واشنطن وإعادة إنتاج داعش
واشنطن وإعادة إنتاج داعش
أعلن وزير الخارجية الأميركي توني بلينكين قبل أيام أن «القتال ضد داعش لم ينته بعد»، ويتساءل أي مواطن في هذه المنطقة هل قامت الولايات المتحدة حقاً بالقتال ضد مجموعات القاعدة ومسمياتها مثل داعش والنصرة، أم إنها قدمت لها طرق الانتشار في شمال سورية وحدود العراق منذ بداية الحرب على سورية عام 2011 لبناء قواعد الإرهاب فيها واحتلال الموصل والرقة ومناطق في شرق سورية وتوظيفها لإسقاط الحكم في سورية وشن حرب على المقاومة العراقية وعلى القوات الروسية في عام 2015؟!
يبدو أن المقصود مما يعلنه بلينكين هو إعادة إحياء بقايا مجموعات داعش والنصرة وتوظيفهما من جديد بعد الهزيمة التي مُني بها المخطط الأميركي في العقد الماضي على يد الجيش العربي السوري وحلفائه على المستويين الإقليمي والدولي.
وربما يصبح السؤال هنا هو: من الذي كان داعش يشن عملياته الإرهابية ضده منذ إنشائه؟ أليس ضد سورية وأطراف محور المقاومة في العراق ولبنان؟ وكذلك في مصر وليبيا وكل هذه الدول تخلصت من هذه المجموعات على اختلاف مسمياتها وانتصرت عليها وبدأنا نشهد الآن عودة دول عربية كثيرة إلى سورية وإيران ووضع مشروعات التعاون والأخوة بين الدول العربية كلها، كما بدأنا نشهد أيضا تعاوناً دولياً بين دول الخليج والصين وروسيا وبشكل لا يسر السياسة الأميركية وأهدافها في المنطقة بعد أن تبين للجميع أن الإدارة الأميركية هي التي كانت معنية بإيجاد النزاعات بين دول المنطقة لمصلحة الكيان الإسرائيلي والمحافظة على هيمنتها، فخلال ساعات قليلة تمكنت الرياض من طي كل خلافاتها مع طهران ودمشق بوساطة صينية وأمام الأعين الغاضبة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدين التي كانت تسعى لإشعال حروب بين دول المنطقة ضد بعضها بعضاً وتمكنت معظم دول المنطقة بمبادراتها ولمصلحة شعوبها من شق طريق الانفتاح فيما بينها وتفويت الفرصة على واشنطن وتل أبيب.
من المستغرب أن ينشر موقع وزارة الخارجية الأميركية في 23 آذار الماضي بيان ما يسمى «انتصار الحلف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على داعش في المنطقة» رغم أن العالم كله كان يرى أن الولايات المتحدة هي التي سمحت لمجموعات داعش بالانتشار في شمال سورية والعراق واحتلال الرقة والموصل وأراض أخرى، ولم تعترف واشنطن حتى الآن بتحرير المقاومة العراقية والجيش العراقي للموصل، فكيف ستعترف بانتصار سورية على داعش وتحريرها لأجزاء كبيرة من أراضيها التي احتلها داعش؟
منظمة العفو الدولية «آمنستي» نشرت في 12 كانون الثاني عام 2018 تقريراً بقلم أوليفر سبراغ المسؤول عن برنامج جمع المعلومات عن تسليح داعش، جاء فيه أن «بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا كانت تزود كل المجموعات المعادية لسورية بكميات كبيرة من الأسلحة واستخدم داعش هذه الأسلحة في انتشاره واحتلاله».
وفي 24 أيار الماضي أكد رئيس المخابرات الروسية سيرجي نارسكين أن الولايات المتحدة «تقوم بتدريب عناصر كثيرة من داعش في قاعدة التنف في الأراضي السورية المحاذية للعراق والأردن من أجل استخدامها ضد القوات الروسية والسورية وبهدف تخريب الانفتاح الذي تحقق بين طهران والرياض وسورية ولمنع تعزيز علاقات سورية بالعراق»، وهذا يدل على أن تحذير بلينكين من «عودة داعش» لن يكون سوى مقدمة لإعادة توظيف داعش جديد على يد الوحدات العسكرية الأميركية التي تتمركز كقوة احتلال في شمال شرق سورية وبخاصة في منطقة التنف وهذا ما تفعله واشنطن حين تقوم بتدريب مجموعات من بقايا داعش وكذلك مجموعات من ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد» للعودة لاستخدامها ضد الجيشين السوري والروسي في الشمال، كما أن واشنطن بدأت تلجأ إلى تجنيد عناصر داعش المعتقلين في معسكراتها لإعادة استخدامهم، ففي 20/12/2022 كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أن الوحدات الأميركية كانت قد اعتقلت عدداً من كوادر وقادة داعش في شمال شرق سورية وهذا يعني بوضوح أنها تقوم بجمع ما يمكن منهم لكي تتولى إعادة توجيههم مرة أخرى ضد العدو المشترك الجيش السوري وحلفائه.
لا أحد يمكن أن يشك بأن قادة مجموعات كثيرة من بقايا داعش أصبحوا تحت إدارة سرية للوحدات العسكرية الأميركية ويجري إعدادهم لشن العمليات ضد الجيش السوري وحلفائه كجزء من خطة أميركية يتم وضعها بالتنسيق مع «قسد» لتوسيع إطار المجموعات الإرهابية المسلحة التي يراد منها توجيه عملياتها ضد سورية والعراق، لكنه من المؤكد أيضاً أن تتوحد العمليات المشتركة السورية والعراقية بمشاركة بقية الحلفاء ضد ما يعد لشعوب المنطقة كلها، وستظل كفة ميزان القوى في شمال سورية وحدود العراق راجحة لمصلحة هذه الأطراف.
المصدر: الوطن