المجازر الإسرائيلية وتأثيرها على الصحة والسلامة للنساء الفلسطينيات

إن حق الصحة والسلامة والحصول على المرافق والخدمات الطبية والعلاجية هو حقٌ يُؤكد عليه بوضوح القانون في الوثائق المتعلقة بحقوق الإنسان. يؤكد المعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحق جميع البشر في التمتع بأفضل حال من الصحة الجسدية والعقلية، ويلزم الدول بتوفير هذا الحق بصفة كاملة بهدف تقليل حالات الإجهاض وخفض معدلات وفيات الأطفال وتحسين ظروف نمو الأطفال بشكل صحي وتعزيز الخدمات الصحية والحد من الأمراض وخاصة الأوبئة الشائعة وإيجاد الظروف المناسبة لتوفير المراكز الطبية والمساعدات العامة وتنفيذ الإجراءات اللازمة.

مارس 16, 2025 - 09:38
المجازر الإسرائيلية وتأثيرها على الصحة والسلامة للنساء الفلسطينيات
المجازر الإسرائيلية وتأثيرها على الصحة والسلامة للنساء الفلسطينيات

إن حق الصحة والسلامة والحصول على المرافق والخدمات الطبية والعلاجية هو حقٌ يُؤكد عليه بوضوح القانون في الوثائق المتعلقة بحقوق الإنسان. يؤكد المعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحق جميع البشر في التمتع بأفضل حال من الصحة الجسدية والعقلية، ويلزم الدول بتوفير هذا الحق بصفة كاملة بهدف تقليل حالات الإجهاض وخفض معدلات وفيات الأطفال وتحسين ظروف نمو الأطفال بشكل صحي وتعزيز الخدمات الصحية والحد من الأمراض وخاصة الأوبئة الشائعة وإيجاد الظروف المناسبة لتوفير المراكز الطبية والمساعدات العامة وتنفيذ الإجراءات اللازمة.

إن الإبادة المستمرة التي يمارسها نظام الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة أطلقت كارثة إنسانية غير مسبوقة، معرضًا أكثر من مليوني فلسطيني للخطر عمداً ؤمما ينجم عنه عواقب شديدة وواسعة النطاق وخاصة على النساء الفلسطينيات. لا يمكن أن يبقى شيء ولا مكان ولا شخص بمنأى عن العمليات العسكرية الممنهجة التي لا تتوقف ضد غزة وشعبها.(1)
 
بينما أدت الحرب الأخيرة في غزة والمناطق الفلسطينية الأخرى إلى تفاقم أزمة الصحة في فلسطين، فإن تدمير قطاع الرعاية الصحية والبنية التحتية في غزة لم يبدأ كرد فعل إسرائيل على هجمات 7 أكتوبر 2023 فحسب بل يمكن القول إنه يعود إلى سياسة الاحتلال الإسرائيلي في مجال تهجير الأفراد والكفاءات على مدار العقدين والنصف الماضيين، حيث تم تقييد وصول الفلسطينيين إلى الرعاية الطبية المناسبة والمُنقذة للأرواح بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية التي يمكن أن تصل إلى فلسطين وخاصة غزة بشكل كبير.

في يونيو 2007 فرضت إسرائيل حصارًا بريًا وبحريًا وجويًا على قطاع غزة ردًا على سيطرة حركة حماس. يمكن ملاحظة آثار الحصار من خلال القيود المفروضة على الإمدادات والمساعدات إلى غزة وكذلك التقييد المفروض على حركة الفلسطينيين المرضى الذين يسعون للوصول إلى الرعاية الصحية خارج قطاع غزة. ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة بشأن آثار 15 عامًا من الحصار الذي نُشر في عام 2022 فقد أقرّ المسؤولون الإسرائيليون حتى تاريخ صدور هذا التقرير أن 64% فقط من طلبات المرضى  للخروج من غزة هي للعلاج المتخصص في الضفة الغربية.

في أواخر أكتوبر 2024 صوت البرلمان الإسرائيلي أيضًا على حظر نشاط الأونروا وهي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة على الأراضي الإسرائيلية. هذا القانون يعد أمرًا حيويًا لتطوير النقاش حول الوصول إلى الخدمات الصحية في غزة ويساهم في تفاقم الظروف المدمرة حيث تقدم الأونروا غالبية المساعدات التي يمكن أن تصل إلى الفلسطينيين في غزة. ويزيد هذا القانون الجديد من العراقيل أمام الحصول على الرعاية الصحية والخدمات والمعدات الطبية المناسبة مما يفاقم من المعاناة التي تواجهها أكثر الفئات ضعفًا في غزة وبالأخص النساء.(2)
 
خلال الأشهر الماضية ووفقًا لإحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية حتى 6 يناير 2025 قُتل أكثر من 45000 فلسطيني في غزة من بينهم حوالي 12000 امرأة. بالإضافة إلى مئات الآلاف من القتلى والجرحى الفلسطينيين الذين سقطوا مباشرة نتيجة استخدام القوة المميتة و يخضع قطاع غزة منذ 9 أكتوبر 2023 لحصار كامل من قبل الحكومة الإسرائيلية مما أدى إلى تقليص دخول المواد الغذائية والوقود والمعدات الطبية وغيرها من الموارد الأساسية لبقاء السكان أحياء. وقد تأثرت النساء الحوامل والأمهات بالأخص بهذا السياسة الإبادة بشكل غير متناسب.

