الناتو تحالف كبير أم خطأ بحجم أوروبا؟
الناتو تحالف كبير أم خطأ بحجم أوروبا؟
معاهدة شمال الأطلسي، التي تشكلت أثناء مواجهة نفوذ الاتحاد السوفيتي وأدت إلى تشكيل حلف الناتو العسكري، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كان هناك نقاش حول طبيعة واستمرار هذا الحلف دامت عدة سنوات، وأخيرا بدأ هذا التحالف في التوسع والإنتشار ولكن هذه المرة لتعزيز الديمقراطية واقتصاد السوق الحر ونشر أيديولوجية الليبرالية.
قبل ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا في عام 2014، واجه الناتو شكوكًا بشأن التوسع نحو الشرق، لكن تلك العملية والنتائج التي تحققت حتى ذلك العام شجعتهم على التوسع. كانت زيادة عامل الديمقراطية في دول أوروبا الشرقية، وزيادة الاستقرار الاقتصادي والسلام هي الأشياء التي قدمها حلف الناتو على أنها من إنجازاته كما إنه يعتبر نفسه وسيلة لزوال آثار الاتحاد السوفيتي، وأيضاً منقذًا لأوروبا الشرقية. وبنفس النهج سعى هذا التحالف إقتصادياً وسياسياً إلى جذب روسيا وزيادة توسيع نفوذه من أجل التمكن من إحاطة روسيا وتقييدها بشكل أكبر، من خلال إغلاق المجال الحيوي لتلك الدولة، ومنعها من أن تصبح تهديدًا كبيرًا أوروبا. لم تكن هذه النظرة التوسعية لحلف شمال الأطلسي، والتي كانت في شكل سياسي واقتصادي، مقبولة بالنسبة لروسيا، وخاصة أنها تمكنت من استعادة نفسها إلى حد ما بعد الاتحاد السوفيتي ونظمت اقتصادها وأدركت الآن خطر الناتو لأن وجهة نظر روسيا في السياسة الخارجية دائمًا تعتمد على الجغرافيا السياسية والفضاء الحيوي لها، وتلعب الجغرافيا دورًا مهمًا بالنسبة لهم[1]. كان الإجراء الأول للروس هو ضم شبه جزيرة القرم، وهي شبه جزيرة استراتيجية تحافظ على علاقة روسيا بالبحر الأسود والمياه الدافئة. كان هذا رد فعل روسيا على ما وصفه الرئيس بوتين بخدعة الناتو. بعد ذلك بدأ الناتو يفكر أكثر في التوسع إلى الشرق وأصبح أكثر تصميما في جهوده لاحتواء روسيا. ربما كانت هذه هي نفس النقطة المهمة المتمثلة في عدم الفهم الصحيح لوجهات نظر الأطراف حول السياسة الخارجية ، مما أدى إلى الحرب في أوكرانيا وتشريد الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم.
لم يتوقف الناتو باعتباره تحالفا رئيسيا بعد بدء الحرب الأوكرانية عن التوسع مرة أخرى، ومع انضمام فنلندا إلى التحالف حاصر روسيا عمليا، مما جعل المجال الحيوي للروس، والذي كان ذات أهمية كبيرة أقل من ذي قبل. أما السؤال حول ما إذا كانت روسيا قد وقعت في فخ الناتو والولايات المتحدة أم لا هو سؤال مهم لا يمكن الإجابة عليه بسهولة، ولكن أيا كان الأمر فقد أدى إلى توسيع العلاقات بين أعضاء الناتو نفسهم ويبدو أنه تمكن جزئيا من استعادة الثقة المفقودة للأوروبيين في الولايات المتحدة، على الرغم من أن الاتفاق لا يزال يعتمد على الولايات المتحدة، وربما يكون هذا نقطة ضعف كبيرة ويجب على أوروبا التفكير في حل، مثل زيادة الميزانية العسكرية لألمانيا أو تعزيز الخطط العسكرية في الدول الأوروبية التي تعتبر رد فعل على الحرب الروسية الأوكرانية. لكن هذا التوسع وربما "الطموح" ترك أثراً عميقاً آخر على الدول الأوروبية، وهو زيادة في التكاليف، وهو موضوع متعدد الأوجه يمكن أن يكون له آثار عميقة على البنية السياسية لأوروبا مثل ميل الناس لأقصى اليمين المتطرف والسعي للمواجهة بإرسال المعدات أو المساعدات المالية إلى أوكرانيا ، وأولوية الدول التي يمكن أن تكون هي نفسها الأساس لإنهيار الاتحاد الأوروبي ، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. الآن انعدام الأمن على الحدود الشرقية لأوروبا أو احتجاجات الناس في البلدان الأخرى والتي ظهرت أيضا في الانتخابات، ونمو اليمين المتطرف سيكون تحديا خطيرا للغاية لمستقبل تعامل الدول الأعضاء في الناتو مع بعضها البعض.
تنص أجندة الناتو 2030، التي تركز على النظرة العالمية وتؤكد على دور الناتو في مختلف المجالات مثل المناخ والتحديات العالمية الأخرى ، على أن التحالف يسعى إلى توسيع نفسه وأن يصبح تيارا مؤثرا [2] ولتحقيق هذا الهدف كما ورد في أجندة 2030 ، يجب أن يكون قادرا على الحفاظ على تفوقه في مختلف المجالات التكنولوجية والعسكرية و وحدة الأعضاء. ويجب أيضا التصدي لمختلف التحديات بين الأعضاء ومنع الآراء العنصرية. هذا تحد كبير لحلف الناتو والشيء الذي ربما فاتهم هو عدم الاهتمام بالاقتصاد ومستويات المعيشة بين أعضاء الحلف مما يعني أن التكاليف المالية ستزداد لتحقيق أهداف الناتو وسيكون هذا صعبا بعض الشيء على الدول ذات الاقتصادات الضعيفة وقد تسعى إلى الحفاظ على النشاط البحت في المجالات الدفاعية والعسكرية وهو السبب الذي تشكل من أجله حلف الناتو، لكن نهج الناتو 2030 يذكرنا تماما بقول ترومان أن "الناتو وخطة مارشال وجهان لعملة واحدة" ، والآن أصبح عملة أخرى ذات وجه واحد لا أكثر!
[1]،ش16،آذر1390 فصلنامه مطالعات روابط بین الملل
[2] NATO 2030: Towards A New Strategic Concept and Beyond