأهم من ذلك، موضوع التحفيز لدى الجنود، وهو أمر حساس للغاية. والمشكلة الرئيسية اليوم في الجيش الاسرائيلي تعود الى انخفاض الرغبة بالخدمة فيه، بل ارتفاع حالات الانتحار لدى عناصره، هذا يعني أن اسرائيل ستكون عاجزة عن السيطرة وإدارة المواقف العسكرية في المستقبل. على سبيل المثال، عندما تصاعد التوتر بالضفة الغربية في السنة الماضية، فقد شكّل ذات التوتر تهديداً جدياً للنظام المحتل وليس مجرد مشكلة عابرة، وقد نشأت إزاءه تحذيرات، أي إزاء التصعيد. ولحد اليوم، يشكل الصراع والتوتر في الضفة الغربية أكبر صعوبة للمحتل من تهديدات قطاع غزة. إضافة إلى ذلك، على النظام المحتل ألا يتجاهل خطر الجبهة الشمالية لحزب الله اللبناني، وخطر عرب 48، وخطر غزة وخطر إيران وجبهة المقاومة بشكل عام.
طالما حرص نظام الاحتلال على وأد المقاومة الفلسطينية من خلال شنه لحملات هجومية مختلفة، آخرها كان هجومه على مخيم جنين، الهجوم الذي وصف بالوحشي، لكن ردود أفعال هذا الهجوم قد جاءت أشبه ما تكون بالكابوس على النظام نتيجة العمليات الفدائية التي قام بها الفلسطينيين. برأيكم هل ستتواصل هجمات النظام المحتل وتنفيذ مخططاته ضد عرب 48؟
نعم، فهناك رغبة متجددة دائماً من قبل هؤلاء المتطرفين أمثال ايتمار بن غفير و سموتريتش وغيرهم، للاستمرار في شن الهجمات الوحشية اللاإنسانية. حالياً، هناك توجه اسرائيلي يتمحور بطرد من تبقى من عرب 48 فيما لو حصلوا على دعم مالي من بعض المنظمات. وهنا يحاول نتنياهو فرض سيطرته على الساحة، خوفاً من أن يخرج الوضع عن سيطرته ويتجه الى الراديكالية المطلقة ولم يعد حينها قادر على إدارة كيانه المحتل. وسبب ذلك أنه يفكر بقلق إزاء أمثال ايتمار وسموتريتش المتطرفين الذين لا يملكون خبرات عسكرية ولا سياسية، فقط ما يعرفونه هو تشددهم الديني وعلى ضوئه يحاولون فرض خططهم وتطبيقها. حدثت هذه المسألة في عهد أرييل شارون الذي أدخل الكيان المحتل في الوحل لـــ 18 عاماً. كذلك لو تحدثنا بخصوص حرب الـــ 33 يوماً التي جرت في تموز/آب 2006م وصمد حينها حزب الله بوجه العدوان الاسرائيلي صموداً، أذل خلاله جيش العدو بصور لا تزال خالدة في الأذهان. والسبب أن من أرادوا إدارة الحرب في اسرائيل كانت لهم تجارب عسكرية، لكنها لم تكن كافية لأنهم لم يكونوا قد ارتدوا اللباس العسكري من قبل.
في الفترة الأخيرة، شنت طائرات الكيان المحتل هجمات على مواقع صناعية دفاعية ايرانية. وكانت تحليلات الخبراء قد أشارت الى هذه الهجمات أنها قد جاءت من طرف الكيان الاسرائيلي. هل برأيكم لدى اسرائيل القدرة على مواجهة ايران عسكرياً؟ وكيف سيكون برأيكم الرد العسكري الايراني؟
بكل تأكيد، هناك مسألة واضحة للجميع، تتلخص بأن اسرائيل بشكل عام غير قادرة على مواجهة ايران مباشرة، لا عسكرياً ولا بشرياً. وأن ايران تتفوق من حيث القوة العسكرية والعدة البشرية، بينما تمتلك اسرائيل قدرات معلوماتية أمنية. أي أن ايران متقدمة كثيراً على اسرائيل في مجال الصواريخ والقدرات العسكرية عموماً، بينما هم متقدمون في المعارك السرية أو ما تسمى بحروب الظل. وإزاء هذه النقطة، الاسرائيليون لا يعترفون على الملأ بهذه المشكلة التي يعانون منها، لكنهم في قرارة أنفسهم يدركونها جيداً.
ووفق ما نشرته صحيفة وول ستريت قبل بضعة سنين إبان رئاسة الرئيس روحاني، حين تعرضت بعض سفننا الى هجوم، لكن على الفور جاء الرد الايراني على ست سفن اسرائيلية وهاجمتها، ما أدى الى إعلان توقف هكذا عمليات على سفننا بسرعة كبيرة. لسببين، الاول، أن الشريان الحيوي لاسرائيل يكمن في البحر، فــ 95% من تجارة العدو تتم عبر البحر، ولو حصل هجوم مماثل عبر البحر، فهذا يعني توقف خطير سيحدث في تعاملات العدو التجارية اليومية. أما السبب الثاني، فهو يتلخص في أن اسرائيل قد أدركت أكثر أن قدرات ايران العسكرية يمكن أن تتخطى كل شيء في اسرائيل. على الرغم من أن الكيان المحتل يمتلك طائرات اف 35 المتطورة، ولكن بالمقابل فأن ايران أيضاً تمتلك طائرة شاهد 136 المميزة.
ولا ننسى، أن ايران تمتلك تجارب عسكرية أفضل وأكثر من الكيان المحتل، خاصة وأن ايران قد خاضت حرباً طويلة امتدت ثماني سنوات، مكنت أركانها العسكرية من الخبرات والتجارب في الدفاع المقدس. بينما الكيان المحتل يمتلك بسبب أجنداته الارهابية والتخريبية، يمتلك نواحٍ استخباراتية وأمنية أكثر. وهذه ناجمة عن الدعم المتواصل له من قوى عالمية خاصة الولايات المتحدة الامريكية. على هذا الاساس، إذا فكرت اسرائيل القيام بعمل عدائي والهجوم عسكرياً ضد ايران، فيتوجب عليها الاستعانة بأمريكا وانتظار أن تطلق لها الضوء الاخضر في ذلك.