تم إعداد هذا التقرير استنادًا إلى مجموعة من التقارير الأولية ومشاهدات الخبراء. ويشمل شهادات ومقابلات مع الضحايا والشهود العيان والأطباء الذين شهدوا مباشرًة على انتهاك حقوق الإنجاب ضد النساء الفلسطينيات في غزة. بالإضافة إلى ذلك يعكس التقرير تجارب الحياة للصحفيات اللواتي عانين من هذه الظروف وقاموا بتوثيقها. هذا النهج الشامل يقدم عرضًا دقيقًا للتحديات التي تواجه النساء الفلسطينيات في غزة.(3) 
 
وفقًا لتقرير الأمم المتحدة للنساء في سبتمبر 2024، دُمّر أو تأثر 84% من المباني الصحية في غزة. و16% المتبقية من البنية التحتية للرعاية الصحية تفتقر إلى الأدوية الحيوية الطارئة ومعدات إنقاذ الحياة بالإضافة إلى الكهرباء والمياه. إن هذا النقص في البنية التحتية والوصول المناسب إلى الرعاية الصحية يؤثر بشكل مدمر على قطاع صحة النساء والأطفال في غزة. 

تتعرض نساء غزة خاصة النساء الحوامل واللواتي بعد الولادة بالإضافة إلى الأطفال الصغار لتأثير غير متناسب من تدمير نظام الرعاية الصحية الفلسطيني. وقد أفادت الأمم المتحدة بأن 162000 امرأة لخطر الإصابة بأمراض غير معدية مثل الأمراض القلبية الوعائية، والسكري، والسرطان. بالثإضافة إلى ذلك، هناك 15000 امرأة حامل على شفا المجاعة. إن سوء التغذية لدى النساء الحوامل لا يعرضهن فقط للخطر، بل يعرض الأجنة أيضًا للخطر. يرتبط سوء التغذية لدى الأجنة بمجموعة واسعة من المشكلات الصحية طويلة الأمد مثل زيادة عوامل الخطر للأمراض في المستقبل وتوقف النمو البدني والمعرفي وزيادة الوفيات المرتبطة بالأمراض القلبية الوعائية.

في يناير 2024 قدمت اليونيسف ملخصًا بعنوان "مولود في جهنم" والذي وصف المعاناة التي تواجهها النساء الحوامل في غزة وتأثيرها على أطفالهن، موضحًا كيف أن "الأمهات يواجهن تحديات لا تُتصور في الوصول إلى الرعاية الطبية والتغذية والحماية الكافية قبل وأثناء وبعد الولادة". يتناول المقال كيف تُركت الأمهات الحوامل مدفونة تحت الأنقاض نتيجة الهجمات الجوية.

منذ 7 أكتوبر 2023 تضاعف معدل الإجهاض بين النساء الفلسطينيات في غزة ثلاث مرات. ومنذ أبريل 2024 تلقت اللجنة الدولية للإنقاذ (IRC) تقارير موثوقة تفيد بأن بعض النساء يضطرن إلى إتمام الولادة القيصرية بدون أي دواء أو مسكن مما يتسبب في صدمة لا تُحتمل لجسدهن ونفسيتهن. بالإضافة إلى ذلك فإن صدمات الحمل خلال النزاع تحت الضغوط البدنية الشديدة تظهر نفسها في الولادة المبكرة مما يشكل خطرًا كبيرًا على الأم والطفل خاصة في ظل غياب العناية الطبية المناسبة.

لا يقتصر العبء الناتج عن آثار النزاع على الرعاية الصحية أثناء الحمل بل إن النساء والفتيات غير الحوامل في كل الأعمار حتى عندما لا يعانين من أمراض خطيرة يتأثرن مباشرة بعدم قدرة غزة على توفير الرعاية الصحية. وفقًا لتقرير الأمم المتحدة يعاني حوالي 700000 امرأة وفتاة في غزة من أعباء ومشاكل الدورة الشهرية الصحية بسبب عدم توفر وسائل وأدوات العناية النسائية و البنية التحتية الصحية الأساسية مثل المياه النظيفة والمرافق الصحية وورق التواليت وغيرها، إن ذلك لا يعرض هذه الفئة لزيادة خطر الإصابة بالعدوى والمضاعفات الصحية فقط بل يُلغي أيضًا خصوصية النساء والفتيات خلال هذه الفترة الحساسة والخاصة.(4)
 
يؤثر عدم توفر الموارد الصحية والرعاية اللازمة مباشرة على الصحة البدنية مما يؤثر بدوره على جودة الحياة والصحة النفسية للأشخاص الذين يعيشون في فلسطين. إن هذا يشكل دائرة مفرغة تستمر حتى مع تصاعد التوترات بعد اتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل ويمكن القول إنه يتجاهل حقوق النساء الفلسطينيات ويعتبر نوعًا من العنف المنظم ضد النساء في هذه البلاد.

حكيمة زعيم باشي

1-https://reliefweb.int/report/occupied-palestinian-territory/reproductive-health-under-genocide-struggle-palestinian-women-gaza-enar
2-https://www.irreview.org/articles/2025/1/14/the-impact-of-war-on-womens-healthcare-in-gaza
3-https://reliefweb.int/report/occupied-palestinian-territory/reproductive-health-under-genocide-struggle-palestinian-women-gaza-enar
4-https://www.irreview.org/articles/2025/1/14/the-impact-of-war-on-womens-healthcare-in-gaza